خاص

د. محمد الفيلي : عمر حكومة تصريف الأعمال يتجاوز أسبوعين ولا نصوص تمنع حضورها جلسات البرلمان

في دراسة قانونية خص بها الجريدة• حول طبيعة الحكومة

نشر في 01-12-2021
آخر تحديث 01-12-2021 | 00:05
أكد الخبير الدستوري، أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت، د. محمد الفيلي، أن العمل استقر على أن حكومة تصريف الأعمال يزيد عمرها على أسبوعين، وأنها لا تحضر اجتماعات مجلس الأمة، رغم عدم وجود نص يمنع حضورها.
وأضاف الفيلي، في دراسة قانونية خصّ بها «الجريدة»، أن السير المعتاد للمؤسسات الدستورية أمر مهم، كما أن استمرار عمل المرافق العامة بانتظام واطّراد يقود إلى القول بوجوب حضور حكومة تصريف الأعمال جلسات المجلس.
حكومة تصريف العاجل من الأمور، هي تطبيق لفكرة استمرار الدولة والحكومة مقرونة بفكرة ‏الضرورة.

الحكومة في أي نظام سياسي من الممكن أن تستقيل، كما من الممكن أن تتم إقالتها. هذه ‏النتيجة لا تؤثر على وجود حقيقة أخرى، وهي ضرورة استمرار حياة الجماعة. وهذا الاستمرار ‏يحتاج بطبيعة الحال إلى وجود حكومة تُشرف على استمرار المصالح العامة في إشباع الحاجات ‏العامة، ووجوب حماية النظام العام، وهذان العنصران هما مبرر وجود الحكومات. إما أن نعيّن ‏حكومة جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية بين نهاية عُمر الحكومة السابقة وبداية عمل الحكومة ‏الجديدة، أو أن نكلف الحكومة السابقة إدارة الأعمال لحين تعيين الحكومة الجديدة. الحل الأخير ‏أكثر واقعية، لذلك أخذت به أكثر الدساتير المقارنة، ومنها الدستور الكويتي في المادة 103، وهي تقرر: «إذا تخلَّى رئيس مجلس الوزراء أو الوزير عن منصبه لأي سبب من الأسباب يستمر ‏في تصريف العاجل من شؤون منصبه لحين تعيين خلفه».

ونلاحظ في هذا الصدد، أن حكم المادتين 101 و102 ومتطلبات واقع النظام البرلماني يقودنا للقول إن خروج الوزير من ‏الوزارة نتيجة سحب الثقة منه لا يستقيم مع استمراره في تصريف العاجل من الأمور، ذلك أن ‏مجلس الوزراء يملك تكليف وزير آخر ضمن أعضاء الحكومة تصريف أمور الوزارة. أما ‏نهاية ولاية رئيس مجلس الوزراء، فهي تقود بحكم اللزوم لوجوب تطبيق أحكام المادة 103 من ‏الدستور. ‏

حكومة تصريف العاجل من الأمور هي ابتداء حكومة، وهذا يعني أنها تتولى الاختصاصات ‏المنوطة بالحكومة، غير أن ربط وجودها بالعاجل من الأمور يقود إلى تقليص اختصاصاتها، ‏ربطاً بما هو من «العاجل من الأمور»، ما هو نطاق العاجل من الأمور؟ وإلى متى تظل باقية ‏لتصريف العاجل من الأمور؟ هل هناك ميعاد لا يجوز لها أن تتجاوزه؟

أولاً: اختصاصاتها: في الدساتير المقارنة يستخدم تعبير «العاجل من الأمور»، ويستخدم تعبير ‏‏»الأمور المعتادة أو الدارجة» أيضاً، فهل من أثر لذلك من حيث نطاق الاختصاص؟

لم أجد ‏إشارة في الأعمال التحضيرية للدستور تساعد في التفرقة بين المصطلحين من حيث النطاق، لكن أظن أن العاجل من الأمور أوسع من المعتاد منها، لأن المعتاد هو تسيير الأنشطة المرتبطة ‏بإشباع الحاجات العامة والضبط الإداري، فهذه أمور حتمية لا يستقيم القول بوجود حكومة دون ‏إشباعها، فهي أمر يدخل في إطار العاجل من الأمور. وهذا الفهم يمكن إسناده بحقيقة أن ‏استحباب الأخذ بالنظام البرلماني الكامل يقود واقعياً، كما سنرى، إلى إمكان استطالة أمد تشكيل ‏الحكومة الجديدة. إمكان استطالة أمد تشكيل الحكومة لا يستقيم مع القول إن نطاق العاجل من ‏الأمور ينحصر في العاجل من الأمور «المعتادة».

ويجب أن نعترف بأن التحليل السابق تحليل ‏نظري بحت، لعدم اطلاعنا على موقف القضاء الكويتي من هذا الأمر مع اختصاصه به، كما ‏سنرى. ولتحديد نطاق العاجل من الأمور يلزم الانطلاق من اختصاصات الحكومة.‏

اختصاصات الحكومة واسعة، لكن يمكن وضع ثلاثة أطر لها:‏

•‏ اختصاصات إدارية، وهي إشباع الحاجات العامة، من خلال تسيير المرافق والمصالح ‏العمومية، وتحقيق الضبط الإداري (أمن عام، صحة عامة، سكينة).‏

•‏ العلاقة الدستورية بالسُّلطات العامة داخل الدولة (البرلمان والقضاء)‏.

•‏ علاقة الدولة بالدول الأخرى.‏

الاختصاص الإداري

إذا تبنينا القول إن استمرار المرافق العامة بانتظام واطراد و‏تحقيق الضبط الإداري من مبررات وجود الحكومة، وإن تخفيض نطاق هذه الوظيفة ‏يؤدي إلى إلحاق الضرر بفكرة وجود الدولة، فهذا يعني قولنا إن إشباع هذه الحاجات من ‏العاجل من الأمور، ما دُمنا في إطار الإشباع المعتاد لها، ولم نتجاوزه. وهذا يعني أيضاً أن القدر المتجاوز للإشباع العادي للحاجات العامة يجب لمقبولية إشباعه بواسطة ‏حكومة العاجل من الأمور أن يكون عاجلاً، بمعنى أن عدم صدور القرار يؤدي إلى ضرر ‏بالغ يلحق بالمرافق العامة، أو أن التراخي في تحقيقه يؤدي إلى فوات مصلحة بالغة ‏الأهمية.

تطبيق الفكرة السابقة يعني أن المشاريع الجديدة والتعيينات الجديدة وإنهاء ‏العلاقة الوظيفية في غير حالة التأديب، مثل الإحالة للتقاعد، يجب لانعقاد الاختصاص ‏لحكومة تصريف العاجل من الأمور باتخاذها أن يكون الأمر عاجلاً، بمعنى أن عدم اتخاذ ‏القرار يلحق بالمرافق العامة ضرراً بالغاً، أو على الأقل ضرراً محققاً.‏

الاختصاص السياسي الداخلي

يدخل في هذا الإطار إدارة علاقة الحكومة بالبرلمان، وإدارة علاقة الحكومة بالقضاء.‏

‏ إدارة علاقة الحكومة بالبرلمان

في النظام البرلماني، ولتحقيق الرقابة المتبادلة بين ‏السُّلطات مع تعاونها، تمتلك الحكومة أدوات تستخدمها في علاقتها بالبرلمان. فهي تدعوه ‏للانعقاد، مع إمكان تنظيم هذا الاختصاص، من خلال فرض مواعيد حتمية، كما أنها تفض ‏أدوار الانعقاد وفق إطار محدد في الدستور، وهي تقدم مشاريع القوانين. كما تستطيع ‏حل المجلس، وفق قواعد مقررة بالدستور. وفي النموذج الكويتي تشارك أيضاً في ‏الكثير من أعمال المجلس النيابي، باعتبارها عضواً فيه. الأصل أنها لا تمارس من هذه ‏الاختصاصات إلا ما كان عاجلاً، أي ما كان لازماً للسير المعتاد للمؤسسات الدستورية، ‏مثل دعوة البرلمان للانعقاد، أو دعوة الناخبين للانتخاب في حالة نهاية الفصل التشريعي. ‏أما حل المجلس المنتخب، فهو ليس مما هو لازم للسير المعتاد للمؤسسة البرلمانية، وبالتالي ‏لا يجوز ممارسته، إلا إذا كان صدور القرار معدوداً بالنظر لظروفه أمراً عاجلاً، وعدم ‏صدوره يلحق ضرراً بالسير المعتاد للمؤسسة النيابية. ونفس الحكم ينصرف ‏للاختصاص التشريعي، فليس من المقبول أن تتقدم بمشاريع قوانين لا يعتبر تقديمها من ‏العاجل من الأمور. أما ما كان لازماً للسير المعتاد للمؤسسة البرلمانية، فهو يتضمنه ‏مفهوم العاجل من الأمور، وهو يشمل بطبيعة الحال السير المنتظم للمؤسسات الدستورية ‏خارج إطار الحكومة المستقيلة.

يجب أن نتذكر أن الاستقالة محلها الحكومة القائمة عند ‏الاستقالة فقط، وليس بقية المؤسسات الدستورية، والتي هي قائمة، لا يجوز أن يتأثر ‏وجودها إلا وفق حُكم خاص بالدستور، وأن يكون تأثرها في هذه الحالة استثناء، والاستثناء لا يجوز التوسع في تفسيره.

ومن باب الاستطراد، نلاحظ أن بعض أدوات ‏الرقابة البرلمانية سوف تتأثر واقعياً، فالاستجواب - وفق الدستور الكويتي - يمكن أن يؤدي ‏لطرح الثقة بالوزير، أو إعلان عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، وهو أمر قد ‏يؤدي للاستقالة الحكومية، في حين أن الحكومة مستقيلة، ولا يمكن دفع المستقيل ‏للاستقالة، لأن من شروط تحقق الاستقالة شغل المنصب المُستقال منه.‏

علاقة الحكومة بالقضاء

مبدأ استقلال القضاء يرد عليه إمكان التنظيم من قِبل المشرّع ‏العادي، والأخير يجعل المرسوم من أدوات تعيين القضاة، كما أن المرسوم أداة مقررة في ‏الدستور لممارسة العفو عن العقوبة. ونظن أن معيار السير المعتاد للمؤسسات الدستورية ‏يصلح تبنيه في التعيينات القضائية، بما معناه ما كان لازماً للسير المعتاد لمرفق القضاء ‏يشمله معيار العاجل من الأمور، وما تجاوز مستلزمات السير المعتاد ينظر فيه بتمعن، ‏لتقرير أنه قد صدر مستنداً لأمر عاجل لا ينتظر، أو أن سبب القرار لا يتحقق فيه هذا ‏الوصف. أما عن العفو عن العقوبة، فهو استثناء على مبدأ المساواة أمام القضاء، ووجوب ‏تنفيذ أحكامه، وعليه فإن ممارسته من قِبل حكومة تصريف العاجل من الأمور تخرج عن ‏الأمور المعتادة التي من الطبيعي أن تمارسها هذه الحكومة، ويلزم الوقوف عند كل قرار ‏لتقرير مدى سلامة انطباق العاجل من الأمور، مثل: إصلاح الأخطاء القضائية، وضرورة ‏تحقيق السلم الاجتماعي.‏

إدارة علاقة الدولة بالدول الأخرى

الحكومة تدير علاقة الدولة بالدول الأخرى، من ‏خلال ثلاث صور: التمثيل الدبلوماسي بإرسال الممثلين في الخارج واستقبال ‏ممثلي الدول الأجنبية، عقد المعاهدات الدولية، وإعلان الحرب، علما بأن الدستور الكويتي ‏يحرم الحرب الهجومية، ويجيز الدفاعية فقط.

قد يكون معيار السير المعتاد للمؤسسات ‏مناسباً في هذا الإطار أيضاً، فالعاجل من الأمور يشمل ضمان السير المعتاد لعلاقة الدولة ‏بالدول الأخرى. أما ما زاد على ذلك، فيجب الوقوف عنده، لتقرير إن كان عاجلاً يلحق الدولة ‏بعدم اتخاذه ضرر بالغ، أو يفوتها كسب عظيم أم لا.‏

بعد هذا العرض نخلص إلى أن نطاق اختصاص حكومة العاجل من الأمور ‏يتضمن ما هو لازم للسير المعتاد للمؤسسات الدستورية، وما يزيد عليه إن كان عدم اتخاذه ‏يلحق الضرر أو يفوت كسباً مهماً. وأعمال الحكومة يجب ألا تتجاوز هذا الحد، ويكون ‏ذلك تحت رقابة القضاء، لأن الالتزام بحدود الاختصاص من عناصر مشروعية القرار ‏الإداري، وهي مشروعية يراقبها القاضي الدستوري في القرارات التنظيمية، ويراقبها القاضي ‏الإداري أيضاً في حدود اختصاصه، بالإلغاء والتعويض، كما أن الرقابة البرلمانية من المنطقي ‏أن تكون موجودة، حتى مع القول بعدم جدوى تحريك المسؤولية السياسية. ‏

إذا وصلنا إلى القول إن نطاق اختصاص الحكومة في فترة تصريف العاجل من الأمور ‏يمكن تحديده، فما هو أمد وجودها؟ ‏

ثانياً: مدتها: تحديد اختصاصات حكومة تصريف العاجل من الأمور راجع لكونها حكومة ‏انتقالية تعمل لحين تسلم الحكومة العادية زمام الأمور. السؤال هو: هل يلزم أن يتم تشكيل ‏الحكومة الجديدة في ميعاد محدد؟

في الواقع لا يوجد بالدستور ميعاد محدد. الطبيعة ‏المؤقتة لحكومة تصريف العاجل من الأمور تستلزم أن يتم تشكيل الحكومة العادية في أسرع ‏وقت، لكن لا توجد ترجمة رقمية لعبارة أسرع وقت.

ونلاحظ في هذا الصدد، أن حكومة ‏تصريف العاجل من الأمور التي تنشأ نتيجة استقالة الحكومة بعد ظهور نتيجة الانتخابات ‏البرلمانية لا يمتد أمد تشكيلها لأكثر من أسبوعين، وهو ميعاد اجتماع المجلس بعد انتخاب ‏أعضائه.

وفق حكم المادة 57 من الدستور، والتي تقر: «يُعاد تشكيل الوزارة على النحو ‏المبين بالمادة السابقة عند بدء كل فصل تشريعي لمجلس الأمة» يلزم على الحكومة أن ‏تستقيل تمهيداً لتعيين حكومة تتسق مع توجهات المجلس الجديد. وقد استقر العمل إلى الآن ‏أن رئيس مجلس الوزراء المكلف تشكيل الحكومة الجديدة يتقدم مع الوزراء الذين اختارهم و‏صدر مرسوم بتعيينهم أمام مجلس الأمة، حتى لو لم يكتمل العدد المأمول، ثم يُكمل عدد الوزراء ‏بعد أداء فريقه للقسم أمام مجلس الأمة، وهو إذا لم يفعل ذلك، فلن يستطيع حضور جلسة ‏افتتاح مجلس الأمة، لأنه من دون فريقه الوزاري لا تتوافر فيه صفة رئيس مجلس الوزراء.

كي ‏تتضح الصورة يلزم تذكر موقف الدستور الكويتي من النظام البرلماني، والوقوف أمام قضية ‏مرتبطة واقعياً بقضية تشكيل الحكومة، مع أنها ليست جزءاً من الموضوع من الناحية المنهجية، ‏وهي حضور الحكومة المستقيلة لجلسات مجلس الأمة في الكويت.‏

في الختام نعتقد أن وجود حكومة تصريف العاجل من الأمور أثناء الفصل التشريعي أضحى من أدوات إدارة العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة، لارتباطه بحقيقة الحاجة لاستقالة ‏الحكومة، بغرض إعادة تشكيلها وفق الواقع المتغير لطبيعة المكون البرلماني، خصوصاً مع ‏غياب الأغلبية البرلمانية المبنية على برنامج سياسي، وضعف الكتل البرلمانية التي تتشكل ‏وفق برنامج سياسي قابل للتنفيذ، وهذا الواقع يجعل تحديد مدة لعُمر حكومة تصريف العاجل ‏من الأمور غير متيسر.

ونلاحظ أيضاً، أن إعادة تشكيل الحكومة قد يكون في بعض ‏الأحيان أكثر فاعلية من مجرد التدوير الوزاري. ونسجل أيضاً قناعتنا، أن المشكلة الأساسية ‏لا تكمن في طول مدة بقاء حكومة العاجل من الأمور بقدر تأثير غيابها على جلسات مجلس ‏الأمة، وبالتالي على انتظام سير المؤسسة البرلمانية، وهو ما يستدعي التعامل بجدية مع ‏الموضوع من هذه الزاوية لمصلحة السُّلطتين التنفيذية والتشريعية معاً، فمد مدة تشكيل الحكومة ‏الجديدة دون وجود حد أدنى مقبول من الرقابة السياسية على الحكومة الانتقالية يجعل القبول ‏السياسي وقبول الرأي العام بالوضع غير مريح على المدى البعيد، مع أنه في واقع الحال ‏أصبح ضمن أدوات ترتيب العلاقة البرلمانية- الحكومية.‏

الدستور والنظام البرلماني

عن موقف الدستور الكويتي من النظام البرلماني يقول د. الفيلي إنه لضمان استقرار الحكومة وعدم إسقاطها ‏من قِبل البرلمان يستلزم النظام البرلماني حصول الحكومة على ثقة البرلمان عند تشكيلها، ‏وأن تستمر هذه الثقة بعد ذلك.

أفضل طريقة واقعية للحصول على هذه النتيجة، هي ‏أن يتم اختيار الوزراء من الأغلبية البرلمانية، أو بقبول منها. فإن لم تفرز الانتخابات ‏أغلبية واضحة يلزم أن ينشأ ائتلاف من الكتل البرلمانية يجعل من الكتلة المؤتلفة أغلبية في ‏البرلمان. إذاً نحتاج لأغلبية ناتجة عن إرادة الناخبين أو مرتبة نتيجة التوفيق بين كتل ‏موجودة. والكتل البرلمانية، والمذكرة التفسيرية للدستور تعترف بوجودها داخل ‏البرلمان تحتاج، لضبط وجودها، لتنظيم لها من خلال الأحزاب أو الجماعات السياسية، ‏وهو أمر كان محل تردد من صانع الدستور الكويتي، وقد تجنب أخذ موقف حاسم فيه، ‏مفضلاً ترحيل الموضوع للمستقبل.

نتيجة لهذا الموقف تبنى الدستور في موضوع ‏العلاقة بين السُّلطات نظاماً ينطلق من النمط البرلماني، مع قبول بقدر من الابتعاد عنه، ومع اعتبار أن الابتعاد عنه حالة مؤقتة، بدليل أن المذكرة التفسيرية له، وقد صدرت عن ‏السُّلطة التأسيسية، تعتبره الأصل المنشود.

إذاً قدر من الابتعاد عن النظام البرلماني ‏مقبول، والاقتراب منه مأمول. موقف الدستور يعني أن تشكيل الحكومة من الأغلبية ‏البرلمانية ليس واجباً، لكن عدم قبول أغلبية البرلمان بها سوف يؤدي إلى سقوطها لاحقاً، لذلك يلزم عند اختيارها استطلاع موقف البرلمان منها. عدم وجود أغلبية تقبل بالحكومة ‏أو لا ترفض وجودها يعني اختيار الوزراء بما يماثل صنع كتلة تتماشى مع توقعات ‏توجهات أعضاء البرلمان. هذا من الممكن أن يتم بسرعة، كما يمكن أن يطول وقت ‏حدوثه وفق واقع الحال ومهارة رئيس مجلس الوزراء، والذي يلزم عليه أن يختار فريقاً ‏متجانساً ربطاً بخطة لعمل الفريق الحكومي يقدمها لمجلس الأمة فور تشكيل حكومته. ‏وإلى حين نجاحه بتحقيق هذه المهمة الدقيقة تستمر حكومة تصريف العاجل من الأمور ‏بعملها تحت حد من الرقابة يمارسها البرلمان والقضاء.

ونلاحظ أن الانتقال لمزيد من ‏البرلمانية لا يقلل من إمكان تأخر تشكيل الحكومة، بل قد يزيد من هذه الاحتمالية إذا لم ‏تفرز الانتخابات أغلبية واضحة، وهذه الأغلبية يجب أن يكون أساس وجودها برنامج ‏سياسي يصلح أن يكون برنامجاً تنفيذياً للحكومة.

والنماذج البرلمانية المقارنة تمدنا ‏بحالات يصل المدى الزمني لتشكيل كتلة مؤتلفة إلى عام كامل، نتيجة عدم وجود أغلبية ‏لكتلة من الكتل في البرلمان.

من الناحية العملية كان رئيس مجلس الوزراء المكلف ‏تشكيل الحكومة الجديدة بالكويت ينجح في مهمته خلال مدة لا تتجاوز الأسبوعين، حتى ‏لو كانت حكومة تصريف العاجل من الأمور تعمل أثناء فصل تشريعي قائم. لكن هذا ‏العمل لم يستقر، وتجاوز عُمر إحدى حكومات تصريف العاجل من الأمور خمسين يوماً، ‏فقد استقالت الحكومة في 25 نوفمبر 2008، وبقيت تصرّف العاجل من الأمور حتى 22 ‏يناير 2009، وكان رئيسها هو الشيخ ناصر المحمد، وكان هو أيضاً المكلف تشكيل ‏الحكومة الجديدة.

بعد هذه الواقعة أصبح عُمر حكومات تصريف العاجل من الأمور ‏أثناء الفصل التشريعي يتجاوز بشكل عام مدة الأسبوعين، علماً بأن العمل استقر على أن ‏حكومة تصريف العاجل من الأمور لا تحضر اجتماعات مجلس الأمة، باعتبار أن ‏اختصاصها محدود، كما أن العمل استقر على أن المجلس لا يعقد جلساته عند غياب ‏الحكومة.‏

حضور الجلسات

بشأن حضور حكومة تصريف العاجل من الأمور جلسات مجلس الأمة يذكر د. الفيلي أنه لا يوجد نص في ‏الدستور يقرر عدم جواز حضور حكومة العاجل من الأمور جلسات مجلس الأمة العادية. كما أن السير المعتاد للمؤسسات الدستورية، وهو أمر مهم كما استمرار عمل المرافق ‏العامة بانتظام واضطراد، يقود للقول بوجوب حضورها جلسات مجلس الأمة. وهذا ‏يعني أن حضور جلسات مجلس الأمة جزء من اختصاصاتها. لكن العمل استقر على ‏عدم حضور الحكومة في هذه الفترة لجلسات مجلس الأمة العادية، واقتصار حضورها ‏على الجلسات الخاصة، إذا قررت أن الموضوع ينطبق عليه وصف العاجل.

ازدياد عدد ‏حكومات تصريف العاجل من الأمور أثناء الفصل التشريعي مؤخراً، وازدياد مدة بقائها، ‏يجعل غيابها مؤثراً على استقرار عمل مجلس الأمة، لأهمية دورها في التشريع والرقابة‏‏.

وإذا كان موضوع أثر غياب الحكومة على صحة الجلسات ليس موضوع البحث، وفق ‏العنوان المطروح، فإن استقرار العمل على اعتبار أن حضور الحكومة من شروط صحة ‏انعقاد جلسات مجلس الأمة يزيد من الأثر السلبي لغياب حكومة تصريف العاجل من ‏الأمور على حسن سير المؤسسة البرلمانية في فترة وجود حكومة تصريف العاجل من ‏الأمور. ‏

الحكومة في أي نظام سياسي قد تستقيل أو تقال ولا يؤثر ذلك على استمرار الحياة

حكومة تصريف الأعمال تتولى ذات الاختصاصات لكن ربطها بالعاجل يقلص صلاحياتها

المشكلة ليست في طول فترة «حكومة العاجل» بقدر تأثير غيابها على جلسات مجلس الأمة

حكومة الأعمال تطبيق لفكرة استمرار الدولة وهي مقرونة بالضرورة
back to top