التجارة ومستقبل الغذاء

نشر في 25-10-2021
آخر تحديث 25-10-2021 | 00:00
اليوم العالمي للغذاء فرصة مهمة لأن نتذكر كيف ولماذا يعتبر الغذاء مهماً للناس، ولكن يجب ألا ننسى الدور الحيوي الذي تؤديه التجارة في تشكيل إنتاج وتوفير وتسعير وجودة ذلك الغذاء، وأي جهد لإنشاء نظام غذائي أكثر عدالة واستدامة لن يُكتمل بدون تضافر جهود قادة العالم فيما يتعلق بالتجارة.
 بروجيكت سنديكيت لا يستطيع أي شخص أن يعيش بدون غذاء ومع ذلك فإن أنظمة الغذاء في العالم تحتاج بشدة الى الإصلاح، ونحن بحاجة من أجل التحقق من الوصول للتغذية الكافية على مستوى العالم إلى جانب الاستدامة البيئية الطويلة المدى إلى تغيير كيف ننتج ونعالج وننقل ونستهلك الغذاء، فاليوم العالمي للغذاء يجب أن يعطينا الحافز للنظر في كيفية تحقيق ذلك والإقرار بأن التجارة يجب أن تكون جزءاً من الحل. لقد سلّطت قمة الأمم المتحدة لأنظمة الغذاء التي عقدت مؤخراً الضوء ليس على الحاجة للإصلاحات الشاملة فقط، بل أيضا على الدور الرئيس الذي يجب أن تؤديه الحكومات لتحسين كيفية عمل أسواق الغذاء وهذا سيتطلب تعاوناً عالمياً أعمق، وكما ذكّرتنا جائحة كوفيد19 فإن العمل المشترك يعتبر أساسيا من أجل تمكين جميع الناس من العيش بصحة وبكرامة.

وإن حواجز التجارة المتعلقة بالضروريات الأساسية مثل الغذاء والدواء تحبط الجهود لتحسين التغذية والصحة، مما يقوّض أساس الازدهار المستقبلي، وعلى النقيض من ذلك فإن التجارة الفعالة يمكنها أن تقلل من الجوع وسوء التغذية ليس من خلال تأمين توصيل الإمدادات الغذائية فقط، بل أيضا من خلال خلق الوظائف الجيدة وزيادة الدخل.

لم يعد من الممكن إنكار الطبيعة الملحة للمشكلة، فنحن نعرف بالفعل أن التغير المناخي يغير أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار، ويؤدي الى أنواء مناخية أكثر تكراراً وشدة، وهي جميعا تدّمر الإنتاج الغذائي، وضمن هذا السياق غير المستقر والذي لا يمكن التنبؤ به، فإن أسواق الغذاء العالمية تعتبر شريان الحياة للبلدان أو المناطق التي تواجه صدمات مفاجئة.

نحن نتخلف عن الركب بالفعل فلقد تبنى العالم سنة 2015 أهداف التنمية المستدامة بما في ذلك هدف التنمية المستدامة 2 والذي يدعو لإنهاء الجوع العالمي وتحقيق الأمن الغذائي وتشجيع الزراعة المستدامة بحلول سنة 2030 وبعد مضي ست سنوات نحن غير قريبين بالمرة من أن نكون على المسار الصحيح لتحقيق تلك الأهداف، بل على النقيض من ذلك يبدو أننا نتراجع حيث نواجه رياحا معاكسة تتمثل بالجائحة والانكماش الاقتصادي والصراع العنيف والصدمات المرتبطة بالمناخ، وفي واقع الأمر زاد الجوع وسوء التغذية بشكل كبير سنة 2020، وطبقا للأمم المتحدة فإن هناك تقديرات بأن حوالي 9.9 في المئة من سكان العالم كانوا يعانون سوء التغذية في العام الماضي مقارنة بنسبة 8.4 في المئة سنة 2019.

يجب على الحكومات أن تضاعف جهودها لتحديث القواعد العالمية المتعلقة بالتجارة من أجل عكس هذا التوجه والتحقق من أن الأنظمة الغذائية تعمل من أجل الناس والكوكب، وفي الوقت نفسه يجب عليها التخلي عن السياسات التي تشوه سوق الغذاء العالمي الذي يتطور بشكل سريع، فعلى سبيل المثال تنفق الحكومات 22 مليار دولار أميركي سنويا من أجل الإبقاء على أساطيل صيد الأسماك غير المجدية اقتصاديا في البحر، وهي سياسة تؤدي الى نضوب مخزون الأسماك وبالمثل يمكن لبرامج دعم المزارع أن تشوه الأسواق الغذائية والزراعية مع تفاقم آثار دعم الوقود الأحفوري.

يجب على الحكومات أن تجد وسائل لعكس نقص الاستثمار في السلع العامة المتعلقة بالغذاء والزراعة وخصوصا في الدول المحدودة الدخل مع تحسين التوزيع العالمي للموارد الشحيحة، وهنا يجب على تلك الحكومات الاستفادة من الأهمية المتزايدة للتجارة والخدمات الرقمية في الدول الفقيرة.

قد يبدو التحدي شاقا ولكن مع وجود نهج تدريجي فإن من الممكن إحراز تقدم، وفي الشهر القادم سيقام المؤتمر الوزاري الثاني عشر لمنظمة التجارة العالمية في جنيف، حيث ستتاح لوزراء التجارة الفرصة لتصميم مثل هذا النهج واتخاذ خطوات مهمة للأمام. على سبيل المثال، سينظر الوزراء في كيفية إنهاء الدعم الضار لمصايد الأسماك، والتي تسهم في الصيد الجائر والإنتاجية المفرطة، ويهدد بدفع بعض الأنواع إلى الانقراض كما يمكن للبلدان الاتفاق على إعفاء مشتريات برنامج الأمم المتحدة للغذاء المتعلقة بالمساعدات الغذائية من قيود التصدير مما يجعل فقراء العالم والمشردين بسبب الاضطرابات الداخلية أو آثار التغير المناخي أكثر قدرة على الحصول على الغذاء.

بالإضافة الى ذلك، ستتاح للوزراء فرصة الدفع قدما بالمفاوضات فيما يتعلق بعدد من القضايا تتعلق بالتجارة الزراعية بما في ذلك التخفيضات في الدعم الحكومي الضار بالتجارة وتحسين القدرة على الوصول إلى الأسواق الأجنبية، وإن التوصل لاتفاق يتعلق بالإجراءات الملموسة وتوجه المحادثات المستقبلية سيؤدي الى إحراز تقدم ملموس تجاه المستقبل الغذائي الذي نحتاجه.

إن اليوم العالمي للغذاء فرصة مهمة لأن نتذكر كيف ولماذا يعتبر الغذاء مهماً للناس، ولكن يجب ألا ننسى الدور الحيوي الذي تؤديه التجارة في تشكيل إنتاج وتوفير وتسعير وجودة ذلك الغذاء، وأي جهد لإنشاء نظام غذائي أكثر عدالة واستدامة لن يُكتمل بدون تضافر جهود قادة العالم فيما يتعلق بالتجارة.

* مديرة عامة لمنظمة التجارة العالمية، وكانت سابقا وزيرة للمالية والخارجية في نيجيريا.

* نغوزي أوكونجو إيويلا

Project Syndicate

على الحكومات أن تجد وسائل لعكس نقص الاستثمار في السلع العامة المتعلقة بالغذاء والزراعة وخصوصاً في الدول المحدودة الدخل
back to top