فرنسا قد تُغرِق منطقة اليورو في أزمة جديدة

نشر في 23-06-2022
آخر تحديث 23-06-2022 | 00:00
 سبكتاتور لم يتطرق أحد إلى الوضع المالي خلال الانتخابات الرئاسية أو التشريعية في فرنسا، مع أنه تدهور بدرجة هائلة خلال الشهر الماضي، ولا يمكن تطبيق برنامج أي حزب من دون إغراق فرنسا ومنطقة اليورو ككل في أزمة ديون سيادية جديدة، باختصار أصبحت فرنسا على شفير بركان من الديون.

يدعو البرنامج الأيديولوجي الذي يطرحه تحالف «الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد» (نوبس) بقيادة جان لوك ميلانشون إلى تأميم قطاعات المصارف، والطاقة، والطرقات السريعة، والصناعات الاستراتيجية، تزامناً مع رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1500 يورو شهرياً، وتمديد الإجازات المدفوعة من خمسة أسابيع إلى ستة، وتقليص دوام العمل في بعض القطاعات من 35 إلى 32 ساعة، وتخفيض سن التقاعد من 62 إلى 60 عاماً، ولا ننسى ضرورة أن يلغي البنك المركزي الأوروبي ديون جميع الدول الأعضاء.

يزعم تحالف «نوبس» أن برنامجه يمكن تمويله عبر فرض الضرائب على الأغنياء وتجديد إنفاق المستهلكين نتيجة نقل الثروات من الأثرياء إلى الفقراء، لكن احتساب هذه التكاليف تم حين اقتصر التضخم في فرنسا على 2 في المئة وكانت الفائدة على الديون الفرنسية شبه معدومة، لكن التضخم بلغ في فرنسا 5.2 في المئة وتمويل الديون 2.2 في المئة في مايو الماضي، ويشهد هذان المعياران ارتفاعاً متسارعاً، وفي الوقت نفسه يبلغ معدل الدين العام نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي 115 في المئة، وهو الأعلى مستوى في الاتحاد الأوروبي بالأرقام المطلقة، وعند جمع الدين العام والخاص، تصل تلك النسبة إلى 361 في المئة (مقابل 289 في المئة في بريطانيا و205 في المئة في ألمانيا)، مما يجعل فرنسا أكبر دولة مدينة في العالم للمرة الأولى على الإطلاق.

لكن ماذا عن برنامج الرئيس إيمانويل ماكرون، إذا تسنّى له تنفيذه؟ يزعم ماكرون حتى الآن أن ولايته الرئاسية الثانية ستشهد المزيد من التخفيضات الضريبية للشركات والأفراد عبر إصلاح نظام الرعاية الاجتماعية في فرنسا ورفع سن التقاعد من 62 إلى 65 عاماً. قام الرئيس بحساباته المالية منذ أشهر، وهي ترتكز في المقام الأول على استمرار النمو الاقتصادي، لكن الاقتصاد الفرنسي تراجع في الربع الأخير من السنة بنسبة 0.3 في المئة وتبدو فرص النمو ضئيلة، ولن يحصل ماكرون على الأغلبية البرلمانية اللازمة لتطبيق الإصلاحات التي يريدها، وفي غضون ذلك، من المتوقع أن يكلّف تسديد الديون الفرنسية مبالغ طائلة، مما يؤدي إلى كبح التخفيضات الضريبية أو حتى فرض زيادات ضريبية محتملة (يتكلم بعضهم منذ الآن عن زيادة ضريبة القيمة المضافة).

كانت الانتخابات الرئاسية والتشريعية باهتة في فرنسا، إذ يتمسك ماكرون بشخصيته الطموحة والفوقية، وتجنّبت جميع الأطراف التطرق إلى تدهور الوضع المالي في فرنسا وكيفية إصلاحه، وخوفاً من إحباط الناخبين الفرنسيين، لم يتكلم أحد عن تفاقم المشاكل المرتقبة بعد أزمة كورونا والركود التضخمي المحتمل.

بعد إقرار خطة «بريكست»، سعت فرنسا إلى استرجاع المكانة التي كانت تحتلها قبل الحرب العالمية الأولى باعتبارها مصرف أوروبا، مما يعني إعادة باريس إلى عمق قطاع المال الأوروبي، لكن لم يتحقق شيء من ذلك الحلم، بل تنذر جميع المعطيات اليوم بعودة فرنسا إلى الوضع الذي شهدته بعد الحرب العالمية الأولى، مما يعني أن يغرق البلد في الديون، ويصل إلى طريق مسدود في السياسة، ويؤجج أزمة ديون جديدة في منطقة اليورو، ففي الماضي قررت فرنسا تقليص دورها لمعالجة محنتها المالية، لا سيما بعد الإصلاحات الاشتراكية التي طبّقها الرئيس فرانسوا ميتران بين العامين 1981 و1983، ومن دون العودة إلى تلك المقاربة قد تنقل فرنسا هذه الأعباء إلى منطقة اليورو التي أصبحت مثقلة بالديون أكثر مما كانت عليه بين العامين 2012 و2013، ولا يمكن أن يصمد اليورو في هذه الحالة.

* جون كيغر

* جون كيغر - سبيكتاتور

back to top