في الصميم: من أغرق الكويت هو الفساد لا المطر

نشر في 06-01-2022
آخر تحديث 06-01-2022 | 00:08
 طلال عبد الكريم العرب من أغرق الكويت هو الفساد المستشري، وليس المطر، فما هطل علينا هو مطر خير وبركة، روى الأرض العطشى، وخلّص الهواء من الغبار والعوالق، وأضفى بهجة على النفوس، فليس المطر ولا غزارته من نغّص علينا متعتنا، بل هو الفساد الذي كشف المطر عن بعض يسير منه بعد أن غطت غمامته أرجاء الكويت.

كل دول العالم، المتقدمة منها والمتخلفة، لا بد أن تتفاجأ بأمطار غزيرة لم تحسب حسابها، فتغرق فيها الشوارع وتغلق الأنفاق، إنه أمر يحدث في أوروبا وأميركا واليابان، ولكن تلك الأمطار لا تتسبب باهتراء شوارعها، ولا بتطاير حصاها ليحطم زجاج خلق الله، ولا تتقشر فرشتها الإسفلتية لتكشف عن سوءات من صممها ونفذها وأشرف عليها.

الكويت تغرق بسبب أخطاء تصميمية وإنشائية وتنفيذية مكررة، الكويت تغرق بسبب فساد يحميه حيتان وبعض النواب، أما تصايح بعضهم ولطم خدودهم على فشل البنية التحية في استيعاب مياه الأمطار فلن نُخدع به، وأما فزعتهم وتهديداتهم باستجوابات سمجة فلن تنطلي على أحد منا، ولن تعفيهم من مسؤوليتهم الوطنية والأخلاقية، ومن يريد معرفة حقيقة بعضهم فما عليه إلا أن يراجع استجواب الوزيرة السابقة جنان بوشهري.

استجواب الوزيرة السابقة جنان بوشهري، يعتبر أوضح مثال على سيطرة حيتان خارج المجلس على بعض من في داخله، كان حرفياً استجواب مقاولين لوزيرة حاولت معاقبة الفاسدين منهم، وإنهاء عقودهم مع حكومة الكويت الموقرة، كان استجوابا كشف حقيقة مأساوية لهيمنة حيتان على بعض قرارات المجلس، وعلى أي توجه لأي إصلاح ينقذ البلد منهم ومن فسادهم، وصدقت جنان حين قالت: في قاعة عبدالله السالم الشركات أقوى من الإصلاح، والمصالح الشخصية والمصالح الانتخابية أقوى من الإصلاح وأقوى من مصلحة الوطن، وحين قالت: إن هذه ليست صالة نواب الأمة، بل هي تجمع مؤسسات وشركات وأصحاب نفوذ.

ما يؤكد تغلغل الفساد أن هناك لجنة شكّلت بناء على طلب عدد من النواب للبحث في أسباب "الغرقات" السابقة، تلك اللجنة خرجت بتقرير ألقى بالمسؤولية على شركات ومكاتب هندسية بعينها كانت هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن التصميم والتنفيذ، ونتيجة لذلك التقرير قررت الحكومة الرشيدة، في وقتها، معاقبة تلك الشركات وحرمانها من المناقصات المستقبلية، إلا أن هذا الإجراء المستحق لم يأخذ طريقه الى النور، فقد "نُقعت أوراقه وشُرِبَ ماؤها"، فلم يعاقب أحد، ولم يحرم من المناقصات، بل أوكلت إليهم مهمة استكمال ما بدأوه من فساد وتخريب، وها هي أمطار الخير الأخيرة قد كشفت عن سوءات أعمالهم السابقة واللاحقة.

الأمطار الأخيرة وما سبقها كشفت عن فشل مكرر لا يمكن أن يحدث في دولة يفترض بها أن تكون ذات مؤسسات رقابية مستقلة كثيرة، الفشل ليس حكومياً فقط، ولكنه أيضا نيابي ورقابي وأخلاقي، وإلا كيف تمر وتكرر كل هذه الأخطاء التي ارتكبت في معظم المشاريع، وعرف من المتسبب بها ومن الذي غض الطرف عنها، ومع هذا يتم العفو عن الجميع؟

الفساد في الكويت أصبح مستوطنا، وما كشفته أمطار الخير على الكويت لا يعدو أن يكون عوداً من أعواد كثيرة، أما المخفي فهو الأعظم.

● طلال عبد الكريم العرب

back to top