ردة ديموقراطية ووأد الحريات

نشر في 19-01-2022
آخر تحديث 19-01-2022 | 00:20
 محمد المقاطع منذ عقد ونصف العقد من الزمان تعاظمت نماذج تفرد السُّلطة بالقرار وإدارة البلاد، وفي وأد الحريات وملاحقتها، وفي ممارسات تفسد العملية الديموقراطية برمتها، بدءاً من إفساد مجلس الأمة وتكوينه عبر نظام انتخابي معاق (نظام الصوت الواحد)، وفي تجاوز الدستور والقانون بتشجيع أو السكوت عن ظواهر العبث بالنظام الانتخابي، بداية من التهاون مع نقل الأصوات وتكدسها بعناوين مفضوحة وتمثل فضيحة سياسية، مروراً بتشجيع الانتخابات الفرعية وتسهيل إجراءاتها، رغم أنها محرَّمة قانوناً، تعريجاً على ظاهرة المال السياسي الذي يأتي من مصادر مختلفة ربما أحدها السُّلطة ذاتها، وما يتولد عنها من ظواهر شراء الأصوات، انعطافاً نحو تسخير مرافق الدولة وخدماتها لحفنة من النواب الفاسدين الذين يستغلونها أبشع استغلال في التأثير على إرادة الناخبين وقرارهم الانتخابي، وختامها دعم وتشجيع ظواهر تفتيت المجتمع فئوياً قبلياً أو طائفياً أو مناطقياً، تكاملاً مع نظام الصوت الواحد (المعاق) والمشوه لديموقراطيتنا الرائدة. وحينما بادرت الحكومة بتقديم مشروع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لإصلاح العملية الانتخابية، سحبته بعد عدة أشهر، وكأن لسان حالها يقول: آسفون لا نرغب بالإصلاح.

ولا شك في أن السُّلطة هي اللاعب الرئيسي على الساحة، تتحكم بها وتوجهها، إما بفرض نظام أو قانون قسري للتحكم بالمجريات السياسية والانتخابية، أو بالتضييق على الحريات وملاحقتها، وهو ما شهدناه بتعطيل صحف وسحب تراخيصها، وكذلك محطات تلفزيونية، وفي سحب الجناسي أو التهديد بسحبها، أو في تقديم البلاغات والشكاوى وملاحقة السياسيين والمغردين، حتى صدرت أسوأ الأحكام التي تم تصنيفها بأنها سياسية، وترتب عليها وجود سجناء رأي وسياسيين ومهجرين بصورة لم تعهدها الكويت، بل شاذة وغريبة عنها، لإهدارها الضمانات الدستورية، ووأدها للحريات العامة.

وأمام تلك الحقائق الساطعة نجد أن السُّلطة هي مصدر الإفساد ورعايته، وتسخر لذلك كل إمكانياتها وطاقتها، بشكل يثير العجب والاستغراب والذهول.

ونقول للسُّلطة بصراحة المحبين ومباشرة الناقدين وبكل أمانة وصدق يقتضيه واجبنا في عدم السكوت عن المسار المعوج لسياساتها، والتي لا ترمي إلى تحقيق الإصلاح وانتشال البلد من مستنقع الفساد: أنتم من يشجع الفساد ويقف أمام عجلة الإصلاح، ولا ينفع في مضمار المصارحة والمكاشفة قبول تسويق غير ذلك، أو الخطب الرنانة دون واقع يجسدها، فأنتم تشاهدون الفساد وأمام أنظاركم وقرع مسامعكم، ومع ذلك تفسحون له المجال، وتوفرون له البيئة، وتعاضدون رموزه، وتساهمون بصنع أدواته!

ومن المؤسف أن تعتمدوا على بطانة معظمها لا يهمها مصلحة البلد، بل مصلحتها الخاصة وتحقيق المكاسب الذاتية، وهم بمسلكهم التاريخي كانوا دائماً متقلبين وأدوات، يستخدمون لغة الابتزاز معكم، أو هم صنيعتكم، وأنتم توظفونهم للتوقيت الذي أعددتموهم من أجله.

فلم يعد مسلككم مقبولاً، ولا مساركم في إدارة البلد سليماً وصالحاً، بل هو المحفز للفساد والمقوي لأركانه، وهو سر إخفاق الإدارة العامة بالبلد وتخلفها وإتيانها على الأخضر واليابس من مقومات إصلاح البلد، بدلاً من تعديل اعوجاجه، فقد تلاشت لدينا الإدارة الحكومية الرشيدة والحصيفة، بسبب دعمكم وتشجيعكم أسلوب تكوين حكومات فاشلة بالنهج والرؤية والأداء، والتسامح مع إخفاقاتها المخيفة والمدمرة للبلد وثرواته ومقوماته ونظامه السياسي والديموقراطي.

لقد أقحمتم البلد في مرحلة الردة الديموقراطية، والتي من مظاهرها ومحركاتها برلمان مسلوب الإرادة اليوم، ومجلس وزراء عبارة عن موظفين لا صانعي سياسة عامة كما هو مقرر في الدستور.

وصار وأد الحريات إلى جوار ذلك غاية استراتيجية إفراغاً للدستور، وإهداراً لنصوصه وضماناته، بل تم استخدام كل الأجهزة التشريعية والتنفيذية والعدلية في تحقيق ذلك.

● أ. د. محمد المقاطع

back to top