الولايات المتحدة بعد ترامب

نشر في 11-11-2020
آخر تحديث 11-11-2020 | 00:00
 شبيغل سيكون توحيد الولايات المتحدة جهداً بالغ الصعوبة حتى بالنسبة إلى مسؤول تصالحي مثل جو بايدن، فلم يعد هناك مجال للشك: جو بايدن هو الرئيس الجديد للولايات المتحدة، بعد أن حصلت الانتخابات الأميركية في ظروف غير مسبوقة، وهي تنذر بنهاية واحد من أكثر العهود المشينة في تاريخ البلد، لكن يستحق بايدن الحصول على فرصة لإنهاء حقبة الشعبوية الأميركية.

بلد في حالة صدمة

حين يتسلم بايدن الرئاسة في يناير المقبل، سيجد نفسه أمام بلدٍ تعرّض لصدمات حادة بسبب أربع سنوات من عهد دونالد ترامب وتداعيات الحملة الانتخابية الأخيرة، فهو يريد أن يعيد الولايات المتحدة إلى وضعها الطبيعي الذي كان سائداً قبل حقبة ترامب، لكنه سيواجه معركة شاقة.

من المتوقع أن تبقى "الترامبية" قوة مدمّرة في الولايات المتحدة، إذ تلقى ترامب في هذه الانتخابات أصواتاً تفوق ما تلقاه في عام 2016، وبعبارة أخرى دَعَمه نصف الناخبين الأميركيين تقريباً رغم وفاة أكثر من 234 ألف شخص بسبب فيروس كورونا، وهي حصيلة يتحمّل الرئيس مسؤولية جزئية عنها نظراً إلى تعامله الكارثي مع هذه الأزمة الصحية.

يتبع هذا الرئيس حدسه دوماً ويتجاهل الوقائع، وهذا ما يحبه ناخبوه تحديداً، حين يكون المجتمع منقسماً بقدر الولايات المتحدة، قد يعطي الشعور بالانتماء السياسي أثراً ساماً، فيُحوّل الناخبين إلى معجبين مستعدين لتجاهل جميع أخطاء فريقهم، وأمام هذا الوضع، سيتابع المعسكران صدامهما المرير ويصنّفان الآخرين بين أصدقاء وأعداء.

لكن تترافق هذه الانتخابات أيضاً مع تداعيات معينة في أوروبا، فقد كان الألمان تحديداً مهووسين بعهد ترامب، إنه تعبير عن الرابط العاطفي العميق الذي يربط جزءاً كبيراً من الألمان بالولايات المتحدة، حيث يميل الألمان في تعاملهم مع هذا البلد إلى التأرجح بين إعطائه طابعاً مثالياً وشَيْطَنَته، وهذا الوضع هو نتاج التاريخ الألماني والدور الأميركي في تدعيم العالم الغربي وتوجيهه.

لكن تخلّت الولايات المتحدة عن دورها القيادي وتلاشى المفهوم القديم الذي يعتبر الولايات المتحدة حليفة تستطيع ألمانيا الاتكال عليها عند الحاجة، بغض النظر عن الخلافات بين البلدين، ونتيجةً لذلك، يجب أن تستغل ألمانيا وبقية الدول الأوروبية هذا العهد الرئاسي الأميركي الجديد استعداداً لعالمٍ حيث تستطيع تلك البلدان استعراض قوتها، ويجب أن تتعلم هذه الجهات أن توحّد صوتها في السياسات الخارجية المؤثرة وتُرسّخ قوتها عبر سياسة دفاعية مشتركة.

يمكن اعتبار جو بايدن من أكثر الرؤساء الأميركيين تأييداً لأوروبا في الوقت الراهن، ومع ذلك قد تعود القوى الداعمة لظاهرة "الترامبية" إلى السلطة خلال أربع سنوات، ومن المتوقع أن تُركّز هذه النسخة المنقسمة وغير المتوقعة من الولايات المتحدة على شؤونها الخاصة وعلى الصين خلال فترة معينة.

في مطلق الأحوال، نتمنى أن ينجح بايدن في إنهاء حقبة الشعبوية الأميركية، على أمل ألا يكتفي بقيادة حكومة كفؤة فحسب بل يستطيع إصلاح المجتمع ونشر السلام في بلده، لكنه يحتاج إلى معجزة حقيقية لتحقيق ذلك، وفي النهاية لم يكن ترامب السبب في الانقسام العميق داخل البلد بل كان جزءاً من أعراضه.

مع ذلك، يخطئ من يستخف بجو بايدن منذ البداية، فقد انتشرت نكات كثيرة حوله خلال الحملة الانتخابية مفادها أنه مُسِنّ أو ممل أكثر من اللزوم، أو أنه يجد صعوبة في التكلم أحياناً أو يُعتبر جزءاً من الماضي الغابر، لكنه ثابر وفاز لأن عدداً كبيراً من الناخبين اعتبره العلاج المثالي بعد أربع سنوات من عهد ترامب.

ها قد اتّضح مجدداً أن كل رئيس أميركي في العقود الأخيرة يَخْلِفه نقيضه دوماً وثمة مجال دائم لإطلاق بداية جديدة.

* «ماثيو فون رولر»

back to top