آمال المزوري: الجمهور متعطش لفن الحكي

نشر في 01-02-2021
آخر تحديث 01-02-2021 | 00:02
المغربية آمال المزوري
المغربية آمال المزوري
استلهمت المغربية آمال المزوري الحكايات التراثية والشعبية، لترويها في قصص تناسب اليافعين والكبار بلغة جذابة، وارتادت العديد من المنتديات المغربية، خاصة مدينة طنجة، تسرد حكاياتها، حتى صارت لها شهرة واسعة، وأطلق عليها لقب «الحكاءة الطنجائية».
وفي حوارها مع «الجريدة» من القاهرة، تحكي المزوري عن مسيرتها، وأعمالها، وحواديتها التي تلقيها باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية... وإلى نص الحوار:
• ماذا عن بدايات رحلتك مع فن «الحكواتي»؟

- لا غرابة ولا عجب إذا قلت لك إنني لا أريد أن تكون هناك بداية حتى لا تكون هناك نهاية، بل دوام واستمرار إلى ما لا نهاية وتوارث لجيل بعد جيل، وأحسب نفسي أنني لم أكن كبقية الأطفال، بل تربيتي كانت مغايرة بعض الشيء، فلقد فطمت على الحكاية، وبعفوية ودون تخطيط أو دراسة أو منهجية، تحت إشرف شخصية غالية جدا علمتني معنى الحياة عن طريق الحكي والحكاية، فلقد امتلكت أولى أبجديات الحكي حتى تعلّق قلبي بهما، وصار جزءا لا يتجزأ من مسيرتي، لكونها تمتلك كنزا دفينا من الحكايات التراثية وأسلوبا مميزا، وهي (ماما الحبيبة)، فكان لي شرف الغوص في أغوارها للظفر بالدرر والنفائس، وبما لا يمكن أن يحظى به أي شخص آخر، حتى وجدت نفسي قد ابتليت، ونعم البلوى، وأصبح حبي وولعي وشغفي الحكي والحكاية، لتتفجر طاقتي الإبداعية في الحكي بأسلوب راق ومميز، وكانت الجدة أساسه والحكايات التراثية مصدره، والخال (حبيبو) قوته.

• هل لنا أن نقترب من تجربتك الثرية في الحكي؟

- بالنسبة لتجربتي فهي جد متواضعة، لكنها مكنتني من معرفة أمور عدة، سواء فيما يتعلق بالحكي، بحيث لا توجد مدارس أو أكاديميات تختص بالمجال اللهم إذا اقترن الأمر بالمسرح، وشتان بين هذا وذاك، فيمكن للمسرحي أن يجسد شخصية الحكواتي، وهذا يظهر جليا عند الأداء، ولا يمكن للحكواتي إطلاقا أن يكون مسرحيا، وحتى إن تقمص الدور فسيغلب عليه طابع الحكواتي المميز، فما لم تعلّمه المدارس تعلمه تجارب الحياة مع ضريبة الأداء، سواء كانت إيجابية أو سلبية، ومن بين ما استفدت منه ومنذ الخطوات الأولى تقسيم وإدارة الوقت بين الدراسة والحكي.

انسجام وتناغم

• كأول حكواتية بالمغرب، كيف استطعت أن تخلقي تجربة إيجابية متفردة بين توظيف الحكاية والموسيقى التراثية؟

- يعتبرني الجميع أنني أول حكواتية دولية شابة بالمغرب، فاستطعت مزج الحكاية بالموسيقى التراثية على اختلاف أنواعها، الطقطوقة الجبلية نموذجا، (موسيقى خاصة بشمال المملكة المغربية)، وبموسيقى كناوة، (موسيقى روحية تعزف على آلات خاصة) كنموذج آخر، وهناك مشاريع مستقبلية أخرى، مع توظيف حكايات ملائمة للزمكان في انسجام وتناغم وإشادة، ونجاحي كتجربة أولى على صعيد المملكة، ومبادرة من حكواتية شابة عادت بالجميع إلى حنين الزمن الجميل، والفكرة ليست وليدة اللحظة أو مجرد فكرة عابرة، بل سبقها بحث جاد، وتنقيب في مكنون التراث، وإعادة حكيه مع تداريب مكثفة لضبط اللحن، والإيقاع المناسب.

• كرئيسة جمعية «صندوق العجب للحكايات الشعبية»، ما الأهداف التي أنشئت من أجلها؟

-الاهتمام بالتراث الشفاهي اللامادي للحكاية والأدب الشعبي وتوثيقه، وتنظيم وتأطير الأنشطة الثقافية والتربوية، وتنظيم ندوات ولقاءات ومهرجانات وتكوينات خاصة بالحكاية، وإدماج الطفل والمرأة في محيطهما الاجتماعي والثقافي عن طريق الحكاية، وتنمية وتحسين كفاءات الأطر الجمعوية المهتمة بالشأن التربوي والتراث اللامادي، وتكوين ورشات لتوعية الأطفال ومحاربة ظاهرة الهدر المدرسي عن طريق الحكاية، وإعادة تأهيل الحكواتي، وردّ الاعتبار له بما يليق وتطورات العصر.

• شاركت في العديد من المحافل الفنية، والأدبية، واللقاءات العربية... فماذا قدمت هذه الملتقيات لذلك النوع من الإبداع؟

- قدمت الشيء الكثير لا يمكن عدّه أو حصره، حتى أصبح وجود هذا الفن ضروريا وحتميا وأساسيا لما له من دلالات، وساهمت بشكل كبير في وجود فئة ممن تعاطوا هذا الفن، ونتمنى لهم الاستمرارية، إضافة إلى أنها أعدت قاعدة جمهورية واسعة أصبحت تترقب، وتعد لذلك المحفل بالدقائق والثواني، ومن مختلف الأعمار والأجناس، وينتظرون تلك الملتقيات ويهتمون بأجندتها لوجود هذا الفن المتأصل والضارب في القدم، هناك جمهور متعطش لرؤية ومشاهدة هذا الفن، وإدراجه بشكل رسمي ضمن الملتقيات زادهم عشقا له، وزاده تربعا على رأس الفنون الثقافية الجادة لصون التراث.

• في ضوء رؤيتكم لخصوصية المشهد الثقافي العربي... برأيك، كيف يحافظ «الحكواتي» على الهوية العربية؟

- المشهد الثقافي العربي له خصوصية مميزة قلّما تجد نظيرها، فمازالت الحكاية المتجذرة في العمق مستمرة استمرار الزمن، وتدوم بدوام «الحكواتي» الذي يحافظ على هويتنا العربية، بل يحث عليها بالوجود من خلال سرد الوقائع التاريخية، والبطولات الملحمية التي تزيدنا فخرا واعتزازا، سرد محايد دون تحيز، والتي لم توثق، بل تم تجميعها على لسان الذامرة الحية، والحفاظ عليها من الانحراف، والتحريف وعدم طمسها لتندثر، وعادات وتقاليد، وتبقى العهدة عليه بعدم خلط الحقيقة بالزيف، وتجسيد لشخصيات بطولية من خلال لباسه المتفرد، والذي يشير إلى حقبة معيّنة، ويرمز لهويته العربية، ومن خلال إدراج موسيقى تراثية تشد السامع، والمتلقي على حد سواء، لتجعل منه شخصية تمثّل الأصالة لهويتنا العربية تفرّدا وتميزا، ونزداد حبا لها، وتعلّقا بها من خلال السرد الذي يجسّد التفاعل، والاستمتاع والتشبث والافتخار.

• تم، أخيرا، إنشاء منصة الحكواتي لتعريف الأطفال بأصالة اللغة العربية وثراء التراث... فهل ستساهم في إرساء قواعد فن الحكواتي بصورة أكبر؟

- هي مبادرة طيبة، نتمنى أن تثمر وتصير في العالم، وبالطبع ستساهم بشكل أكبر، فلن تضيع كل الجهود سدى، فالمنصة قائمة بذاتها، وتقدم شيئا إيجابيا سيساهم بشكل أو آخر في تحقيق أهدافها، خاصة أنه يسهر عليها خيرة الأطر التربوية والفنية، ويعملون جاهدين على السير في هذا النحو لتحقيق ما هو أفضل.

أبو الفنون

• أين المسرح من إبداعاتك؟

- المسرح جزء لا يتجزأ من الحكــــــــــي، وإذا كـــــــــــــان المســــــرح «أبو الفنون»، فيقينا فإن الحكي أبو المسرح، وأتمنى أن أجد توافقا وانسجاما لملحمة تاريخية سردية أساسها الحكاية نصا وإخراجا وتشخيصا، خصوصا أن العمل المسرحي عمل جماعي متكامل، وله مقوماته، وله أيضا جمهوره الخاص، أو تقديم ما يليق بمسرح البساط كامتداد لتجربة رائد الفن المسرحي بالوطن العربي المرحوم الطيب الصديقي، لكن يبقى الأمر رهينا بما سيتم تقديمه لإعادة بعث روح جديدة للمسرح، وإنعاش ذوق الجمهور المتعطش للأعمال الجادة الهادفة والوازنة أو بالأحرى تغيير رؤيته وتحسين ذوقه في ظل ما يقدّم الآن.

• ما هو مشروعك الشاغل الآن؟

- مشروعي بدأته منذ مدة، وتوقّف بفعل ما طرأ على العالم من تغيّرات، وحال دون استمراره ظهور جائحة كورونا وفرض الحجر الصحي، وهو إتمام بحثي حول الهييوغرافيا.

محمد الصادق

مزجت الحكاية بالموسيقى التراثية للعودة إلى حنين الزمن الجميل

جمعية «صندوق العجب للحكايات الشعبية» هدفها إعادة تأهيل الحكواتي بما يناسب العصر
back to top