العفو... وكويت الدستور

نشر في 10-11-2021
آخر تحديث 10-11-2021 | 00:18
 محمد المقاطع نعيش هذه الأيام الذكرى الـ60 لدستور 11/11/ 1962، وقد أرسى دولة عصرية يحكمها الدستور وتكتسي بديموقراطية حقة، وتحفّها الحريات بكل جوانبها، وبناها أجداد وآباء جُبلوا على العفوية والصدق والشجاعة والجرأة الأدبية والنقد الصريح، وجاء المحرضون بكل الطرق والحيل لإفراغ الدستور من محتواه أو تعطيله أو تعليقه، ولا يزالون، إلا أن وعي الناس وصلابتهم يفشلان مخططهم بكل محاولاتهم.

واليوم نحن أمام لفتة كريمة بادر إليها سمو الأمير بتفعيل المادة 75 من الدستور، بالعفو عن بعض المحكومين في قضايا الرأي أو المواقف السياسية، وهي تعتبر خطوة أولى نحو المصالحة الوطنية الشاملة، فالعفو الخاص وحده لا يكفي، فالملفات التي تثقل كاهل البلد عديدة، ولا سبيل إلى الخروج من الدوامة التي يعيشها البلد لفترة تزيد على عشرين سنة، إلا بمعالجتها، أولها وأهمها ملف إلغاء القوانين المكبّلة للحريات، التي أوجدت رغبة جامحة لملاحقة أصحاب الرأي والموقف السياسي، وتحولت الكويت في ظلها إلى دولة بوليسية بدل دولة ديموقراطية وفقاً للدستور.

فقوانين مثل النشر الإلكتروني والجرائم الإلكترونية، والمطبوعات والنشر، والمسيء، وغيرها، يجب إلغاؤها جملة واحدة وبقانون واحد بذكرها بالاسم، تتبعها خطوات لوقف كل المحاكمات والملاحقات وأحكام السجن التي صدرت استناداً إلى هذه القوانين الجائرة، مع ضرورة رد الاعتبار قانوناً.

أما الملف الثاني فهو إعادة الاعتبار إلى السلطات الثلاث، بدءاً من "التشريعية"، التي يجب أن ينظم انتخاباتها قانون يتسم بالعدالة والمساواة يكون أساسه وطنياً، بدلاً من القوانين الجوفاء أو العرجاء التي قسّمت الدوائر الانتخابية تقسيماً مشوهاً، فتّت الكويت إلى أشتات فئوية، أو طائفية أو قبلية أو عائلية أو مناطقية، مما يستلزم أن يتم سن قانون للدوائر على أساس غير مرتبط بالجغرافيا، كما هي التوجهات الحديثة للديموقراطيات، وإنهاء وضع قانون الانتخاب والدوائر الحالي المدخل للظواهر السلبية والانحرافات السياسية.

وفي بنيان القانون الجديد يلزم أن يكون التصويت بقائمة لكل المقاعد الممثلة للدائرة أياً كان عددهم، عشرة أم خمسة، ويكون النجاح بنظام التمثيل النسبي، بما فيها قوائم تمثل فرداً وحده، وقانون كهذا سيقضي على التدخل بنزاهة الانتخابات، وعلى تأثير المال السياسي فيها، وعلى ظواهر شراء الأصوات ونقلها، والانتخابات الفرعية بكل أشكالها.

وفي إطار السلطة التشريعية، ينبغي أن يتم الالتزام بتطبيق الدستور واللائحة والبعد عن التفرد بالقرار البرلماني، وإلغاء كل السوابق التي شهدتها المجالس الأخيرة والمخالفة للدستور، والتي منها الاستجوابات المزمع تقديمها.

أما السلطة التنفيذية فتحتاج إلى عملية جراحية حقيقية باختيار رئيسها وأعضائها، وينبغي أن تكون لهم استقلالية وسلطة، ولديهم مؤهلات وقدرة وعلى مستوى لتحمّل حقيقي للمسؤولية السياسية والتنفيذية لا التهرب منها.

والقضاء يحتاج إلى تطوير بإصدار قانون مخاصمة القضاة، وآخر بفصل رئاسات المحاكم والتدوير لهم كل فترة زمنية، بما في ذلك النائب العام.

أما الملف الآخر والمهم فهو ملف الفساد، الذي نخر في عضد البلد، ولم تتم مواجهته بشكل عملي قانوني وإداري وتنفيذي، وهو يحتاج إلى استئصال حقيقي وعقد محاكمات علنية للفاسدين وسرّاق المال العام وأصحاب الأموال والحسابات الفاحشة والفاسدة والمتضخمة، ومحاسبتهم حساباً عسيراً لا رأفة فيه ولا تردد ولا تستر، فالكويت عانت الأمرّين من الفساد لفترة تزيد على أربعة عقود.

فمرحباً بـ "العفو"، وشكراً لسمو الأمير، وتهانينا للمعفى عنهم من أصحاب الرأي والموقف السياسي، لكن ينبغي أن ندرك أنه لا مفر من تفعيل الشطر الثاني من المادة 75 ليصدر قانون للعفو العام عن نمط القضايا التي ذكرناها فقط، أو أي قانون آخر يحقق الغاية ذاتها.

وكل عام ودستور الكويت محترم ومُطبَّق، رغم أنف المحرضين.

● أ. د. محمد المقاطع

back to top