الجيل Z والطبقة الوسطى يقودان احتجاجات إيران

النساء والتكنولوجيا والفقر حوّلت «انتفاضة الحجاب» إلى مطالبات بإنهاء الحكم الإسلامي

نشر في 06-10-2022
آخر تحديث 06-10-2022 | 00:05
شابة خلال وقفة تضامنية مع الإيرانيات في كتالونيا أمس الأول (رويترز)
شابة خلال وقفة تضامنية مع الإيرانيات في كتالونيا أمس الأول (رويترز)
تحولت الاحتجاجات في إيران التي بدأت بسبب الحجاب إلى تحرك أوسع يرفع مطالب اقتصادية واجتماعية يقوده الجيل الشاب الذي يعاني إحباطاً، والطبقة الوسطى التي تعاني التآكل بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الفساد وسوء الإدارة والعقوبات.
قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن الاحتجاجات الشعبية التي تجتاح إيران بدأت بسبب الحجاب، لكنها تحولت إلى حركة أوسع نطاقا يغذّيها غضب شريحة واسعة من الشباب، أو ما يعرف بـ «الجيل Z»، فضلا عن الطبقة الوسطى التي تآكلت بسبب الاقتصاد المنهار.

وذكرت الصحيفة الأميركية أن الاحتجاجات الأكبر في إيران، والتي تطالب بإنهاء نظام الحكم الإسلامي قادته الطبقة الوسطى الكبيرة التي يهدد التضخم أسلوب حياتها.

وتواجه الطبقة الوسطى في إيران ضغوط التضخم بنسبة 50 بالمئة، وسط هبوط العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها إطلاقا هذا العام. ويعيش أكثر من ثلث سكان إيران في فقر، مقارنة بـ 20 بالمئة عام 2015، فيما انكمشت الطبقة الوسطى لتشكّل أقل من نصف البلاد.

وقال مصطفى باكزاد، رجل الأعمال في طهران الذي يقدّم المشورة للشركات الأجنبية بشأن استراتيجية أعمالها في إيران: «مثلث النساء والتكنولوجيا والفقر هو الوقود وراء التظاهرات». وأضاف: «يشعر الشباب أن حياتهم تُهدر حرفيا بسبب القيود الشديدة التي يواجهونها».

وقد حافظت الطبقة الوسطى على استقرار إيران بعد الثورة التي قادها مؤسس الجمهورية الإسلامية، روح الله الخميني، عام 1979، وكانت محركها الاقتصادي وسط عقوبات من الولايات المتحدة وغيرها بسبب برنامجها النووي والصواريخ البالستية ودعم الإرهاب والميليشيات في المنطقة، وفقا للصحيفة الأميركية.

واستمرت الطبقة الوسطى بإيران في النمو على مدى العقود الأربعة الماضية، لتصل إلى 60 بالمئة من السكان، مع وجود نظام تعليمي قوي يخرج الأطباء والمحامين والمهندسين والتجار، على الرغم من الحرب المدمرة والعديد من الانهيارات في أسعار النفط.

كما ساعدت الحرية النسبية لممارسة الأعمال التجارية وكسب المال على التخلص من استيائهم من القمع السياسي وفرض القيم الإسلامية المحافظة على مجتمع علماني.

وأعادت الحكومة توزيع الثروة النفطية التي كانت مركّزة بين النخبة في عهد الشاه بهلوي، وقدمت رعاية صحية مجانية ومدارس وبرامج تنظيم الأسرة.

وأعطى النظام التعليمي القوي في إيران لفقراء الريف طريقا إلى الحراك الاجتماعي وامتلاك المنازل، إضافة إلى إمكانية الوصول إلى مهن مثل الطب والقانون بعد الحصول على الشهادة الجامعية.

بحلول عام 2015، احتلت إيران مرتبة أعلى في مؤشر التنمية البشرية، وهو مقياس للأمم المتحدة يتضمن المساواة الاجتماعية ومستويات التعليم ومتوسط العمر المتوقع من المراتب التي سجلتها دول كالمكسيك وأوكرانيا والبرازيل وتركيا.

وقالت ربة منزل (52 عاما) كانت تحتج في شوارع شمال طهران الراقية، حيث تخلع حجابها وتلوح به مع حشود من النساء الأخريات، إن «جذور هذه الاحتجاجات هي المشاكل الاقتصادية، والآن ترى الثوران».

ونفدت مدخراتها هي وزوجها صاحب شركة طعام صغيرة، حيث كانوا يمتلكون في السابق عدة عقارات، لكنهم باعوا بعضها للحصول على المال.

وقالت ربة المنزل التي لم تكشف «وول ستريت جورنال» عن اسمها، إنها اعتادت شراء سيارة جديدة كل عامين، لكنها باعت سيارتها أخيرا نقدا لسداد القروض.

لست خائفة

كانت المرأة تتظاهر، الجمعة، عندما صرخ عليها بعض ضباط الشرطة الذين يرتدون ملابس مدنية لعدم ارتدائها الحجاب وهاجموا متظاهرتين بالقرب منها، على حد قولها.

وقالت إن بعض الضباط أطلقوا النار، وأصيبت بكريات مطاطية من سلاح شبيه بالبندقية تستخدمه الشرطة الإيرانية لتفريق الحشود. وتابعت: «الطلقة لها صوت مروع. أنا لست خائفة، سأذهب للاحتجاج مرة أخرى».

بدأت الاحتجاجات يوم 17 سبتمبر بعد وفاة الشابة الكردية الأصل، مهسا أميني، (22 عاما)، بعد 3 أيام من توقيفها في طهران من قبل شرطة الأخلاق، على خلفية عدم التزامها بقواعد اللباس الإسلامي.

وأشعلت وفاتها موجة احتجاجات في إيران ومسيرات تضامن مع النساء الإيرانيات في مختلف أنحاء العالم. وقتل 120 شخصاً على الأقل منذ انطلاق الحراك، وأوقف أكثر من 5 ألف شخص.

سوء الإدارة لا العقوبات

ويتفق معظم الاقتصاديين على أن العقوبات الأميركية التي تستهدف صناعة النفط والقطاع المالي في إيران هي العامل الرئيسي الذي يشلّ الاقتصاد ويقطع البلاد عن الدولار.

ومع ذلك، فإن حوالي 63 بالمئة من الإيرانيين يضعون اللوم على سوء الإدارة والفساد وليس العقوبات، وفقا لاستطلاع شمل 1000 مشارك أجراه قبل عام مركز الدراسات الدولية والأمنية بجامعة ماريلاند و»IranPoll»، وهي شركة أبحاث واستطلاعات رأي مقرها كندا تركز على إيران.

الأفقر منذ 100 عام

كانت إيران في يوم من الأيام واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم من خلال ضخّ 6 ملايين برميل يوميا في السبعينيات و4 ملايين حتى عام 2016. وانخفض توظيف خريجي الجامعات بنسبة 7 بالمئة في أعقاب العقوبات وأجور العمال المَهَرة الذكور بنحو 20 بالمئة، وفقا لدراسة نشرها صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي.

وبدأت الموجة الأولى من التظاهرات في وقت سابق من هذا العام، بقيادة النقابات العمالية التي تمثل عمال صناعة النفط والمعلمين الذين رأوا أن أجورهم تنخفض إلى ما دون خط الفقر.

وقال فرشاد مؤمني، (رئيس معهد الدراسات الإسلامية في العلوم الإنسانية، وهو مركز أبحاث إيراني مستقل لوكالة أنباء «إيلنا» شبه الرسمية)، إن حجم الفقر المتصاعد في إيران «غير مسبوق في المئة عام الماضية» ويمكن أن يزعزع استقرار البلاد. وحث بعض القادة الإيرانيين الحكومة على سماع صوت المحتجين.

«الموت للدكتاتوريين»

بدوره، قال حسين نوري همداني، وهو رجل دين معروف بأنه مقرّب من المرشد الأعلى، علي خامنئي، في موقعه على الإنترنت الشهر الماضي إنه «من الضروري أن تستمع السلطات إلى مطالب الناس وتحلّ مشاكلهم».

ويقول رجال الأعمال في طهران إن الجماعات المتحالفة مع الدولة استولت على الاقتصاد بشكل متزايد من صناديق التقاعد العامة إلى المؤسسات الدينية إلى الكيانات المملوكة للحرس الثوري الإسلامي، مما يترك مساحة صغيرة لقطاع خاص حقيقي.

وتحصل أعلى 10 بالمئة من الأسر الإيرانية دخلا على 31 بالمئة من إجمالي الدخل القومي الإجمالي، بينما تحصل الـ 10 بالمئة الأدنى على حوالي 2 بالمئة، وفقا لوزارة الرعاية الاجتماعية الإيرانية.

وهذا يعني أن إيران لديها تفاوتات اقتصادية أعلى بكثير من دول أخرى في المنطقة، مثل الإمارات أو العراق أو إسرائيل، وفقا للبنك الدولي.

ويقول العمال إنهم يجدون صعوبة في توفير المواد الغذائية الأساسية، مثل السباغيتي أو لحم الهمبرغر. ودعت النقابات أعضاءها للانضمام للحركة الاحتجاجية لإنهاء قانون الحجاب المطبق الذي اتهمت أميني بخرقه.

في الأيام الأخيرة، اختزل طلاب جامعة العلّامة طبطبائي في طهران الموضوع وهم يهتفون، «فقر، فساد، طغيان... الموت لهذه الدكتاتورية».

الطالبات في مقدمة التظاهرات... ونجمات فرنسيات يتضامنّ
برزت طالبات إيرانيات في مقدمة الاحتجاجات التي تشهدها مختلف أنحاء البلاد في أعقاب وفاة الشابة مهسا أميني، فخلعن حجابهن ونزلن في تظاهرات خاطفة، في تحد للحملة الدامية التي تشنها قوات الأمن.

وتوفيت أميني الكردية الإيرانية، البالغة 22 عاما، بعد ثلاثة أيام من توقيفها في طهران من قبل شرطة الأخلاق، على خلفية عدم التزامها بقواعد اللباس الإسلامي.

وتظاهر طلاب ليل الأحد ـ الاثنين في جامعة شريف للتكنولوجيا بطهران، التي تعد أهم جامعة علمية في إيران، قبل أن تلاحقهم الشرطة وهم يركضون في موقف سيارات تحت الأرض.

وتوالت تظاهرات الطالبات في أنحاء البلاد، فخلعن حجابهن وأطلقن هتافات مناهضة للنظام، وقمن بتشويه صور القادة الدينيين.

وفي مقطع مصور يمكن مشاهدة مجموعة من الشابات اللواتي خلعن الحجاب وسماعهن يهتفن «الموت للدكتاتور»، في إشارة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، بينما قمن بدفع مسؤول، ذكرت تقارير انه المدير، خارج مدرسة في كرج غرب طهران الاثنين.

وتُشاهد مجموعة أخرى من النساء يهتفن «امرأة حياة حرية» لدى نزولهن إلى شارع في حي جوهشردشت في كرج.

وكتب اسفنديار باتمانغليدج من موقع «البورصة والبازار» (Bourse & Bazaar) للأنباء والتحليلات، في تغريدة، «إنها مشاهد استثنائية حقا، وإذا كانت هذه الاحتجاجات ستحقق أي شيء فسيعود ذلك إلى الطالبات».

وفي مقطع آخر تشاهد مجموعة من الفتيات وهن يطلقن هتافات صاخبة منددة بالباسيج، أمام رجل يقف على منصة في مدينة شيراز جنوب البلاد.

في تلك الأثناء فتح القضاء الإيراني تحقيقا في وفاة المراهقة نيكا شاكرمي، التي قتلت خلال التظاهرات، حسبما ذكرت تقارير. وأفادت «بي بي سي فارسي» و»إيران واير» بأن السلطات احتفظت بجثتها ودفتنها سرا الاثنين، لتجنب إقامة مراسم جنازة يمكن أن تشعل مزيدا من التظاهرات.

وقتلت العشرات من الفتيات في هذه الاحتجاجات بينهن هاديس نجفي (22 عاماً) التي ظهرت في فيديو بعد مشاركتها في تظاهرة تضامنية مع مهسا اميني، لكنها ما لبثت ان قتلت برصاص الأمن.

وقُتلت مينو مجيدي (62 عاما) برصاصة أطلقتها قوات الأمن خلال تظاهرة في 20 سبتمبر في مدينة كرمانشاه التي يقطنها أكراد في شمال غرب إيران، كما ذكرت منظمة هينغاو الحقوقية.

كما أوردت حسابات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي نبأ وفاة غزالة شيلوي (32 عاما)، وهي متسلقة جبال قُتلت بالرصاص في 20 سبتمبر في مدينة آمل المطلة على بحر قزوين، ونشرت لقطات مروعة لحزن عائلتها في جنازتها.

أما حنانة كيا (23 عاما) فقتلت في اليوم نفسه في مدينة نوشهر، بحسب مصادر عائلية ونشطاء. وذكرت منظمة العفو الدولية أن صديقين قالا إنها قتلت بالرصاص وهي في طريقها إلى المنزل من زيارة الطبيب.

لكن سارينا إسماعيل زاده (16 عاما) على غرار هاديس نجفي من كرج، قتلت بسبب ضربات على الرأس بالهراوات بأيدي قوات الأمن في 23 سبتمبر، حسب منظمة العفو الدولية التي وصفت ما جرى بأنه تكتيك يتبعونه بشكل متكرر.

الى ذلك، قصت ممثلات فرنسيات بارزات من بينهن جولييت بينوش وإيزابيل أوبير وماريون كوتيار وإيزابيل أدجاني، خصلات من شعرهن تضامنا مع الإيرانيات. وقالت بينوش «من أجل الحرية» وهي تقص خصلة كبيرة من شعرها ورفعتها أمام الكاميرا.

back to top