كيف نحول التحديات إلى فرص للتضامن (2)

نشر في 27-06-2022
آخر تحديث 27-06-2022 | 00:08
 د. عبدالحميد الأنصاري هذا هو الجزء الثاني من مداخلتي بالندوة الحوارية التي نظمها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية بمراكش 8 يونيو 2022 تحت عنوان «العالم العربي أمام التحديات العالمية الجديدة»، وشارك فيها نخبة من الباحثين والمفكرين العرب. للتذكير بما سبق تكلمت في الجزء الأول عن التحدي الداخلي المتمثل بعجزنا المزمن عن «بناء المواطن وتنميته» ونستكمل فِي هذا الجزء الحديث عن «التحدي الخارجي» والمتمثل في أيديولوجية ولاية الفقيه التي غزت الأرض العربية واستباحت حدودها وسيادتها الوطنية، ونجحت بنفوذها وهيمنتها وأموالها وميليشياتها أن تمارس في عمق البيت العربي تخريباً وتقويضاً لمقومات للدولة الوطنية، وإفساداً للمواطنة وتفرقة بين المكونات المجتمعية وإضعافاً للجيوش الوطنية، بحيث أصبحت تلك الدول العربية المنكوبة بهيمنة أيديولوجية ولاية الفقيه لا تملك قرارها ولا إرادتها المرهونة بإملاءات الولي الفقيه.

إن غزو أيديولوجية ونظام ولاية الفقيه للبيت العربي يختلف عن كل أشكال الغزو التي واجهه العالم العربي، إنه غزو مختلف يشكل تحدياً مختلفاً، إنه غزو موجه من الخارج العربي لكن جنوده أبناءنا في الداخل، أشبه بمرض سرطاني فتاك يصعب معالجته والفكاك منه إلا بمعالجات غير تقليدية، تصور أن أحد الأعزاء لديك أصيب بهذا المرض الخبيث ماذا تفعل؟! وكيف تواجهه؟! وكيف تعالجه؟!

هذا هو الحاصل اليوم في عمق البيت العربي الذي غزته هذه الأيديولوجية المدمرة، قطاع عريض من المواطنين في أربع دول عربية مركزية اعتنقوا فكر وأيديولوجية ولاية الفقيه، فأصبحوا جنودا لها، يعملون في خدمتها، يمكنون لها، يسعون لمصالحها لا لمصالح أوطانهم، يعلنون جهاراً نهاراً ولاءهم لها لا لأوطانهم، يأتمرون بأوامرها، ينفذون سياستها، يضحون من أجلها بأنفسهم وأموالهم وأبنائهم حتى لو تعارضت هذه التضحيات مع مصالح أوطانهم! حتى لو خربت ودمرت ومات الآلاف من أبناء مجتمعاتهم ودولهم وأوطانهم، أهم ما يشغلهم رضا الولي الفقيه عنهم! مثلهم مثل من قال فيه شاعر العربية الأكبر:

إذا صـحَّ مِـنـكَ الوِدُّ فالكُلُّ هَيّنٌ وكُـلُّ الـذي فـوقَ التُّرابِ تُرابُ

أذكر أني تشرفت بالمشاركة في ندوة حوارية حول «التضامن العربي وأدارة الأزمات: رؤية مستقبلية» نظمها منتدى (الفكر العربي- عمان 2017) شخص فيها الأمير المثقف الحسن بن طلال رئيس المنتدى، بكلمة مستفيضة مختلف أبعاد الأزمات العربية، وما كانت تمر به المنطقة من عوامل التصدع وانعكاساتها على إمكانات النهوض العربي.

أكد سموه أهمية إطلاق الحرية للعقل وابتكار أنماط للتفكير والسلوك لتحقيق حركة فكرية تنهض بالأمة، تستند إلى منهج «الحوار الموضوعي» بين مكونات المجتمع الواحد وبقية المجتمعات العربية، تركز على الروابط الأخوية المشتركة، وتحاصر الخلافات العربية بالطرق السلمية، طبقاً لأمير الشعراء:

وَما نَــيلُ المَـطــــالِبِ بِالتَمــــــــَنّي وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا

وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا

أتت أهمية كلمة الأمير الحسن من كون ضعف التضامن العربي ترك فراغاً استرتيجيا وأمنياً استغلته قوى إقليمية ودولية للتدخل في عمق البيت العربي لتؤدي دوراً تخريبياً، يقوض مقوماته ويضعف جيشه الوطني، فعلينا أن نعترف بأننا مسؤلون عما نشكو منه، وهذه القوى المتكالبة ما تجرأت وطمعت وعبثت بالأمن القومي العربي لولا ضعف (المناعة الداخلية) للبيت العربي، وقابليته للغزو والاختراق.

نلوم شياطين الأرض والعيب فينا، في تفرقنا، في فساد ذات بيننا، في انتشار المظالم بيننا، في غياب العدل والمساواة وتكافؤ الفرص في مجتمعاتنا، في انتشار النزعات العصبوية والعرقية: القبلية والطائفية والمذهبية في تركيبتنا المجتمعية، في التمايزات التي نصطنعها بين المكونات المجتمعية، في التفرقة التي نمارسها بين أبناء المجتمع الواحد، في التنابز بالألقاب وشجرة الأنساب والأصول والأعراق، نتفاخر بها ويستعلي بها بَعضُنَا على بعض طمعاً واستئثاراً بالمغنم، وإقصاءً للآخر مع أن الخير كثير يسع الجميع ويفيض!

ما الحل؟ وما العمل؟ أعطانا المولى الحل في محكم كتابه منذ 14 قرناً: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ، فكيف نغير أنفسنا ومجتمعاتنا؟ وكيف نتقي السوء؟ بكلمتين لاغير: الأولى والأهم: القيادة السياسية الحازمة. الأخرى المهمة: الإدارة الكفؤة للطاقات الوطنية.

* كاتب قطري

د. عبدالحميد الأنصاري

back to top