في ظلال الدستور: الإسلام... الثورة الأعظم (583م) منذ فجر البشرية (1)

نشر في 14-08-2022
آخر تحديث 14-08-2022 | 00:10
لعل عدم الاعتراف بالثورة الإسلامية في الغرب بل الخوف من إظهارها أو الكشف عنها أو حتى محض معرفتها يرجع إلى تصميم الغرب على أنه سيد العالم المطاع مستأسداً بترسانته العسكرية التي فاقت حتى الخيال العلمي.
 المستشار شفيق إمام الإسلام الثورة

تنص المادة الثانية من الدستور على أن «دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع»، كما تنص المادة 12 على أن «تصون الدولة التراث الإسلامي والعربي وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية»، وفي هذا السياق نقدم من هذا التراث هذه الدراسة للإسلام كأعظم ثورة.

نعم الإسلام هو الثورة الأعظم من سائر الثورات منذ فجر تاريخ الإنسانية، سواء من ناحية عالميتها فهي لم تقف عند الحدود الجغرافية التي وقفت عندها سائر الثورات، وجاوزت حدود الطبقة التي قامت بها الثورات الأخرى، سواء الطبقة الأرستقراطية أو الطبقة البرجوازية أو الطبقة العمالية بل كانت ملك الأمة الإسلامية كلها في نشأتها الأولى في الجزيرة العربية، أو في امتدادها خارج الجزيرة وقد نزل بها دين سماوي، هدى للعالمين على مر السنين، فأعداد المسلمين تتزايد يوما بعد يوم الآن حتى في عقر ديار الغرب.

وقد نزل القرآن الكريم في القرن السادس الميلادي هدى للعالمين، وكان القرنان الخامس والسادس قد انهارت فيهما العقائد الدينية كما كانت البلاد الوثنية تبحث عن عقيدة واحدة يجد فيها الضمير البشري اليقين والهدوء والراحة والقرار، فجاء الإسلام بالتغييرات الفجائية والجذرية في الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية فضلاً عن تغييراته غير السياسية ذات الطابع الجذري في مختلف مجالات الحياة بما يجعل الإسلام ثورة حقيقية وقد جمع بين النوعين من الثورات التي حرص الفكر السياسي على إطلاق هذا المصطلح عليها، وهما:

النوع الأول: تغيرات فجائية وجذرية، وتتم في الظروف الاجتماعية والسياسية، لتغيير حكم قائم ونظام اجتماعي وقانوني بصورة فجائية، وأحياناً عنيفة بحكم آخر.

النوع الثاني: تغييرات ذات طابع جذري (راديكالي) غير سياسية ولكنها شاملة في مختلف مجالات الحياة، وقد تتم ببطء ودون عنف كالثورة العلمية والثقافية والفنية والأدبية.

الحقيقة الغائبة

ولعل عدم الاعتراف بالثورة الإسلامية في الغرب بل الخوف من إظهارها أو الكشف عنها أو حتى محض معرفتها يرجع إلى تصميم الغرب على أنه سيد العالم المطاع مستأسدا بترسانته العسكرية التي فاقت حتى الخيال العلمي، وقد ورثنا عنه بالتغريب الذي انسلخنا فيه عن جذورنا طمس هذه الحقيقة جرياً وراء سراب الديموقراطية التي لم نحصل منها إلا على النزر اليسير، أو الشكل دون المضمون في ظل أنظمة حكم تتفرد بالسلطة وترفض تداولها أو الاعتراف بالآخر.

كما غابت هذه الحقيقة، الإسلام الثورة الأعظم في التاريخ، عن الفقه الإسلامي، الأعظم في استنباط الأحكام من مصادرها في العبادات والمعاملات، حتى أشاد به الفقه الغربي، ولكن الفقه الإسلامي، مع عظمته، ابتعد قدر ما استطاع عن الفتيا في شؤون الحكم، كما توارث طوال الأجيال عقيدة الطاعة لولي الأمر في قوله تعالى «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» الأمر الذي لا يتأتى معه قيادة فكر ثوري إسلامي يعترف أصلاً وأساساً بالثورات لخروجها على الحاكم، الذي له الأمر والطاعة على سند من قوله تعالى «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وهو تفسير خاطئ للنص القرآني لأنه يفسر الآيات القرآنية على أنها جزر منعزلة، وهو ما سوف نتناوله لاحقا في هذه الدراسة.

الحرية والإخاء والمساواة

ولم تكن الثورة الإسلامية هي الحقيقة الوحيدة الغائبة أو التي غيبت في الغرب بل كانت مبادئ الحرية والمساواة والإخاء التي نسبت إلى الثورة الفرنسية (1789) باعتبارها أول ثورة نادت بها ووثيقة حقوق الإنسان التي أعلنتها، فقد تم تزييف الحقيقة فيها لأن الإسلام هو أول من نادى بهذه المبادئ قبل الثورة الفرنسية بعشرة قرون، وعلى مستوى العالم كله والأمم جميعها، وليس على مستوى أوروبا وحدها التي خرجت منها إشعاعات الثورة الفرنسية.

بل كانت هذه المبادئ في الثورة الإسلامية عالمية الأثر، لا تحُد من دعوتها إلى اعتناق الدين الجديد حدود جغرافية لقارة أو منطقة أو دولة، وتشمل الناس من مختلف طبقات المجتمع وأطيافه وألوانه كما أضافت الثورة الإسلامية العدل كأحد المقومات الأساسية للمجتمع الإسلامي، ونستعرض هذه المبادئ على النحو التالي:

أولا ـ الحرية

وقد أخذ الإسلام المفهوم الأعمق والأشمل للحرية من المفهوم الضيق الذي أخذت به الثورة الفرنسية، وقبلها بعشرة قرون، فالحرية لديها كانت حرية الطبقات المحرومة من الامتيازات ضد الطغيان الاقطاعي والملكية المستبدة التي تستند إلى الحق الإلهي، وبالمثل فإن الحرية كانت الشعار الأمثل للثورة الأميركية (1784) ضد الحكم البريطاني الإمبريالي، أما الإسلام فقد حفل بعدد من الحريات على التفصيل التالي، واعتبر بعضها جزءا من العقيدة الدينية الإسلامية وفرضا من فروضها.

1- حرية العقيدة

الإيمان الذي يقوم على حرية الاختيار التي جسدتها آيات الله البينات في قوله تعالى «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ». البقرة 256، وقوله تعالى «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» الكهف 29، وقوله «قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا» الإسراء 107 (به: أي القرآن)، وقوله تعالى «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» يونس 99، كما يقول سبحانه وتعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ». النحل 125.

وقد اعترف الإسلام بالأنبياء، جميعا، وصنف المنتمين إلى الديانتين اليهودية والمسيحية بأنهم «أهل كتاب» وأن ما التبس على الكثيرين، من اعتبارهم كفاراً هو خطأ بل خطيئة، وربما كان ذلك رداً على آباء الكنائس الغربية الذين كانوا السابقين إلى اتهام المسلمين بالكفر، وقد دعا البابا أوربان الثاني (1095م) في المجمع الديني إلى إنقاذ المسيحيين وبيت المقدس من براثن المسلمين الكفرة.

2- حرية إقامة الشعائر الدينية

يقول المولى عز وجل « أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا».

ويقول سبحانه: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا».

وقد حفلت سنة النبي عليه الصلاة والسلام بمعاهدات مع اليهود والنصارى، فيقول في عهده لليهود من بني عوف «إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين... لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوقع إلا نفسه وأهل بيته».

وفي عهد النبي عليه الصلاة والسلام للنصارى يقول «للسيد ابن الحارث بن كعب ولأهل ملته ولجميع من ينتحل دعوة النصرانية في شرق الأرض وغربها أعطيهم عهد الله وميثاقه أن أحفظ أقاصيهم وأحمي جانبهم، وأن أذود عنهم وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم».

وللحديث بقية حول الشورى في الحكم وغيرها من حريات كفلها الإسلام وكانت من الخصائص المميزة للثورة الإسلامية.

المستشار شفيق إمام

الإسلام جاء بتغييرات فجائية وجذرية في الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية فضلاً عن تغييراته غير السياسية ذات الطابع الجذري في مختلف مجالات الحياة بما يجعله ثورة حقيقية
back to top