أديبة تونسية ترصد عوالم الإبداع لدى ليلى العثمان

فاطمة بن محمود تلقي نظرة على الكاتبة الكويتية «من الداخل»

نشر في 12-09-2022
آخر تحديث 12-09-2022 | 00:04
تعتبر الأديبة الكويتية ليلى العثمان من أهم الأقلام الأدبية في منطقة الخليج والعالم العربي عموماً، وتُرجم العديد من أعمالها إلى لغات عدة، واختيرت روايتها (وسمية تخرج من البحر) من أفضل مئة رواية في القرن العشرين. وفي إطلالة جديدة على إبداعها، أصدرت الكاتبة التونسية فاطمة بن محمود كتاباً عنها صدر أخيراً عن دار الوطن في المغرب، بعنوان «ليلى العثمان والكتابة من الداخل».

الكتاب النقدي الجديد يقع في حجم متوسط، وامتد على 122 صفحة بغلاف أنيق من تصميم الفنانة المغربية هند الساعدي، ويُعد بمنزلة رصد لعوالم الإبداع لدى ليلى العثمان، مع قراءات نقدية في منجزها الأدبي المتميز، حيث تشير بن محمود إلى أن العثمان تُعد من الرائدات في الكتابة الأدبية، بدأت مسيرتها شاعرة، ثم انتقلت إلى الكتابة القصصية والروائية، ومن أهم إصداراتها: «امرأة في إناء»، و«حلم الليلة الأولى»، و«يوميات الصبر والمر»، كما أُنجِزت عنها العشرات من البحوث الجامعية والدراسات والكتب النقدية.

ويُعد الكتاب الجديد المرة الأولى التي يقع فيها الاهتمام بالعثمان من طرف قلم تونسي. وقد اختارت بن محمود أن تشتغل على جانب من المنجز الإبداعي للأديبة الكويتية، فجمعت بين الاهتمام بالقصة والرواية والسيرة الذاتية، وتحدثت عن: الشخصية المدورة وخلفيتها الفلسفية والسيكولوجية في رواية «صمت الفراشات»، والجسد الأنثوي وجدلية الانتصار والهزيمة في رواية «حكاية صفية»، ولعبة الذكورة والأنوثة في الكتاب القصصي «قصة حب مجنونة»، والكتابة بين سُلطة الدين وسُلطة الإبداع (رواية المحاكمة نموذجاً)، وجدلية الحياة والكتابة في السيرة الذاتية من خلال كتاب «أنفض عني الغبار». كما ضمنت المؤلفة حواراً خاصا أجرته مع العثمان في بيتها بالكويت، إثر استضافة بن محمود في المعرض الدولي للكتاب بصفتها شاعرة.

الوفاء لأجواء الكويت

تقول بن محمود في تقديمها للكتاب: «أجد الأديبة ليلى العثمان من الرواد الذين أخرجوا اللغة العربية من استعمالاتها الرسمية الدينية والأكاديمية والإدارية، ووظفوها في الأدب، كما أنها من الرواد الذين استعملوا اللهجة الخليجية جزئيا (في بعض الحوارات)، حتى تكون وفيّة أكثر لمناخ الأجواء الكويتية التي تتناولها في أدبها، تماماً مثلما نقلت لقرائها بعض خصوصيات المجتمع الكويتي».

وتضيف: «لعل انحياز العثمان للمجتمع الكويتي ولقضاياه يجعل منها في منجزها الأدبي حارسة للكويت، وتمثل مجتمعها بكل إرثه الثقافي وعمقه التاريخي وخصوصياته الحضارية».

وفي كتابها تستنتج بن محمود أن «التزام العثمان بالمجتمع الكويتي، وانشغالها بقضاياه، جعلها صوت المجتمع الكويتي الخارج من الحارات والأزقة والأبواب المغلقة، مثلما كان نجيب محفوظ صوت المجتمع المصري، فهي تندّد بالقيود الاجتماعية، وتعلن رفضها، وتكتب المجتمع الكويتي في تفاصيله، لتقوده إلى ما هو إنساني، وتنطلق مما هو جزئي لتصل إلى ما هو كوني. لها بصمتها الخاصة في المنجز الأدبي الخليجي، الذي تعتبر من رواده، وذلك يمنحها مكانة خاصة في المشهد الأدبي العربي».

ومن أجواء الحوار الذي أجرته بن محمود مع العثمان في عام 2013، نجد سؤالاً مهماً طرحته عليها: «في مكتبك هناك ثروة كبيرة من الكتب، أنا أقرأ عناوين لأعظم أدباء العالم، وهناك مجموعات للكثير منهم، مثل: دوستوفيسكي، وتولستوي، ومورافي، وفيكتور هوغو، ونجيب محفوظ، وجبرا إبراهيم جبرا، وحنّا مينة، وهاني الراهب، وأمين معلوف... إلخ، كيف تجد العثمان صوتها الخاص في هذه الكوكبة من الأصوات الأدبية العالمية؟».

ورداً على هذا السؤال تقول العثمان: «استفدت كثيرا من خلال قراءاتي لكل هؤلاء الكُتاب ولغيرهم. عندما أقرأ كتاباً أشعر بالغيرة المشروعة التي تدفعني أن أكتب، وتحفّزني أن أكون أفضل. بطبيعة الحال نحن نتأثر بكل الكتب التي نقرأها، ولكن لم أتأثر بأديب أو أديبة بعينها. منذ أن انخرطت في عالم الأحلام كان حلمي الأرقى أن أكون كاتبة، وكنتُ أريد أن يكون لي صوتي الخاص وشخصيتي الأدبية المستقلة وأسلوبي الشخصي في الكتابة. أحبُ الكُتاب الذين يكتبون عن بيئتهم الثقافية، مثل نجيب محفوظ وغيره من الكُتاب الكبار».

البيئة الكويتية

وتابعت: «أعتقد أن صوتي الخاص في انتمائي لبيئتي الثقافية الكويتية، لاحظتُ أن هذه البيئة الثقافية توشك على التلاشي والغياب، لا يعرف عنها شباب أو أبناء هذا الجيل، فأحببتُ أن أنقل لهم صورة عن البيئة الكويتية. كنتُ مندفعة بشخصية مهمة في الكويت، وهو الفنان التشكيلي الكبير أيوب الحسيني (رحمه الله)، الذي تخصَّص في رسم البيئة الكويتية، بمختلف تجلياتها، والتي لا يعرفها هذا الجيل. هناك أشياء لا تُرى وأحاسيس لا ترسم، لذلك أحببت أن أكتب عنها، البيئة الثقافية للكويت القديمة المحاطة بثلاثة أسوار، وأضفتُ لها سوراً رابعاً من حِبري. هناك كانت طفولتي، أحببتُ أن أنقل كل شيء عنها، حتى أمثالها الشعبية وألعاب الطفولة وعاداتها وتقاليدها».

يُذكر أن هذا الكتاب هو الرابع الذي تصدره بن محمود مع دار الوطن للنشر بالمغرب، فقد سبق أن أصدرت كتاباً نقدياً بعنوان «في حدائق السرد المغربي»، و«أحلام تمد أصابعها»، وهو نصوص مفتوحة بالاشتراك مع الكاتب المغربي عبدالله المتقي، و«من ثقب الباب»، الذي يضم قصصا قصيرة جدا.

«ليلى العثمان والكتابة من الداخل»، هو الكتاب الثاني في النقد الأدبي للكاتبة بن محمود، والخامس عشر ضمن مؤلفاتها، وهي من الأسماء المعروفة في تونس، لها إصدارات في الشعر والقصة القصيرة جدا، والرواية واليوميات. وصلت روايتها (الملائكة لا تطير) إلى القائمة القصيرة في مسابقة حمد الشرقي بالإمارات، وأحدث إصداراتها في أدب اليوميات بعنوان «صديقتي قاتلة... يوميات الحجر الصحي».

أحمد الجمَّال

back to top