في ظلال الدستور: حل المجلس عندما يكون الأمير حكماً بين السلطتين (1-3)

نشر في 17-07-2022
آخر تحديث 17-07-2022 | 00:10
 المستشار شفيق إمام عطفاً على مقالنا الأحد 3/7 على هذه الصفحة تحت عنوان «لا تقهروا النصوص الدستورية...» والذي انتهينا فيه إلى أنه إذا كان الأصل العام هو أن يمارس الأمير سلطته بواسطة وزرائه (مادة 55) وأن الحكم الوارد في هذه المادة يشمل سلطات الأمير الدستورية كافة عدا «الاستثناءات الثلاثة التي ورد النص عليها صراحة في المذكرة التفسيرية للدستور، والتي ينفرد الأمير بالقرار فيها»، فإنه إذا قام خطر محدق لوحدة الوطن واستقرار الحكم، في وجود حكومة مستقيلة لا تملك طلب حل المجلس فإنه تقوم ضرورة تقضي بانفراد الأمير بإصدار قرار الحل، سواء بمرسوم أو بأمر أميري، إلا أننا رأينا في هذا المقال أن نسوق من الأدلة في تفسير النصوص الدستورية ما يزيد الأمر وضوحاً في صحة ما انتهينا إليه في هذا الأمر وأن نبدد الشك يقينا في ذلك.

وبادئ ذي بدء فإنه يبين من استعراض نصوص الدستور أن حل مجلس الأمة، تحكمه مادتان، هما المادة 107 والمادة 102، وقد استبان لنا من استعراض هاتين المادتين أنهما تختلفان في الطبيعة وفي السلطة التي تستخدم حق الحل فيهما، فالمادة 107 فيما تنص عليه من أن «للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى»، فهذه المادة تضع الأصل العام في حل مجلس الأمة أن يكون استخدام الأمير له، مثلما يستخدم كافة سلطاته الدستورية بناء على طلب أو بعد موافقة مجلس الوزراء إعمالاً لأحكام المادة 55 من الدستور التي تنص على أن يتولى الأمير سلطاته الدستورية بواسطة وزرائه.

أما المادة 102 فهي تواجه حالة خاصة بحكم خاص، عندما يصدر مجلس الأمة قراراً بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، إثر استجواب قدم إليه، هو أن يرفع الأمر إلى الأمير ليقرر إما إعفاء رئيس مجلس الوزراء من مهام منصبه أو حل مجلس الأمة.

وتختلف طبيعة الحل في الحالتين لأن حل مجلس الأمة طبقاً لأحكام المادة 107 من الدستور، يعتبر في الكويت كما في الدساتير المقارنة، سلاحاً تشهره الحكومة في مواجهة المجلس، يقابل ما تقرره هذه الدساتير من حق مجالسها النيابية في طرح الثقة بالحكومة أو في طرح الثقة بالوزراء، بما يحقق التوازن بين السلطتين، فالحل في جميع هذه الأحوال يستخدمه رئيس الدولة بناء على طلب الحكومة أو موافقتها باعتباره أداة من أدوات التوازن بين السلطتين.

حل البرلمان في إنكلترا

وتجرى الأحكام على هذا في إنكلترا باعتبار أن حل البرلمان هو حق الحكومة، وهو ما حدث عندما سحب البرلمان الإنكليزي الثقة من حكومة جيمس كالاهان العمالية سنة 1979، حيث قامت الأخيرة بحل البرلمان فظفرت حكومة المحافظين بالأغلبية في مجلس العموم لتشكل الحكومة الجديدة برئاسة مارغريت تاتشر.

ويذهب الفقه إلى أن الملك لا يملك في إنكلترا رفض اقتراح الوزارة بحل البرلمان، لأن الحل ما هو إلا اللجوء إلى هيئة الناخبين، التي هي السلطة الدستورية العليا في البلاد (د. السيد صبري: حكومة الوزارة ص371). كما أن الملك لا يملك حل البرلمان دون موافقة الحكومة على ذلك، لأنه غير مسؤول سياسيا عن أعماله، فمن اللازم قيام من يتحمل تلك المسؤ ولية.

الحل في فرنسا

إلا أن حل البرلمان في فرنسا في ظل دستور سنة 1958 أصبح حقاً رئاسياً يباشره رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأي رئيس الوزراء (الوزير الأول) ورؤساء المجالس، وإن كان من حق رئيس الدولة مخالفة رأيهم، إلا أنه يمتنع على رئيس الجمهورية استخدام حق الحل إذا لجأ إلى تطبيق المادة 16 من الدستور التي تنص على أنه إذا أصبحت أنظمة الجمهورية أو استقلال الوطن أو سلامة أرضيه أو تنفيذ تعهداته الدولية مهددة بخطر جسيم، وحال ترتب عليه توقف السير المنتظم للسلطات العامة الدستورية، جاز لرئيس الجمهورية أن يتخذ من الإجراءات ما تتطلبه هذه الظروف.

وقد رفض رئيس الجمعية الوطنية في فرنسا اقتراحاً بسحب الثقة من الحكومة عندما أصدر الجنرال ديغول قراراً بتاريخ 23/4/61 بتطبيق المادة (16) من الدستور استناداً إلى أن مقتضيات التوازن بين السلطتين تحرم الجمعية الوطنية من هذا الحق الدستوري لأن فترات الأزمات تحتاج إلى التعاون والتكاتف (د. يحيي الجمل - نظرية الضرورة ص150 - 151).

وقد أخذ دستور الكويت بأحكام مماثلة أثناء قيام الأحكام العرفية فيما تنص عليه المادة 181 من الدستور من أنه لا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الأمة في تلك الأثناء أو المساس بحصانة أعضائه.

تطبيق المادة 102 من الدستور

وفيما تنص هذه المادة على أنه اذا رأى مجلس الأمة بالطريقة المنصوص عليها في المادة السابقة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، رفع الأمر إلى رئيس الدولة، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة... فإن الحل في تطبيق أحكام هذه المادة يواجه حالة خاصة، حيث ينصب النص الدستوري الأمير حكما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث جاء في التصوير العام لنظام الحكم ما يلي: أن عدم النص على إسقاط الوزارة بكاملها بقرار عدم ثقة يصدره مجلس الأمة، والاستعاضة عن ذلك الأصل البرلماني بنوع من التحكيم يحسمه الأمير بما يراه محققاً للمصلحة العامة، وذلك إذا ما رأى مجلس الأمة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء (مادة 102).

وتضيف المذكرة التفسيرية أن الأمير يكون حكما في الأمر، إن شاء أخذ برأي المجلس وأعفى الوزارة، وإن شاء احتفظ بالوزارة وحل المجلس.

فلا يقبل عقلاً ومنطقاً أن تكون الحكومة التي أدانها مجلس الأمة سياسياً في استجواب وجه إلى رئيس مجلس الوزراء وقرر المجلس عدم إمكان التعاون معها، صاحبة حق أصيل في طلب حل مجلس الأمة، لما ينطوى عليه ذلك من أن تصبح الحكومة خصماً وحكما... وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

* المستشار شفيق إمام

حل البرلمان بفرنسا في ظل دستور 1958 أصبح حقاً رئاسياً يباشره رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي رئيس الوزراء (الوزير الأول) ورؤساء المجالس وإن كان من حق رئيس الدولة مخالفة رأيهم
back to top