مصاحف صنعاء والمشككون في القرآن (9)

نشر في 05-09-2022
آخر تحديث 05-09-2022 | 00:08
 د. عبدالحميد الأنصاري «عوامل تحصين القرآن»

القرآن الكريم لم يصلنا عبر «النص المكتوب» فحسب، كونه معرضاً لأخطاء النساخ في ظل غياب التنقيط، حيث الحروف متشابهة، لذلك كان المصدر الأولي لتلقيه ونقله هو المصدر «الشفاهي السماعي» فور نزوله على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم «نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين»، لينطق به على مسمع الصحابة الحاضرين الذين كانوا يحفظونه في صدورهم ويسمعوه للرسول مرة أخرى، تأكيداً لسلامة ودقة ما تلقوه.

لقد نقل القرآن نقلاً صوتياً جماعياً متواتراً «أي نقل جمع كبير من الحفاظ عن جمع كبير مثلهم، يحكم العقل باستحالة اتفاقهم على الكذب، أو وقوعهم في الخطأ أو النسيان، أو حصول الزيادة أو النقصان»، من جيل إلى آخر على امتداد 15 قرناً إلينا وإلى الأجيال القادمة، ولذلك لم يرد في أي عصر من العصور الاختلاف في سورة أو آية أو كلمة، وكل المرويات الحديثية المنسوبة إلى بعض الصحابة عن آيات أو سُوَر سقطت، كقول ابن مسعود أن المعوذتين ليستا من القرآن، كلها روايات تعبر عن اجتهادات فردية وأفهام شخصية ظنية لبعض الصحابة أتت في مرحلة تاريخية قبل تدوين القرآن في «المصحف الإمام» كما وضحتها في المقال السابق.

ما العوامل التي ضمنت تحصين القرآن من التغيير بالزيادة أو النقصان عبر الأزمان؟

لقد توافرت للقرآن الكريم عوامل تحصنه من التحريف لم تتوافر لغيره من الكتب السماوية:

أولاً: الحفظ الإلهي للنص القرآني:

لقد تكفل الله بحفظ كتابه من أن تمتد إليه يد البشر بالعبث أوالتحريف أو التغيير أو الزيادة أو النقصان إلى آخر الدهر كما قال جل وعلا «وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ* لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»، إذ كيف يأتيه التحريف وقد تعهد بحفظه في محكم كتابه «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»؟!

ولتحقيق هذا الحفظ على أتم وجه، هيأ الأمة وأرشدها لمعرفة سبل حفظ كتابه، ولذلك كانت عملية توثيق وجمع المصحف وكتابته في عهد عثمان رضي الله عنه، من أكبر وأوثق العمليات المنهجية العلمية في التاريخ الإسلامي كله، بل فِي التاريخ البشري.

ثانياً: قوة الذاكرة والحفظ عند العرب:

اشتهر العرب بالحفظ لأنهم مرنوا عليه منذ نشأتهم لاضطرارهم إليه كونهم أمة أمية لا تشغلها القراءة أوالكتابة، ولصفاء أذهانهم مما يشغلها من الحوائج الدنيوية الكثيرة بسبب ظروف معيشتهم البسيطة، لذلك ما إن يفرغ الشاعر من إلقاء قصيدته حتى يكون أكثر الحاضرين قد استظهرها، ومن هنا نبغ الحفاظ وعلت مكانتهم، وكان العلماء القدامى يفاخر بعضهم بعضاً بقوة حفظه، ويتصدر المجلس ليملي من ذاكرته الموسوعية ما شاء في علوم الحديث وفنون الشعر واللغة والأدب.

ثالثاً: جعل الإسلام تلاوة القرآن نظام حياة:

رتب الإسلام على تلاوة القرآن مضاعفة رصيد المسلم من الحسنات، ومن ثم أصبح مظهراً من مظاهر المجتمع الإسلامي، وجزءاً من حياة المسلم اليومية.

فقد ورد في الترغيب في تلاوة القرآن وما يترتب عليها من أجر عظيم، مرويات عديدة منها «من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها»، لذلك تسابق المسلمون ماضياً وحاضراً إلى قراءة القرآن والمواظبة على ختمه عدة ختمات، وخاصة في شهر رمضان، تقرباً إلى الله، وكسبا للثواب الكبير

رابعاً: جعل تلاوة القرآن جزءاً من الصلوات المفروضة:

فلا تصح الصلوات الخمس اليومية المفروضة على المسلم بدون القرآن الكريم.

خامساً: العناية النبوية بالقرآن:

1- كتابته فور نزوله.

2- التعجيل بتبليغه «لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ»

3- حضه الصحابة على حفظ القرآن وتلاوته.

4- قراءته في الصلوات الجهرية اليومية وخطب الجمع ورمضان 23عاماً.

5- نهيه كتابة غير القرآن.

وللحديث بقية.

* كاتب قطري

د. عبدالحميد الأنصاري

back to top