أردوغان والأسد في حالة حرب

نشر في 20-03-2017
آخر تحديث 20-03-2017 | 14:30
ربما لا تزال أنقرة تنتمي رسمياً إلى حلف «الناتو» وتتمتع بامتيازات نظرية وفق المادة الخامسة التي تنص على أن أي اعتداء عسكري على إحدى الدول الأعضاء «يحتّم الرد باعتداء مماثل يشمل استعمال القوة المسلحة»، لكن يبدو أن الحلف لا ينوي التدخل في سورية.
 واشنطن تايمز لماذا تتصرف الحكومة التركية بهذه العدائية مع نظام الأسد في سورية؟

ربما يأمل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أن يساهم القصف المدفعي المكثف على سورية في إيصال نظام جديد إلى السلطة في دمشق. أو ربما يتوقع أن يؤدي إرسال طائرة حربية تركية إلى الأجواء السورية أو إعاقة مسار طائرة مدنية سورية قادمة من روسيا إلى زيادة شعبيته في الغرب ودفع حلف الأطلسي إلى التدخل. لكن تشكل هذه التصرفات كلها مصدر إلهاء عن أزمة اقتصادية وشيكة تنجم عن الإفراط في الاقتراض.

تعكس تصرفات أردوغان سياقاً يشبه الوضع الذي ساد منذ نصف قرن. خلال الحرب الباردة، وقفت أنقرة إلى جانب واشنطن بصفتها جزءاً من حلف الأطلسي بينما كانت دمشق نسخة عن كوبا في الشرق الأوسط لأنها كانت عميلة موثوقة لموسكو. كانت العلاقات التركية السورية السيئة تنجم عن أسباب محلية أيضاً، منها خلاف على الحدود، وخلاف على موارد الماء، والدعم السوري لحزب العمال الكردستاني (جماعة إرهابية كردية). وصل البلدان إلى حافة الحرب في عام 1998، لكن استسلام نظام الأسد في الوقت المناسب منع اندلاع صراع مسلح.

بدأت حقبة جديدة في نوفمبر 2002 حين استبدل حزب العدالة والتنمية (حزب إسلامي ذكي يتجنب الإرهاب والكلام عن نظام الخلافة) الأحزاب اليمينية واليسارية الوسطية التي سيطرت على أنقرة لفترة طويلة. برع حزب العدالة والتنمية في الحكم وقاد ازدهاراً اقتصادياً غير مسبوق، فتنامت نسبة مؤيديه من الثلث في عام 2002 إلى النصف في عام 2011. كان ذلك المسار كفيلاً بتحقيق هدف أردوغان المزعوم بإبطال ثورة أتاتورك ونشر الشريعة في تركيا.

سرعان ما تخلى حزب العدالة والتنمية عن حماية واشنطن واتخذ مساراً مستقلاً يعكس نزعة العثمانيين الجدد بهدف تحويل تركيا إلى قوة إقليمية كما كانت في القرون الماضية. فيما يخص سورية، عنى ذلك إنهاء الأعمال العدائية التي دامت عقوداً وكسب النفوذ عبر تحسين التجارة وإقامة علاقات أخرى تمثلت بتدريبات عسكرية مشتركة، وذهاب أردوغان وبشار الأسد إلى العطلة معاً، وإقدام بعض الوزراء من البلدين على رفع الحاجز الذي كان يغلق الحدود المشتركة.

تبدلت تلك الخطط في يناير 2011 عندما استيقظ الشعب السوري بعد 40 عاماً على استبداد الأسد، فانتفض بشكل سلمي ثم عنيف لإسقاط الطاغية. في البداية، اقترح أردوغان توصيات سياسية بناءة على الأسد، لكن رفضها هذا الأخير وفضّل القمع العنيف. رداً على ذلك، أدان أردوغان السني ممارسات الأسد العلوي وبدأ يساعد القوات الثورية السنية في معظمها. تزامناً مع زيادة وحشية الصراع واتخاذه بعداً طائفياً وإسلامياً، وبعد تحوّل الصراع إلى حرب أهلية بين السنّة والعلويين ومقتل 30 ألف شخص وجرح أضعاف هذا العدد، أصبحت الملاجئ والمساعدات التركية عوامل ضرورية بالنسبة إلى الثوار.

اتضح الآن أن الموقف الذي بدا بطولياً في البداية هو أكبر خطأ ارتكبه أردوغان. لقد ضعفت قوته القتالية بسبب إقدامه على سجن عدد كبير من القادة العسكريين الأتراك استناداً إلى نظريات المؤامرة الغريبة. تجمع اللاجئون السوريون غير المرحب بهم في البلدات على الحدود التركية وفي مناطق أخرى. يعارض الأتراك بشدة سياسة الحرب تجاه سورية، وقد ظهرت معارضة قوية مؤلفة من العلويين (طائفة تشكّل بين 15 و20% من الشعب التركي)، ويتشارك هؤلاء الإرث الشيعي نفسه مع العلويين السوريين رغم الاختلافات الأخرى بينهم. انتقم الأسد من خلال تجديد دعمه لحزب العمال الكردستاني الذي يطرح مشكلة محلية طارئة في وجه أردوغان إذا قرر تصعيد أعمال العنف. قد يكون الأكراد أبرز المستفيدين من الأعمال العدائية الراهنة (بعد أن أهدروا فرصتهم حين رُسمت معالم الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى). للمرة الأولى، يمكن تصوّر خطوط الدولة الكردية التي تضم الأتراك والسوريين والعراقيين وحتى الإيرانيين.

لا تزال دمشق تحظى بدعم قوة نافذة في موسكو حيث يقدم لها نظام فلاديمير بوتين المساعدة عبر نقل الأسلحة واستعمال حق النقض في الأمم المتحدة. فضلاً عن ذلك، يستفيد الأسد من المساعدات الإيرانية السخية والوحشية التي لا تزال مستمرة على الرغم من عمق المشاكل الاقتصادية التي يواجهها نظام الملالي. على صعيد آخر، ربما لا تزال أنقرة تنتمي رسمياً إلى حلف الأطلسي وتتمتع بامتيازات نظرية وفق المادة الخامسة التي تنص على أن أي اعتداء عسكري على إحدى الدول الأعضاء "يحتّم الرد باعتداء مماثل يشمل استعمال القوة المسلحة"، لكن يبدو أن حلف الأطلسي لا ينوي التدخل في سورية.

يبدو أن النجاح الذي حققه أردوغان طوال عقد من الزمن زاد غطرسته، ما قد يدفعه إلى خوض مغامرة غير مدروسة في سورية من شأنها أن تُضعف شعبيته، ربما لم يتعلم بعد من أخطائه وإخفاقاته. حتى الآن، يصر زعيم أنقرة على تكثيف جهوده لمحاربة نظام الأسد ويسعى إلى إسقاطه وإنقاذ نفسه.

هذا ما يفسر استنتاجي السابق: تنجم العدائية التركية في المقام الأول عن طموح وغطرسة رجل واحد. يجب أن تبقى الدول الغربية بعيدة كلياً عن الصراع وأن تدعه يتحمّل عواقب أفعاله بنفسه.

* دانيال بايبس | Daniel Pipes

back to top