في ظلال الدستور: : الشورى ... وولاية الفقيه والحكومة الدينية

نشر في 30-08-2022
آخر تحديث 30-08-2022 | 00:10
 المستشار شفيق إمام الإسلام الثورة الأعظم

تنص المادة (2) من الدستور على أن «الإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع»، كما تنص المادة (12) على أن «تصون الدولة التراث الإسلامي والعربي وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية»، وفي سياق هذا التراث تناولنا في المقالين السابقين الإسلام أعظم ثورة في تاريخ البشرية، بما أحدثه في العالم كله من تغييرات جذرية فاقت كل الثورات، وكانت أسبق من الثورة الفرنسية بثلاثة قرون في الإعلان عن مبادئ الحرية والإخاء والمساواة، وبدأت بحرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية، والشورى في الحكم، باعتبارها أحق الحريات العامة الأخرى، وهو ما يطرح سؤالا مشروعا: هل تعتبر ولاية الفقيه من مكونات مبدأ الشورى؟

الشورى فريضة إلهية

وترقى الشورى، وقد أمر الله بها رسوله ونبيه في قوله تعالى: «وشاورهم في الأمر» وأمر بها الناس كافة، في قوله سبحانه وتعالى: «وأمرهم شورى بينهم»، وهو ما أكده الفقيه الإسلامي الكبير د. محمد عمارة في كتابه «هل الإسلام هو الحل... كيف ولماذا؟». إذ يقول في (ص88): «إن الانفراد بالرأي والسلطة في أي ميدان منهما هو المقدمة للطغيان... ولهذه الحقيقة من حقائق مكانة الشورى جعلها الإسلام فريضة إلهية وليست مجرد حق من حقوق الإنسان يجوز التنازل عنه بالاختيار، كما عمم ميادينها لتشمل الأسرة... والمؤسسة... والمجتمع... والدولة الى الاجتماع الإنساني ونظامه الدولي».

ويضيف د. محمد عمارة في هذا الكتاب، «بحق إن التكليف بالشورى ليس وقفا على فريق دون آخر من أفراد الأمة» (ص 79). ولكن الدكتور محمد عمارة يقول في ص81 من الكتاب (وهذه الأمة– في تنظيم هذه الشورى– تختار مؤسساتها، المكونة من «أهل الذكر» و«العلم» و«الفقه» بالأحكام وبالواقع معا).

أي أنه يقصر حق الترشح للانتخابات للمؤسسة التي تمثل الأمة في اتخاذ القرارات، على فئة واحدة هي أهل الذكر والعلم والفقه دون سواهم، أي أنه يأخذ بحق الاقتراع المقيد، ومن تطبيقاته في إنكلترا، وهي أعرق الديموقراطيات الغربية، أن الحاصلين على مؤهلات جامعية كانوا يحصلون على ضعف أصوات غيرهم، ممن لهم حق الانتخاب، والذي استعاضت عنه الديموقراطيات الغربية بحق الاقتراع العام الذي وصلت إليه الديموقراطيات الحديثة، بعد نضال طويل

.

الفصل بين السلطات

يعتبر تقسيم السلطات في النظام الديمقراطي إلى تشريعية وتنفيذية وقضائية، والفصل بينها جوهر هذا النظام ، إلا أن الفقيه الكبير د. محمد عمارة يرى فى النموذج الإسلامي (الشورى) سلطة رابعة هي الاجتهاد التي أوردها قبل السلطات جميعا حيث يعرف الاجتهاد بأنه «الذي يصل أهله إلى مرتبة من العلم تؤهلهم لبناء الفقه وتقنين القانون على أساس من مبادئ الشريعة الإلهية وحدودها... هذا الاجتهاد هو سلطة متميزة... والتزامها قائم تجاه المرجعية الإسلامية».

ويتفق د.عمارة في ذلك مع النموذج الإيراني، في ولاية الفقيه، التي اعتبرها سيادته هي «النائبة عن الأمة في الحفاظ على إسلامية الدستور والقانون»، إذ يعتبر هذا النموذج «هو المحقق لاستقلال سلطة التشريع عن سلطة التنفيذ استقلالا حقيقيا، وتلك ميزة لا تتوافر في نموذج آخر سواه».

ويقرر في سياق السلطة الرابعة التي أنشأها قبل كل السلطات وفوقها جميعا، «أن تلك هي فلسفة دولة الخلافة الإسلامية، المحققة لمقاصد الاستخلاف الإلهي للإنسان في إقامة العمران، وحمل الأمانات».

السيادة للأمة

كما قرر الفقيه الكبير الراحل أن الشورى تفترق عن الديموقراطية الغربية في جزئية «ولاية الفقيه»، والتي اعتبرها لزوم الشورى، وهي ليست كذلك في الديموقراطيات الغربية، فقد اعتبر السيادة للأمة في هذه الديموقراطيات جزئية أخرى، جزئية أخرى تفترق فيها عن مبدأ الشورى الذي يعتبر السيادة لله في التشريع ابتداء، والتي جسدها في الشريعة، التي اعتبرها وضعا إلهيا، وما للإنسان في التشريع هو سلطة البناء على هذه الشريعة الإلهية والتفضيل لها، والتقنين لمبادئها والتفريع لكيانها، ولهذا كان االله هو الشارع، وأصول الشريعة ومبادئها وثوابتها تتمثل فيها حاكمية الله، أما البناء على الشريعة، تفضيلا وتنمية وتطويرا وتفريعا واجتهادا للمستجدات فهو فقه وتقنين، وتتمثل فيها سلطة الإنسان المحكومة بحاكمية الله.

ويرى الفقيد والفقيه الراحل، أن نظرية الخلافة والاستخلاف، هي التي تجمع بين سيادة الشريعة، التي هي وضع إلهي ثابت، وبين سلطة الاجتهاد الإسلامي في فقه المعاملات وسن القوانين، في حين تتأسس فلسفة الديموقراطيات الغربية على العلمانية، التي تعزل الدين على أن يكون حاكما في شؤون الاجتماع والعمران، ومنها التشريع والتقنين، إلا أنه يقرر في الوقت ذاته أنه ليس في قواعد النظام النيابي الذي نقلناه عن أوروبا ما يتنافي مع القواعد التي وضعها الإسلام لنظام الحكم.

الأحزاب السياسية والمعارضة المنظمة

إلا أن الفقيه الكبير د. محمد عمارة يرى أن «مصطلح الحزب غير غريب عن التراث الإسلامي... ولا هو بالوافد الطارئ على حضارتنا الإسلامية التي مثلت العمران المصطبغ بصبغة الإسلام، وأن كل الفرق الإسلامية قد نشأت نشأة سياسية، وكانت تيارات وتنظيمات سياسية، أو كانت السياسة واحدة من أبرز مهامها ونسماتها، فهي بمنزلة أحزاب سياسية».

ويرى الفقيه الكبير الراحل أن «المعارضة السياسية المنظمة التي لا تنهض الجماعة إلا بها، تجد أساسها في فريضة إلهية أخرى من فرائض الإسلام هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». (المرجع السابق ص 86– 100)

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية، في تقدير آراء الفقيه الكبير «السالف البيان»، استكمالا لموضوع الشورى..

المستشار شفيق إمام

الفقيه الكبير عمارة يرى فى النموذج الإسلامي (الشورى) سلطة رابعة هي الاجتهاد وقد أوردها قبل السلطات جميعاً

د. عمارة يرى أن «مصطلح الحزب غير غريب عن التراث الإسلامي... ولا هو بالوافد الطارئ على حضارتنا الإسلامية»
back to top