مصر... بقلم أمين معلوف!

نشر في 23-11-2021
آخر تحديث 23-11-2021 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم تعايشت منذ سنوات مع كتابات أمين معلوف، فقرأت ليون الإفريقي، صخرة طانيوس، سمرقند، الحروب الصليبية كما رآها العرب، الهويات القاتلة، الجذور، اختلال العالم. وقد وقع بين يدي أخيراً كتاب "غرق الحضارات"، الذي يتحدث في صفحاته الأولى عن حقبة إقامة أسرته في مصر، فيؤرخ لها بأسلوبه الرشيق، ثم يبحر بعد ذلك إلى ما يراه غرقاً لحضارتنا المعاصرة، مُحللاً إياها بأسلوبه الاستقصائي، التوثيقي، فيأتي على الكثير من الحوادث والوقائع التي عاشها أو تعايش معها.

***

* "كانت مصر تعيش حالة غليان، ففي 12 من فبراير - قبل أسبوعين من ولادتي - اغتيل حسن البنا، مؤسس حركة الإخوان المسلمين، في اللحظة التي كان يخرج فيها من العمارة. اقتربت منه سيارة، وأطلق عليه قناصٌ النار، ومع أنه أصيب برصاصة تحت إبطه، لم يخر صريعاً، ولم يظهر أن جرحه بالغ الخطورة، بل لقد استطاع أن يركض وراء السيارة، ويدوّن بنفسه رقم لوحتها، وعلى هذا النحو تبيَّن أن سيارة القتلة تخُص لواء في الشرطة، ثم قصد البنا المستشفى، وظن أتباعه أنه سيخرج، ولكنه فقد دمه بسبب نزف داخلي، فمات ولم يتجاوز الثانية والأربعين. وقد جاء اغتيال البنا رداً على اغتيال رئيس وزراء مصر النقراشي باشاً، والذي قتله أحد الطلبة في كلية الطب، تنكر في زي ضابط شرطة، وتسلل إلى داخل مبنى رسمي وأطلق الرصاص على النقراشي في اللحظة التي كان يهم فيها بركوب المصعد".

***

* "كانت المواجهة بين التنظيم الإسلامي والسُّلطات المصرية قد احتدمت عشية ولادتي، لتستمر لعقود من الأزمان الدامية، حيث بدأت منذ عشرينيات القرن الماضي، وصارت لها انعكاسات في أرجاء المعمورة، من الصحراء الكبرى إلى مناطق القوقاز، ومن جبال أفغانستان إلى البرجين في نيويورك، ومازالت آثارها ممتدة في العديد من مناطق العالم".

***

* "غير أن عام 1949، المليء بالاضطرابات في مصر، لم يجعل أمي تتردد في اصطحابنا إلى القاهرة بعد ولادتي بأربعة أسابيع، فوالدي كان ينظر إلى تاريخ مصر نظرة إجلال، وكان يُعجب أشد الإعجاب بحياة مصر الثقافية الثرية بكُتابها، وشعرائها، ورساميها، والمسرح، والسينما، والصحف، ودور النشر فيها، وقد نشر والدي أول كتاب له عن أنطولوجيا الأدباء المشرقيين باللغة الإنكليزية في ذلك الوقت من القاهرة، فأرض النيل كانت وطناً ثانياً لأسرتي، خصوصاً أننا نعشق ميادين الموسيقى، والآداب، وفنوناً كثيرة أخرى كانت القاهرة مزدهرة بها، وجميع المهاجرين إلى مصر، من كل الأصول والطوائف، يجدون أنفسهم مدعوين للانخراط فيها، شأنهم في ذلك شأن المصريين، على حدٍّ سواء، فها هي أسمهان - مهاجرة سورية - تشدو ليالي الأنس في فيينا، وليلى مراد - اليهودية - تغني أنا قلبي دليلي".

***

* هذا قليل من كثير كتبه أمين معلوف عن المحروسة، التي أدينُ لها بالفضل، حيث أمضيتُ فيها أزهى سنوات شبابي.

● د. نجم عبدالكريم

back to top