بقايا خيال: مَن أفسد حياة الناس في كل العصور؟

نشر في 19-11-2021
آخر تحديث 19-11-2021 | 00:09
 يوسف عبدالكريم الزنكوي قبل 327 عاماً وُلِد الكاتب والفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري أورويه، الذي اشتهر بفولتير. وشهرته الواسعة مبعثها إيمانه العميق بحرية الفكر وحرية التعبير عن الرأي، واحترام الفرد – أي فرد – بغض النظر عن انتمائه الطبقي أو الحزبي أو السياسي أو العرقي. وإذا كان هناك كثير من أدباء اليوم يتباكون على الماضي، فقد سبق فولتير أدباء عصره، وكثيراً من أدباء اليوم، بأنْ ربط الأدب بقضاياه اليومية، وسخره تسخيراً فريداً، لنشر الوعي بين الشعب الفرنسي للوقوف ضد السلطة الكنسية التي لم تكن سوى وجه آخر للسلطة المستبدة التي تعودت على استغلال الدين لتحقيق مصالحها الخاصة تحت ذرائع دينية، ولهذا نجح في استخدام الأدب كوسيلة من وسائل التغيير الاجتماعي.

‏وعلى الرغم من ظهوره في عصر النهضة الأدبية وهي فترة تنامت خلالها فكرة استخدام المنطق وقوة العقل الإنساني في التحليل، إلا أن فولتير تعرض للمحاكمة غير العادلة، وأودع سجن "الباستيل"، لمجرد وقوفه ضد رجال الدين، وليس ضد الدين نفسه. بل إن كراهيته لرجال الدين كثيراً ما دفعته إلى إعلان كراهيته للتعصب الأعمى والاستبداد وللدين أحياناً قليلة، وظهر ذلك في كثير من كتاباته، وهذا ما جعله في صراع دائم مع المجتمعات الدينية والسياسية التي توحدت مصالحها في اعتماد أسلوب الرأي الأوحد لتحقيق أهدافها دون اعتبار للآراء الأخرى.

‏ولهذا قال كلمته المشهورة: "قد أختلف معك في الرأي، ولكنني مستعد لأن أضحي بحياتي من أجل أن تعبر أنت عن رأيك بحرية". فأسهم بآرائه الجريئة ودفاعه المستميت عن الحرية واحترام الإنسان في التمهيد مع جان جاك روسو للثورة الفرنسية. وشاء الله أن يتوفى كلاهما في عام 1778 نفسه، أي قبل الثورة الفرنسية بعام واحد فقط، فلم ينسه رجال الثورة الفرنسية، عندما نقلوا رفاته إلى مقبرة العظماء، بعد أن وضعوه فوق أنقاض سجن "الباستيل" ليلة واحدة تكريماً لرجل أودع هذا السجن بسبب أفكاره التي مهدت للثورة الفرنسية.

‏كثير من الكتاب يرددون مقولة: "اللهم احمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم"، دون أن يدري أن فولتير هو قائلها، وكثير منا من سمع بفولتير، ولكنه لا يعلم أن هذا الفيلسوف كان ينظر إلى رجال الدين على أنهم هم السبب في إفساد حياة الناس في كل العصور، وأن مصائب الدنيا كلها قد برزت إلى حيز الوجود بسبب خلافات علماء الدين فيما بينهم من جهة، وخلافاتهم مع أفراد الشعب من جهة أخرى.

‏المشكلة أن غالبية الناس يعلمون أن الصراعات على السلطة الدينية من أجل الاستيلاء على السلطة الدنيوية أو السياسية، هي التي دمرت أضعاف ما دمرت الزلازل والبراكين، ولكن غالبية هؤلاء لا يعلمون أن فولتير هو من اكتشف هذه الحقيقة قبل أكثر من 275 عاما، واستطاع بفكره الحر أن ينتصر على رجال الدين، وغالبية رجال الدين هؤلاء يصنعون من فتاواهم أصناماً يريدون من الجهلاء أن يصلوا لها، والعياذ بالله.

يوسف عبدالكريم الزنكوي

back to top