وجهة نظر: الخصخصة ليست عصا سحرية

نشر في 24-01-2022
آخر تحديث 24-01-2022 | 00:27
 د. طارق عبد المحسن الدويسان لا يختلف اثنان على أن القطاع الخاص هو الأقدر على دفع الاقتصاد من الحكومة، وأن أداء المؤسسات الخاصة، بشكل عام، أفضل من المؤسسات الحكومية لأسباب موضوعية عدة، لعل أبرزها هو تقديم عامل الربحية على سواه. فالربحية تعني الترشيق والاستغلال الأمثل، فلا عمالة فائضة عن الحاجة ولا موارد مهدرة، وتعني كذلك المُحاسبة والمُساءلة، فلا موظف مُقصر أو مُدير عديم الكفاءة، كما تضع إرضاء الزبون على رأس أولوياتها، ولذلك نرى الحرص على جودة السلعة والخدمة المُقدمة للزبون، الذي إن استاء أو غضب انعكس ذلك على إيرادات المؤسسة ورُبما بقائها.

هذا في المبدأ، لكن عندما نأتي للواقع، فهل يفترض الاندفاع إلى الخصخصة وتسليم الاقتصاد للمؤسسات الخاصة؟ الحقيقة أن هناك عدة مُعطيات تجعلنا حذرين، بل حتى متوجسين، من تطبيق الخصخصة في الكويت. فالقطاع الخاص في الكويت ذو طبيعة خاصة ولا يعمل وفق القواعد المعروفة التي تحكم القطاعات الخاصة في العالم المُتقدم. أولى هذه القواعد هي الانتقائية، فالقوى المُسيطرة على القطاع الخاص عبر عشرات السنين لم تأتِ عن طريق عملية انتقائية عادلة تفرز الأفضل، بل أتت من خلال عوامل وظروف تاريخية أو سياسية لا تمت للجدارة والمهنية بصلة، مما جعلها تحظى بمُعاملة تفضيلية وحظوة غير مستحقة عند الزبون والمُسيطر الأكبر ــــ الحكومة.

القاعدة الثانية هي الاستدامة الذاتية، والتي تعني أن المؤسسة الخاصة قادرة على الاستمرار من غير الاعتماد على التسهيلات والامتيازات والدعم المقدم من الحكومة. ولهذا الخلل جانبان، الأول يتعلق بالتكلفة، حيث تدعم الحكومة المؤسسة الخاصة بأسعار بخسة للطاقة وإيجار الأراضي والعقارات المملوكة لها، مما يُخفض تكلفة الإنتاج وبالتالي يُحقق تنافسية مُصطنعة، لا تلبث أن تنهار إذا سُحبت هذه الميزات.

وهنا يجب ألا نخلط بين الدعم المُستحق وغير المستحق، فالدعم المُستحق هو دعم موجّه لمؤسسات مُعينة تُحقق أهداف الحكومة الاستراتيجية المُتمثلة في تنمية الاقتصاد وتنويعه وخلق فرص عمل جيدة للعمالة الوطنية، وبالتالي هذا الدعم مشروط بتحقيق تلك الأهداف. كما يجب ألا يكون الدعم مفتوح الأجل، لأن ذلك مُنافٍ لفكرة أساسية يعتمد عليها مفهوم الخصخصة وهي اعتماد المؤسسة على مواردها الذاتية في البقاء والمنافسة. ولذلك، يجب أن يكون لكل دعم حكومي أجل زمني مُحدد وشروط خاصة لاستمرار الدعم أو توقفه.

أما الجانب الثاني من مُعادلة الاستدامة الذاتية فهو الإيرادات، فمن موجبات مفهوم الخصخصة أن تعتمد المؤسسة على نفسها في ترويج سلعها وخدماتها. وهُنا نجد أن الكثير من مؤسساتنا الخاصة لا تعطي بالاً للجودة، فالإيراد المطلوب سيتحقق بفعل الدعم الذي توفره الدولة لها، إما بشكل علني أو مستتر! وخير مثال على الشكل العلني هو الجامعات الخاصة، التي تعتمد في إيراداتها على البعثات الداخلية بالدرجة الأولى، وهي مُحصنة عن المُساءلة بحكم الانتقائية التي تناولناها أعلاه، لذلك نجدها تُحقق أرباحاً خيالية رغم تدني مستواها بالمعايير الدولية. أما الشكل المُستتر، فنجده في عملية توزيع المشاريع الكبرى على شركات المقاولات، ومع غياب المُساءلة، يُصبح المواطن وأحياناً السياسي النزيه هو الضحية، كما حدث مع الوزيرة جنان بوشهري التي استقالت عندما اكتشفت أن الشركات هي الأقوى.

نكتفي بعرض هذين الاختلالين - الانتقائية والاستدامة الذاتية - فهُناك مظاهر سلبية كثيرة تنتج عنهما، أبرزها ضعف البُنية الإدارية للمؤسسة، وطغيان الفكر التجاري على المهني، وكلاسيكية العمليات والإجراءات واعتمادها على عمالة فنية غير ماهرة. وباعتقادنا أن الذهاب للخصخصة من غير حل جذري لهذين الاختلالين من شأنه أن يجلب تعقيدات اجتماعية وسياسية كبيرة.

د. طارق عبد المحسن الدويسان

back to top