هل عنف الإسلاميين... من الاضطهاد والسجون؟

نشر في 20-02-2022
آخر تحديث 20-02-2022 | 00:06
 خليل علي حيدر هل استخدام العنف والقوة والقتل والقتال والانقلاب عنصر طارئ على سلوك الجماعات الإسلامية بسبب تجارب السجن والتعذيب كما تزعم، أم أن فكر هذه الجماعات وتراثها العقائدي وفهمها للدين يدعوها لذلك كله، فتغيير "الباطل" باليد أول الواجبات؟! لا تصدق القائل بأن هذه الحركات وجماعة الإخوان المسلمين أولها منذ عام 1928 بريئة في الأصل والمنطلق من إجازة استخدام القوة لتحقيق أهدافها وإخضاع معارضيها، ولا تصدق الزعم بأن ما يجبر هذه الجماعات بمختلف مذاهبها على العنف هو الاضطهاد السياسي والسجون، فلقد تصور الإخوان والإسلاميون الحركيون والرساليون منذ البداية أنهم يحملون "الإسلام الصحيح" في مجتمع فاسد منحرف خاضع لقوانين غير شرعية ولا بأس أن يفعل به "المسلم الملتزم" ما يشاء!

ولم يكن للإسلاميين فكر وسياسة واحدة، وكان منهم دعاة من كل لون، ولكن جماعة الإخوان المسلمين كانت أول من دعا جهاراً نهاراً بقلم مرشدها ونداء مؤسسها الداعية الشيخ حسن البنا إلى ما أسماه "إتقان صناعة الموت"، حيث أكد في بعض رسائله الدعوية المطبوعة والمنشورة أن استخدام القوة والعنف قد يكون من ضروريات تحقيق أهداف الدعوة وتحقيق النصر لحركة الجماعة، وبالتالي لعودة الإسلام وزوال الباطل وغير ذلك.

انفصل حسن البنا عن مدارس الشيخ رشيد رضا والشيخ محمد عبده وحركة الإصلاح وحتى عن السلفية والتصوف، فكان أول من خلط في الإسلام الحركي السياسي الحديث بعد عام 1928 بين العمل الدعوي وبين "القتال الجهادي" المعاصر! هذه ليست تهم بل حقائق معروفة مدعومة بما كتب المرشد في رسائله، بل بنى جماعة الإخوان والنظام الخاص وكتائب الجهاد من أجل تنفيذها.

صحيح أن الأمور تطورت والدعوة الإخوانية تنوعت وفرص الدعوة وظروفها تعددت ولم يعد استخدام العنف الخيار الضروري والوحيد في كل مكان ودولة ولكن لم يقل الإخوان شيئا واضحا حتى الآن في إدانة استخدام القوة والعنف والانقلابات العسكرية، وتركت الأمور هنا عائمة مسكوتا عنها، ينجح في اهتبال الفرصة من ينجح، فيزوره بعد فترة وفد من الإخوان "يبارك له ويشيد بتطبيق الشريعة"، مهما كانت طبيعة التطبيق أو تفشل المحاولة وتقع "كارثة دعوية"، فيقول الإخوان والتنظيم الدولي "لقد حذركم المرشد في رسائله من التعجل والارتجال"، وفي النجاح وتغيير "النظام الجاهلي" حكمة وفي سقوطه عبر، وقال المرشد في رسالة للمؤتمر الخامس: "لم يكلفكم الله نتائج الأعمال ولكن كلفكم صدق التوجه". وقال "إن التجارب في الماضي والحاضر قد أثبتت أنه لا خير إلا في طريقتكم ولا إنتاج إلا مع خطتكم، ولا صواب إلا فيما تعملون". ثم حذر المرشد العجولين من الإخوان من طلاب النصر السريع: "لا تغامروا بجهودكم ولا تغامروا بشعار نجاحكم واعملوا والله معكم".

(مجموعة رسائل البنا، دار الشهاب لبنان، ص161).

قام حسن البنا بتوظيف كل آيات وأحاديث وتفاسير الجهاد في الكتب الإسلامية لدعم حركته الدعوية، قائلا بصراحة في رسائله المعروفة: "أيها الإخوان إن الأمة التي تحسن صناعة الموت يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة". (رسالة الجهاد). وقال: "القوة شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته!". وقال إن "خطوات بناء الجماعة تسير لخدمة هذا الهدف"، فأوضح أن بناء حركة الإخوان ينسجم مع هذه الغاية ويخدم هذا الهدف وذلك بعسكرة بناء التنظيم، وقال: "بدأنا بالدعوة فوجهناها إلى الأمة في دروس متتالية وفي رحلات متلاحقة وفي مطبوعات كثيرة وفي حفلات عامة وخاصة".

وكان البنا أكثر صراحة في تبيان الخطوة الثانية مبيناً: "خطونا الخطوة الثانية في صور ثلاث، الكتائب ويراد بها تقوية الصف بالتعارف، الفرق الكشفية والجوالة والألعاب الرياضية، ويراد بها تقوية الصف بتنمية جسوم الإخوان وتعويدهم الطاعة والنظام وإعدادهم للجندية، ودرس التعاليم في الكتائب أو في أندية الإخوان المسلمين". وأكمل في حديثه في المؤتمر الخامس مؤكداً أن "الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ومصحف وسيف". (الرسائل ص160).

هذه مقدمات لإعداد جماعة إسلامية دعوية تقول إن جوهر دعوتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالكلمة الطيبة والإقناع وأن لا إكراه في الدين.

لم يكن "الأخ المسلم" ينتظر الاضطهاد والسجن كي يحقد أو يمزج العنف بالعمل السياسي والدعوة، بل يرى العنف وفرض الرأي على الآخرين وإجبارهم على ما يرى ويحب، بديهيا وواجبا شرعيا ومن مستلزمات دعوته ونجاح حركته.

أما عن ظروف استخدام القوة الاضطرارية فقد هدد البنا خصومه "إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة". أي أن فرص نجاح الجماعة ومصلحتها لهما الأولوية، لا استقرار المجتمع ولا نبذ العنف في الاختلاف ولا الخوف من نتائج الإرهاب... إلخ.

فالمرشد لم يكن يجد "مانعا مبدئيا" في استخدام القوة مع الآخر في العمل السياسي ومفاجأة الأطراف الأخرى بالأمر الواقع والحقائق السياسية، ويشترط المرشد لاستخدام القوة "استكمال عدة الإيمان" ولا ندري بالطبع ولا يعرف الإخوان أنفسهم من يحدد نقطة جواز استخدامها، ولنا أن نسأل: "لماذا أجاز البنا للمسلم حق استخدام القوة ضمن حزبه وحركته ضد من هو خارجها؟ ولنا، وهذا لا يقل أهمية، أن نذكر أن المرشد "البنا" عندما هدد باستخدام القوة والعنف للوصول إلى السلطة ولإزالة الموانع لم يكن قد عانى من السجون والاضطهاد والتعذيب والحرمان، ربما ما عدا اعتقال الإنكليز له مؤقتا مدة شهر عام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية، بعكس "ما لاقاه" سيد قطب وآخرون لاحقاً! كما لم يكتب المرشد "رسالة المؤتمر الخامس" من داخل السجن وتحت التعذيب بل استعرض "البنا" في هذه الرسالة في يناير 1939 نشاط الإخوان في عشر سنين، وأُلقي التقرير في اجتماعهم، وحتى عندما حظرت الحكومة المصرية الجماعة عام 1946 بعد سنوات حاصرت الشرطة "المركز العام" للجماعة واعتقلت كل الأعضاء الموجودين فيه ما عدا حسن البنا!

قد يقول قائل: ألا تدعو الشريعة الإسلامية نفسها وبعض الأحاديث النبوية إلى "تغيير الباطل باليد" قبل اللسان والقلب؟ فلا غبار إذاً ولا نقد على استخدام جماعة الإخوان زمن المرشد وحتى الإسلاميين بالأمس واليوم العنف والسيف والسلاح "لنصرة الحق وإزهاق الباطل" تمهيداً لإقامة النظام الإسلامي؟

ولكن هل يجوز لجماعة كالإخوان لها رأيها وفهمها للشريعة أو أية "جماعة إسلامية" أخرى اعتبار نفسها "الدعوة الإسلامية" و"جماعة المسلمين"؟! وهل السيف والغزو الذي أجيز استخدامه في بداية الدعوة الإسلامية يجوز اللجوء إليه في هذا العصر، سواء عام 1928 أو 2022 في المجتمعات الحالية؟! جاء تأثر "البنا" بفوائد وضرورة استخدام العنف السياسي من مصدرين آخرين، لا علاقة لهما كذلك بسجن البنا أو اضطهاده أو تعذيبه. فعصر البنا، أي النصف الأول من القرن العشرين، كان عصر الأحزاب الراديكالية والتيارات الشمولية والأنظمة الدكتاتورية كالفاشية والنازية والتحركات القومية والوطنية العنيفة، ثم إن جمال الدين الأفغاني نفسه، الذي حرك أجواء مصر السياسية بقوة كان في مقدمة من مهد لاغتيال شاه إيران القاجاري "ناصر الدين شاه" (1848-1896).

يقول المؤرخ المعروف "أحمد أمين" عن اغتيال ملك إيران" ناصر الدين شاه"، إنه كانت بينه وبين الداعية جمال الدين الأفغاني خصومة، وكان القاتل أحد تلاميذ "جمال الدين"، وممن كانوا يزورونه في "الآستانة"، ويضيف المؤرخ "رُوي أنه عندما طعن القاتل طعنته، قال: خُذها من يد جمال الدين". وروي عن جمال الدين أنه لما بلغه ذلك قال كلمات تدل على الإعجاب بالقاتل، ويورد المؤرخ أن "ذلك كله أرعب السلطان عبدالحميد، وخاف منه على حياته فضيق عليه في مقابلاته ومنع زيارته إلا بإذن، فغضب جمال الدين وعزم على الرحيل من الآستانة، ولكن السلطان كان يخاف منه في الخارج أكثر مما يخافه في الداخل، وهو تحت سمعه وبصره، فاسترضاه ورجاه في البقاء، ثم حُلّت المشكلة بمرض أبي الأفغاني بالسرطان في فمه ثم وفاته، وشاعت الإشاعات المختلفة حول موته من إهمال مقصود في معالجته والاتفاق مع طبيب السلطان للتخلص منه ".

(زعماء الإصلاح في العصر الحديث، القاهرة 1948، ص104-105)

يضاف إلى هذا كله أن بيئة الحركات الدينية كثيرا ما تكون مشبعة بالاندفاع السياسي والدعوي الذي يجيز في جو المزايدة استخدام العنف بأشكاله وبخاصة إن حولت هذه الحركة فكرها الديني الى عقيدة شمولية مؤدلجة ينظر أعضاؤها من خلالها إلى كل ما حولهم وإلى فكرهم، كما هي الحال في جماعات الإسلام السياسي وأحزابه، حيث كان الإخوان يفتخرون ولا يزالون بأن ما يميز نظرتهم وفهمهم للإسلام أنها شاملة ونقية وخالصة وغير ذلك من صفات الكمال.

ختاما نقول إن الإسلام السياسي اتجه إلى العنف لدوافع فكرية وعقائدية تجيز له ذلك ضمن فهمها وحماسها واندفاعها وغيبوبتها الفكرية عن العصر، والأشكال القديمة للحركات الدينية حتى غير الإسلامية عرفت العنف والتطرف نفسهما في شمال إفريقيا ومصر والسودان والجزيرة العربية وإيران ومناطق أخرى. صحيح أن صدام الإسلام السياسي في العالم العربي تعددت تجاربه بسبب تعدد الأنظمة وتنوع التجارب والأحزاب ولكن للبحث عن مصدر عنف الإسلاميين ينبغي النظر في تراثهم الفكري ودراسة الحركات من الداخل وعدم الاكتفاء باتهام الأنظمة.

خليل علي حيدر

back to top