افتتاحية: هيبة المؤسسات من هيبة الدولة

نشر في 15-02-2022
آخر تحديث 15-02-2022 | 00:10
No Image Caption
ما أقبحه من نهج هرب إليه كثير من الوزراء بتحويل قيادييهم إلى النيابة أو تشكيل لجان تحقيق لا نهائية على كل صغيرة وكبيرة في مؤسساتهم، خوفاً من طوفان الاتهامات، التي لا تنتهي، بالفساد والتستر عليه، تطلقها أبواق نيابية لا يهمها إلا تشويه سمعة أولئك القياديين، وإخضاع الوزراء لهيمنتها، وتسيير أمور المؤسسات لا كما يريد القانون والدستور، بل كما تسير رياح أهوائها.

أيها الوزراء... نعلم جيداً ما عليكم من ضغوط، ورغبتكم في إبراء ساحتكم أمام الجميع، وفي مقدمتهم المتربصون بكم ومن يحوكون لكم سيناريوهات الفشل، لكن بدعة الجبن البغيضة التي بتم تتذرعون بها كلما علا صوت في جنبات مجلس الأمة أو حوله، بتحويل أي قيادي لا يروق لبعض النواب أو لم يسرع لتلبية رغباتهم، إلى النيابة، والتباهي بتشكيل لجان تحقيق كلما ثارت شائعة واهية، ليست إلا لمصلحة المبتزين الراغبين في إخضاعكم لسيطرتهم، فلن ينفعكم نائب تخافونه وتخطبون وده، على حساب سمعة مؤسساتكم وكرامة قيادييكم، وتسيير مصلحة البلاد والعباد.

السادة الوزراء...

اعلموا جيدا أن الخنوع التام لبعض النواب والتضحية بمنهجية العمل في المؤسسات والتوجس المبالغ فيه وإقحام النيابة ولجان التحقيق في صميم أعمال الوزارات ليست أسساً لتجنب الفساد، بل تمثل ترسيخاً لقواعد فساد من نوع آخر، قوامه تعطيل الأعمال وتضييع الوقت والجهد والمال.

من قال إن إرهاب الموظف وإشعاره بأنه ليس أهلاً للثقة وأنه قد تتم التضحية به في أي لحظة ولو من دون ذنب أو بخطأ غير مقصود، نهج له علاقة بتطبيق القانون من قريب أو بعيد؟! من قال إن الحط من كرامة الموظف يثبت أن المؤسسات بخير وأن الرقابة تؤتي ثمارها؟! إذ ليس لخائف أن يبدع أو يبتكر، ليس لموظف خائف أن يفكر في مصلحة مؤسسته، بل يكون كل همه أن يكدس المستندات التي تبرئ ساحته حينما توجه إليه سهام الاتهامات، وللأسف فالبارعون في ذلك هم أكثر الناس فساداً.

الإخوة الوزراء...

لا تجاملوا المبتزين على حساب سمعة أجهزتكم ومؤسساتكم، وليكن الفيصل بينكم وبين منتقديكم القانون والدستور، على أن تحفظوا لمؤسساتكم استقلاليتها وهيبتها، ولموظفيكم كراماتهم، لترسخوا فيهم الثقة لمواجهة الفساد حتى يعملوا بلا خوف وينجزوا بلا تردد، مطمئنين أن وراءهم من يدافع عنهم ماداموا يفعلون الصواب لأنه الصواب، لا من أجل نائب ذي مصلحة أو متربص ذي هوى.

صحيح ليس لعاقل أن يعترض على تطبيق القانون، ولا لمنصف أن يجزع من مبدأ المحاسبة، لكن أيضاً ليس لهذا العاقل أو المنصف أن يرحب أو يرضى عما يراه بعينيه كل يوم من تعطل الأعمال ووقف المصالح وتأخير المعاملات والتراجع أشواطاً بعيدة إلى الخلف بذريعة المراقبة التي تحولت إلى سيف مصلت على رقبة كل من يريد إنجازات لا ترضي بعض النواب أو يسير بطريقة لا تعجبهم أو لا ينتفض ليلبي أحلامهم، حتى تحولت مؤسساتنا الحكومية إلى مؤسسات معطلة يعمل قياديوها بدءاً من الوزير إلى أصغر موظف في بيئة محبطة موبوءة باتهامات الفساد والتنفيع وكأن كل الموظفين بلا ضمير.

فليكن تطبيق القانون شعارنا بشرط أن يتم ذلك بطريقة مؤسسية متزنة في مناخ يحفظ للموظف أو القيادي كرامته وإنسانيته وللمؤسسات سمعتها وهيبتها التي هي بالطبع جزء من هيبة القانون والدستور وهيبة الدولة في المقام الأول.

back to top