«الجنيهان»... هل بدأت عملية «ترشيق» العملة المصرية؟

إصدار العملة الجديدة يتجاوز الوجاهة الفنية ويستهدف مواجهة الضغوط التضخمية ومضاعفة القوة الشرائية
القرار أثار التكهنات بالاستغناء عن الجنيه كعملة رسمية أو خروجه «قسرياً» من دائرة المعاملات

نشر في 23-09-2022
آخر تحديث 23-09-2022 | 00:05
إصدار العملة الجديدة الجنيهان
إصدار العملة الجديدة الجنيهان
في محاولة الحكومة المصرية تخفيف الضغوط عن العملة المصرية الأساسية «الجنيه»، بعد تراجع قيمته الشرائية إلى المستويات الحالية، تفرض العديد من التساؤلات نفسها على مستقبل العملة: هل نحن بصدد عصر جديد للعملات المصرية؟ وما مصير الجنيه وفئاته الأقل؟ وهل بدأت رحلة «ترشيق» الجنيه؟
أرجعت الحكومة المصرية موافقتها المبدئية على إصدار وسك عملة معدنية فئة 2 جنيه لطرحها للتداول إلى العديد من الأسباب الفنية والاقتصادية، أهمها خفض تكلفة إصدار وسك العملة الأساسية «الجنيه»، والتسهيل على المواطنين حمل الفكة، أسوة بالدول التي أصدرت نفس الفئة من العملة، مثل الإسترليني واليورو والدولار الكندي، إضافة إلى رصد القوة الشرائية في الأسواق.

ووفقا لبيان رسمي صادر عن مجلس الوزراء المصري، في منتصف الشهر الجاري، فإن هذا القرار يفتح الباب لتوطين صناعة إنتاج وسك العملات محليا، لتصديرها للدول العربية والإفريقية، خاصة بعد الموافقة على إبرام اتفاق شراكة بين مصلحة الخزانة العامة وسك العملة المصرية، ودار السك الملكية البريطانية رويال منت، لإنشاء دار سك بريطانية مصرية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

وإضافة إلى وجاهة القرار من الناحية الفنية، إذ تتطلع الحكومة المصرية إلى إقامة شراكة تتجاوز فكرة نقل الخبرة الفنية، إلى شراكة قائمة على مشاركة في العملية الإنتاجية والتشغيلية، وتوطين الصناعات المعدنية في مصر، وأن تكون مصر مركزا إقليميا رائدا لإنتاج وسك العملات للدول العربية والإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، فإن له أبعادا اقتصادية تتعلق بشكل وثيق بالضغوط التضخمية التي يعانيها الاقتصاد بشكل عام، والعملة التي تشهد انخفاضا متسارعا في الفترة الأخيرة، لتصبح على بعد قروش بسيطة من كسر مستواها التاريخي الذي سجلته في ديسمبر 2016، حين بلغت أمام الدولار مستوى 19.56 جنيها، وذلك عقب قرار التعويم في نوفمبر من العام ذاته، على وجه الخصوص. ورغم تأكيد وزير المالية المصري على استمرار إصدارات فئات العملة الأقل قيمة، بنفس الكميات المعتادة وأكثر من تلك العملات بنحو 30 مليون جنيه شهريا، أثار القرار تكهنات بإحلال العملة الجديدة محل الجنيه، بررتها المعطيات الاقتصادية التي تمر بها الدولة في الوقت الحالي، وعززتها تفسيرات خبراء اقتصاديين حول ارتباط القرار بانخفاض قيمة الجنية وارتفاع التضخم، ومن ثم ضعف القوة الشرائية للعملة الأقل قيمة، وهي الجنيه أو النصف جنيه أو الربع جنيه، وبما يعيد إلى الأذهان قرار إصدار عملة من فئة الـ200 جنيه لأول مرة عام 2007 حينما ضعفت القوة الشرائية لفئة 100 جنيه بعد تحرير سعر الصرف، إضافة إلى التوقعات بأن يواصل الجنيه انخفاضه بشكل متسارع في الأيام المقبلة، ليصل إلى مستويات متدنية تاريخيا، في خطوة تمهيدية قبل الاتفاق الوشيك على قرض من صندوق النقد الدولي.

واتساقا، ففي محاولة الحكومة المصرية تخفيف الضغوط على العملة المصرية الأساسية «الجنيه» بعد تراجع قيمته الشرائية إلى المستويات الحالية، تفرض العديد من التساؤلات نفسها على مستقبل العملة: هل نحن بصدد عصر جديد للعملات المصرية؟ وما مصير الجنيه وفئاته الأقل؟ وهل بدأت عملية «ترشيق» الجنيه؟

تاريخياً، أقدمت العديد من الدول، التي عانت من ضغوط تضخمية، على «ترشيق» عملتها عبر حذف الأصفار من وحدتها الأساسية، مرة أو أكثر، وذلك لأسباب اقتصادية ومحاسبية تتمثل في خفض الأرقام المحاسبية وتسهيل التعاطي الحسابي وكلفة إدارة الأرقام الكبيرة الجديدة وانعدام الأرقام الصغيرة والكسور، وتسهيل الحصول على الائتمان الدولي، واستعادة الثقة، والسيطرة على سوق العملات، وتقليل الضغوط التضخمية، إضافة إلى أن هناك أسبابا نفسية لـ«الترشيق» تتعلق باستيعاب المواطنين للعملة الجديدة كعملة أساسية ذات قوة شرائية أكبر، بعد الاستغناء عن العملة القديمة.

الأمر هنا بالطبع ليس مشابها من ناحية الإجراء المحاسبي، إنما في مضمونه ونتائجه الاقتصادية، نستطيع القول إن ما يحدث هو خطوة، ربما تكون مرحلية، من عملية «ترشيق» للجنيه، عبر إصدار عملة «الجنيهين» فتتضاعف قيمته وقوته الشرائية، لتخفف الضغوط التضخمية عليه، لكن الإشكالية هنا أن تلك الخطوة تبرر التكهنات المثارة حولها بأنها قد تستتبعها إجراءات أخرى تتعلق بالاستغناء عن الجنيه كعملة أساسية لتحل محله العملة الجديدة، أو ربما يؤدي الانخفاض المستمر في قيمته والغلاء المستمر في الأسعار بسبب الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، على الصعيدين العالمي والمحلي، إلى خروجه أو خروج وحداته الأقل، قسرياً، من دائرة المعاملات المالية ليخرج من السوق، كما سبق وخرجت وحدات متناهية الصغر كالمليم والقرش.

أما من ناحية النتائج فقد تباينت نتائج عمليات «الترشيق» التي قامت بها الدول للخروج من المأزق الاقتصادي، مع اختلاف ظروف ومعطيات ووسائل كل منها، إذ نجح بعضها في تخفيف الضغوط التضخمية على العملة بعد حذف الأصفار حين كانت تلك العملية مصحوبة بسياسات أخرى تتحكم في السيولة وترشيد الإنفاق وتنويع مصادر الموازنة، بما يتطلبه ذلك من تعزيز التصنيع والإنتاج، بينما باءت محاولات «ترشيق» أخرى بالفشل حين تجاهلت حكومات تلك الدول القيام بأي خطوات أخرى فيما يتعلق بالسيطرة على التضخم، وبين هذه وتلك تبقى تجربة «ترشيق» الجنيه عبر إصدار «الجنيهين» محل تقييم، وتكهنات تبعاتها محل ترقب.

تامر عبدالعزيز

back to top