فوضى بلـد

نشر في 25-01-2022
آخر تحديث 25-01-2022 | 00:09
 حـنان بدر الرومي قالت، والحسرة والألم واضحان في نبرات صوتها: ما الذي حدث في الديرة؟ أين ذهبت أخلاقنا؟ لماذا أصبحنا هكذا؟

استشعرت حزنها الدفين على الوضع الذي تعيشه ديرتنا الحبيبة، فلقد عاصرت الكويت داخل السور وبدايات النهضة، واحتفلت بفرح مع كل بدايات جميلة للحداثة والتطور، وتعاملت كمدرسة وناظرة وإنسانة وأم مع أغلب التغيرات في المجتمع، ولكنها الآن تعتصر حزناً على ما يحدث، فكان ردي لها: إن وضعنا الحالي شبيه بمن يفتح باب بيته على مصراعيه، ويقول للناس تفضلوا وأهلا وسهلا بالجميع، وبكل حب يدعو الجميع أيا ما كانوا، ويترك لهم أن يشاركوه منزله وحياته بحب وترحاب ورحمة، ويتغافل عن تجاوزاتهم، ويوسع لهم المكان، ويعذرهم عند الخطأ، ويقدم لهم كل الأطايب، ويصرف عليهم ولا يطالبهم بمشاركته بالمصروفات أو بسداد تكلفة إقامتهم، مع الوقت سيكونون هم أهل البيت شاء أم أبى، وسيحاسبونه على أي أمر يجدونه تقصيراً من قبله.

إنه واقع مرير لوطن كان رائعاً وللأسف الشديد، كويت الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وما تبعها، فتحت أبوابها للجميع فاختلط الحابل بالنابل الشريف، وطالب الرزق والحاقد والسارق والهارب من موطنه ومدعي التدين والنذل وغيرهم من الأصناف البشرية، احتوت الكويت الجميع، وفتحت لهم أبواب العمل والاستقرار، لا ننكر مساهمات البعض في بناء الدولة الحديثة، ولكن هناك من كان معول هدم واستغلال.

في السبعينيات تم تجنيس جماعات لأسباب سياسية، وبعد الغزو الغاشم تم بيع الجنسية الكويتية في دول متعددة، وظهرت لنا طبقة جديدة من المزورين، ومع تعاظم شعورهم بالأمان تزايدت أعدادهم، استغلوا الطيبة الأصيلة في أهل الكويت وحبهم للحياة الهادئة البعيدة عن المشاكل، فتغلغلوا بكل أنواعهم وفئاتهم في مفاصل الدولة، وأصبح لهم نفوذ وسلطة في غفلة من الزمان، وعلا صوتهم حتى النباح، وتزايدت مطالبهم واتهاماتهم للحكومة، وأهل الكويت والرغبة باستنزافها.

لم يتوقع أجدادنا حال الكويت اليوم، ولم يخطر ببالهم أنه سيأتي يوم يكون لوسائل التواصل الاجتماعي قوة محركة، قد تغير قرارا حكوميا أو تفرض مكاسب لها، فوضى سياسية لعبت بأمور الدولة مع وجود وزراء يخافون على كراسيهم أكثر من خوفهم على مستقبل البلد، وشخصيات تركز على مصالحها ومكاسبها فقط، أصبح الوضع في الديرة مريضاً جداً، صحيح أن السياسة لها ألاعيبها ولكنها في الكويت أصبحت فوضى عارمة تتحكم فيها الأهواء والميول الذاتية والأغراض الشخصية، وفرضت نفسها في كل أمر داخل البلد وخارجه وبصورة مخربة، فالصوت العالي ليس لحماية مصالح المواطنين، بل لحماية وتحقيق مصالح فئة معينة فقط، وحقوق البدون أهم من حقوق المواطنين، وتعيين الوافدين أهم من معالجة مشكلة البطالة للشباب ومصيبة تزايد أعداد الوافدين، وتجنيس غير الكويتيات ومساواتهن بالكويتيات أهم من معالجة المشاكل الاجتماعية والوظيفية والسكنية وغيرها من المشاكل التي تعيشها بنات البلد، نجاحات أبناء الوطن وحصولهم على مراكز متقدمة في مسابقات إقليمية وعالمية لا تلقى اهتماماً إعلامياً في مقابل تضخيم أي موضوع للفئات الأخرى، حكومات تشكل بدون برامج حكومية مخطط لها وغير ذلك للأسف.

أصبحت حياتنا سياسة بسياسة، نصبح ونمسي على مواضيع سياسية، نتنفس سياسة ونعيش في جو سياسي بحت، حتى الطفل الصغير بدأ يناقش أموراً سياسية بأسلوبه الطفولي لكثرة ما يسمع من حوله، تعبنا ولم نصل للأمان المنشود، نجح المؤزمون السياسيون في تأزيم حياة المواطن العادي وزرعوا التشاؤم في نفوس الشباب، وأوقفوا التنمية في مقابل تحقيق مكاسبهم ومن والاهم، وساهموا بأساليبهم في تلاشي الكثير من القيم الأخلاقية والنبل الكويتي المميز. سكنت الفوضى في جنبات البلد، وكل مصلح متهم بالعنصرية ومحارب بقسوة مع العبث بالقوانين بدلاً من تنفيذها، فإلى متى سيستمر هذا المنوال؟ نحن الآن لا نعيش زمن الستينيات الفاخر نحن نعيش زمنا غادرا منحطا لا يمكن تجاهله.

● حـنان بدر الرومي

back to top