دارين زكريا: القصيدة عاصية لكنني أحب مزاجها

أديبة سورية تعيش في ألمانيا وتؤمن بأن الغربة حين تألفك تَهبكَ الكثير

نشر في 21-04-2022
آخر تحديث 21-04-2022 | 00:03
فراشة سورية تطوف وتتنقل بين دول عدة، فقد وُلدت في ليبيا، وعاشت لفترة في الإمارات، قبل أن تستقر بها الحال في ألمانيا. ورغم الغربة وبُعد المكان، فإن أصداء كتاباتها الإبداعية المتنوعة بين الشعر والقصة تصل إلى قلب الوطن العربي.

وفي حوار أجرته معها "الجريدة" من القاهرة، قالت الأديبة السورية دارين زكريا، إن الغربة حين تألفك تهبك الكثير، لافتة إلى أن القصيدة عاصية، وكانت فيما مضى تحاول استمالتها، أما الآن فأدركت أنها غيمة تغسلها حين يطيبُ لها، أما "الإحساس" فهو كلمة السر في وصول إبداعها إلى جمهور قرائها... وفيما يلي نص الحوار:

* كيف كانت سنوات النشأة الأولى، التي بكل تأكيد تركت أصداءها على إبداعك لاحقاً؟

- مذ قررت الحياة أن تلدَني، آثرت أن تضعني في غير أرضي، وُلدتُ في غربة أبي في ليبيا، وعشتُ فيها سنواتي الأولى، لا أذكر منها شيئا إلا لونها الأسمر الذي طبعته على جلدي، لكن صوري أخبرتني بتعلقي بالقطط منذ الصغر، والذي استمر لحد الآن. أظن أنني ورثتُ عن صُحبتي معها تمردها، فكنت البنت الوسطى المتمردة والمعاندة معظم الأحيان.

لم يكن هذا سهلاً عليَّ، ولا على والدي المتسلط نوعاً ما (رحمه الله)، فحاول تقبل صفاتي، كونها امتدادا لجيناته الوراثية، والتي أفادتني بالتأكيد بميولها نحو الأدب، فقد كان والدي يقول الزجل في دائرته القليلة، ويردد أبياتا شعرية فيها الكثير من العمق للمتنبي، الذي كان مفتونا به أو أبي العتاهية والمعري، كما أن له حِكما ما زلتُ أحفظها ولا تزال تُقال حتى الآن في قريتنا، لا أعرف حقيقة من أين كان له كل ذلك، فبيتنا العتيق فقير بالكتب، لذلك كنت أستعيرها من مكتبات أعمامي الضخمة أو من بعض الأصدقاء في فترة مراهقتي، ولن أنسى أنني حفظتُ أول قصيدة في صِغري من فم أختي الكبرى ردينة، وكانت (يا أعدل الناس إلا في معاملتي/ فيك الخصامُ وأنت الخصمُ والحكم) للمتنبي.

* تُرجم العديد من قصائدك إلى لغات مختلفة، إلى أي مدى تخلق اللغة رافدا جديدا لانتشار الشاعر وتوغله بأفكاره ورؤاه في ثقافات مغايرة؟

- اللغة هي السبيل الأول للتعامل بين البشر عموما، ومن هنا لنا التيقُن: مدى تأثير كلمة الإنسان في نفسه، ثم في الآخرين، فما بالك إن كان كاتبا أو شاعرا، هنا عليه ربما الاهتمام بعمق معناها، ومدى تأثيرها فيه وفي الآخر، سواءً كان من محيط ثقافته، أو من ثقافة أخرى.

المؤكد أن الترجمة لها أثر كبير في نقل العلوم، على اختلاف أنواعها، ومنها الأدب وسط العالم، والكل يتأثر بالكل، إلا أن ما يحزنني هو مدى حرص العرب على ترجمة نتاج الغرب إلى اللغة العربية، أكثر من حرصهم على ترجمة الإنتاج العربي إلى اللغات الأخرى. أظن أنه علينا جميعا، وبالأخص المسؤولين بالإدارات الثقافية، الاهتمام بترجمة الأدب العربي إلى لغات مختلفة، ومحاولة نقله للثقافات الأخرى. بالتأكيد هناك فارق كبير بين أن تنقل كلمتك إلى عوالم مختلفة، وأن تنقلها إلى عالم واحد.

* تقولين في مطلع إحدى قصائدك بديوان "حيرة مطر": (عاندتني قصيدتي وقالت: لا تناديني يا دُر/ ساكنتُكِ أنا والرحم الذي ضمك كان لكلينا)، كما ورد في ديوانك "وسواس": (كلما شددتُ القصيدة من شعرِها/ ربطت لي لساني)... فمتى تستعصي عليك القصيدة؟

- القصيدة بطبعها عاصية، كنتُ فيما مضى أحاول استمالتها، أما الآن فأدركت أنها غيمة تغسلني حين يطيب لها، غدوتُ أتوافق معها وأحب مزاجها، رغم عطشي لغيثها.

* في ديوان "وسواس" أيضاً تقولين: (أنا مشعة/ آكل جمر الغربة فأضيء)، كيف تمكنت من هزيمة مشاعر الغربة المؤلمة منذ هجرتك إلى ألمانيا؟

- كما أسلفتُ كانت الغربة سريري الأول، وأظن أني طبتُ لها أو طابت لي، حيث إنني عشت فترة من حياتي أيضا في الإمارات. قد لا تعترف بكَ غربتك في البداية، لكنها حين تألفك تَهبكَ الكثير إن توافقتَ معها، حقيقة في بداية وجودي بمنطقتي الجميلة على الحدود السويسرية- الألمانية تملكني قلق المكان، إلا أن سكان هذه المنطقة رغم أنهم مزيج من دولتين، يهبونكَ السكينة وطيب المعشر. بالتأكيد لن تشعر بأنك وسط أهلك، إلا أنك تستمد منهم معنى الثبات بشكل أو بآخر، كما أن الطبيعة هنا أثرت في بشكل إيجابي، فنهر الراين من أمامي والغابة من ورائي... إن صح لي التحريف في مقولة طارق بن زياد. بالتأكيد عندي حنين دائم لسورية والأهل، إلا أن الإنسان لا يمكنه الحصول على كل شيء، وسأنهي بمقطع الومضة (لا بلادَ لنا، نحنُ الوطنُ والمنفى).

* أيهما يشغل بالك أكثر: اللغة أم تقنية الكتابة؟ أم ثمة عامل آخر؟

- أعتقد أنه إذا كنت حريصا على تميز إنتاجك، فعليك بالاهتمام باللغة وتقنية الكتابة، على حد سواء، إلا أنني أؤمن أكثر بتوصيل إحساس الكاتب إلى القارئ بالدرجة الأولى، تحريك مشاعره لربما أو مخاطبة، ولربما التكلم بلسانه أحيانا. إذا عجنتَ كلمتك بإحساسك، فسيصل لقارئك، وستؤثر فيه، وهذا هو الأهم.

* "مشهد لصحوة مؤجلة" نص سردي يخبرنا عن قاصة ماهرة، فلماذا يتفوق منجزك الشعري – كمَّاً - على إنتاجك القصصي؟

- سؤال جميل، وأسعدني رأيك في القصة، أشكرك عليه. كما تعلم الشعر هو والد الكتابة الأدبية، ومن حُسن حظي أنه زارني بداية. لأكن صريحة معك، لم أكن أنوي كتابة القصة، إلا أن مشهدا لدقيقتين لزوجين عجوزين رأيتهما صدفة في مدينة الشاف هاوزن دفعني خلسة لأكتب عنهما، فكانت أول قصة منمنمة نمت عن حالة الحب الشفيفة بينهما، ويبدو أنهما فتحا لباقي أشخاص القصص الأخرى ليدخلوا إلى عالم مجموعة "مجاز البيانو"، التي صدرت عام 2022 عن دار صفحات، وتتضمن المجموعة أربع عشرة قصة فيها شخصيات عربية وأجنبية أيضا، وهنا أدركتُ أن غربتي أسرت لي بالكثير عن أبنائها ووطني الذي تركني أو تركته حملني الكثير من وجعه، أما البحر فقد ودَّعني، إلا أنه بقي بداخلي.

* أخيراً، ما الذي تعكفين على كتابته الآن، وربما يخرج للنور قريبا؟

- هناك الكثير من الملفات المفتوحة، كوني لم أنتج من الكتابة منذ أواخر 2019 لحد اليوم غير المجموعة القصصية الأخيرة، ولا أعلم متى سنقرر أنا والملفات إنهاء ما بدأناه، كونه كان ولا يزال لدي التزامات كثيرة أخرى، إلا أنني أستطيع القول لربما حالياً إن ديوان الهايكو "عين الحرف الثالثة" عن دار "أبجد هوز للنشر والترجمة" سيعلن نفسه عمَّا قريب.

أحمد الجمَّال

يجب الاهتمام بترجمة الأدب العربي ونقله إلى الثقافات الأخرى

إذا عجنتَ كلمتك بإحساسك فسيصل إلى قارئك وستؤثر فيه
back to top