مات الجراح سنمار

نشر في 09-05-2021
آخر تحديث 09-05-2021 | 00:18
 حسن العيسى "ولد سامي عاش ومات" ليست حقيقة، حياة د. سامي أصفر تماثل تماماً عبارة هايدغر عن أرسطو، سامي أصفر من مواليد البصرة، قدِم للكويت طفلاً، درس في المدرسة الشرقية في المراحل الابتدائية، ثم مدرسة الصديق في المتوسطة، ثم أكمل الثانوية وكلية الطب من جامعة بغداد، وعاد للكويت بداية السبعينيات من القرن الماضي ليعمل طبيباً جراحاً في المستشفى الأميري، وأكمل دراسات عليا وبحوثاً في كندا وغلاسكو.

ظل سامي يخدم الدولة لأكثر من أربعين عاماً، تخصص في أعقد العمليات الجراحية كجراحة الدورة الدموية، وجراحة نقل الأعضاء للكبد والبنكرياس، كان باب عيادته في مستشفى مبارك مشرعاً لكل زائر يبحث عن استشارة طبية، عمل أستاذاً منتدباً للجراحة في كلية الطب، أفضل الجراحين في الدولة تتلمذوا على يديه، كان يعمل من الساعة السابعة صباحاً حتى السابعة مساء، اثنتا عشرة ساعة من الجهد المتواصل دون مقابل. طلبت منه مرة أن يطمئن نفسياً قريباً لي مصاباً بسرطان الكبد، انتظرنا سامي حتى الساعة التاسعة مساء، زرناه في مكتبه، أخذ في الكلام عن سرطان الكبد، كان يبعث روح الأمل في كل كلمة قالها للمريض، وهذا ما كان بحاجة إليه.

حين بلغ سامي قبل فترة من العمر 75 عاماً أنهى عقده، وطلبت الكلية تجديد العقد لحاجتهم الماسة إليه فرُفض طلبها، وقالوا له حسب قوانين الظلم والقسوة: اذهب اعمل في أي عيادة أو مستشفى خاص، وإذا لم تجد مكاناً عليك الرحيل من وطنك الحقيقي، أي الكويت، هذا هو القانون...!

أصيب سامي بورم سرطاني في رأسه، تم استئصال الورم، لكن لم يكن بالإمكان استئصال الحزن وثقل اليأس الذي خيم على روحه...

قبل يومين، الساعة الواحدة ظهراً رحل سامي وحيداً لعالم الغيب في مستشفى جابر، لم يكن معه حين لفظ أنفاسه الأخيرة غير تلميذه جراح الحوادث سعود ناجي الزيد، شاهده يغمض عينيه بهدوء مودعاً عالم الأحياء، هل قدم سامي "خدمات جليلة للدولة" ولآلاف البشر الذين أنقذ حياتهم طوال مدة عمله كي يحصل على الجنسية المقدسة؟! كم هناك من البشر الأطباء والمبدعين الذين خدموا الدولة جل حياتهم، ولم يلتفت أحد إليهم ولم يكترث لشأنهم؟ لم يكن في جيوبهم وصل الواسطة المغلق بظرف بند "الخدمات الجليلة"... مات سامي... مات الجراح سنمار.

حسن العيسى

back to top