6/6 : العلة الباطنية والفخ والعصفور!

نشر في 20-01-2022
آخر تحديث 20-01-2022 | 00:20
 يوسف الجاسم في عنوان مقاله المتميز كالعادة في "الجريدة" تساءل أخي الأستاذ الدكتور غانم النجار الاثنين الماضي 2022/1/17 "ما جدوى حل المجلس؟ العلة باطنية"، وهو تساؤل مستحق من كاتب كبير ومحلل سياسي محترف.

يندرج تحت ذلك العنوان العديد من التفسيرات والاستنتاجات، المستمدة من تجارب الكويت التاريخية بالتعامل مع الحياة الديموقراطية ومخرجاتها، المتمثلة بالبرلمانات المتعاقبة (18 واقعاً و16 فعلياً)، ولم يكمل عمره منها إلا 8 فقط.

أستأذن الدكتور غانم بالبناء على مقالته من زاوية أنه لم يُجدِ المزيد من حل المجالس إلا المزيد من إفراز مجالس أخرى أشد ضراوة وشراسة في التعامل مع الحكومات المتعاقبة، أو مجالس أكثر سوءاً وهزالاً من المجالس السابقة، وغدا الدوران في الحلقات الجهنمية المفرغة أمراً مرهقاً للناس الذين يحصدون آثاره السلبية، وهم المغلوبون على أمرهم.

تجارب حل المجالس راكمت قوالب نيابية سيئة مثل (النواب المناديب، ونواب التشريعات الشعبوية منزوعة الوعي، ونواب الارتماء بأحضان الحكومة وتجفيف ضرعها بالمصالح المتبادلة، ونواب التنفيع الفئوي بتسهيل من الحكومات المتعاقبة، وشر القوالب كان النواب القبيضة الذين التهموا أموال السحت من مصادر مختلفة دون وازع من ضمير أو رادع من أخلاق).

أوضاع التنمية المرتبكة بالبلاد هي نتاج لتلك العلل الباطنية المتواترة في التركيبات البرلمانية، حيث تراجعت بفضلهم وفضل تقاعس الحكومات برامج الإصلاح الاقتصادي والتعليمي والصحي والاجتماعي، فضلاً عن تحقيق أنماط نتنة من الفساد المالي والإداري، الذي ما بَرِح يداهم المجتمع كل يوم بفضائح متجددة شملت أكبر الرؤوس وأسمنها، مستغلة بُعدها عن دوائر الظنون والشكوك، وتجرّع الشعب جراءها أعلى درجات المرارة، مردداً مقولة سعد زغلول الشهيرة "مافيش فايدة يا سنية... غطيني"!

ترافق مع تلك الأوضاع النيابية والحكومية المتهالكة، فقدان قاعة عبدالله السالم لهيبتها وجلالها المفترضين، كونها محراباً للديموقراطية، مما أنعش مطالبات الزهد بالديموقراطية، فضلاً عن فقدان مؤسسة البرلمان لمكانتها كقدوة مجتمعية صدَّرت للناشئة أقذع النماذج، حيث تقمصت القوائم الطلابية في الجامعات والمعاهد والمدارس الأساليب المتوحشة في ممارسة الاختلاف بالرأي التي مارسها ولا يزال يمارسها بعض النواب متوجة بالضرب بالعقل والأحذية والنعال (مكرم القارئ)، بل انتقل ذلك الداء السلوكي إلى الشوارع، ليحولها إلى ساحات اقتتال وجرائم استخدمت فيها جميع صنوف العنف، بل وسفك الدماء.

في الضفة الأخرى أظهرت حكوماتنا قدراً كبيراً من عدم الإنجاز، لأسباب تعود إلى نمطية تركيباتها القائمة على المحاصصة الفئوية، لا الكفاءة وقِصر عُمر كل منها، حيث تُولد اليوم لتموت بعد ثمانية أشهر بالاستقالة، مسجلة أقصر أعمار الحكومات في العالم وأقلها استقراراً، ثم تعود بنفس منهجية التشكيل، مع تغيير بالأسماء يقطع الطريق على الوزير المغادر حتى بالتعرف على جهاز سكرتاريته، فضلاً عن تنفيذ استراتيجية وزارته إن وجدت! وليصبح "لكل فريج بالكويت وزير"، والأحوال تبقى على طمام المرحوم!

القول إن الحل بالحل، هو استنتاج آمل ألا يتحقق، لأن من سيدفع ثمنه هو الشعب البريء منفرداً، ويكسب منه أعداء الديموقراطية والمرتدون عنها والمنتفعون من غيابها، وكما قال الدكتور غانم النجار:

"علتنا باطنية"، وهو ما يتوجب علاجها أولاً.

***

تغريدة:

‏الدكتور أحمد الخطيب، أحد كُتاب الدستور، قال:

لم أستجوب وزيراً طوال حياتي النيابية، لأنني لا أميل لتجريح من أستجوبه.

‏استجواب 18/1/2022سار عكس رؤية الحكيم الخطيب، وانتهى مع الأسف بطلب جاهز لطرح الثقة بوزير من صنف الشيخ حمد الجابر تم استجوابه بعد ساعتين فقط من قسمه وأبدع بردوده، ولكن "اللي بالفخ أكبر من العصفور!".

● يوسف الجاسم

back to top