جو بايدن و«الطبيعة الأم» يغيّران معالم الشرق الأوسط

التخلي عن النفط والتغير المناخي والزيادة السكانية والأمن الغذائي والمائي تطغى على الصراعات التقليدية

نشر في 28-10-2021
آخر تحديث 28-10-2021 | 00:00
أراضٍ جافة في تركيا
أراضٍ جافة في تركيا
هل أدى قرار الرئيس جو بايدن بسحب القوات الأميركية من أفغانستان إلى تغيير معالم السياسة في الشرق الأوسط وتحسين مسارها؟ من الواضح أن ظاهرة قوية بدأت تغيّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط بعد جمودٍ امتد سنوات. كان قرار بايدن الأخير في أفغانستان أقوى عامل مؤثر في هذا المجال، لكن يسهم عامل آخر في تكثيف الضغوط التي رافقت انسحاب الولايات المتحدة: إنها الطبيعة الأم التي تتمثل في موجات الحر، والجفاف، والضغوط الديمغرافية، وتراجع أسعار النفط منذ وقت طويل، وزيادة الإصابات بفيروس كورونا.

من الواضح أننا أصبحنا في مرحلة تُمهّد للانتقال من الشرق الأوسط، الذي يتأثر بقرارات القوى العظمى، إلى شرق أوسط تُحدد الطبيعة الأم معالمه. هذا التحوّل سيدفع كل زعيم إلى زيادة تركيزه على بناء شكلٍ من المرونة البيئية لكسب الشرعية بدل الاتكال على مقاومة الأعداء القريبين والبعيدين. ما زلنا في بداية هذا التحول الجذري من المقاومة إلى المرونة، فقد بدأت المنطقة تزداد سخونة واكتظاظاً بالسكان وتتعطش إلى المياه، ما يمنعها من الحفاظ على نوعية حياة مقبولة.

فيما يخص قرار الانسحاب من أفغانستان، كان بايدن محقاً لأن الوجود الأميركي هناك والضمانات الأمنية الضمنية في أنحاء المنطقة ساهمت في ترسيخ الاستقرار وسهّلت التحركات الخبيثة (حملات مقاطعة، احتلال، مغامرات متهورة، تدخلات وحشية).

كان قرار الرئيس باراك أوباما بالانسحاب من المنطقة، ثم رفض دونالد ترامب الرد على إيران، جزءاً من المؤشرات التحذيرية التي تثبت أن الولايات المتحدة سئمت من التدخّل في الحروب الطائفية التي تجتاح الشرق الأوسط. جاء بايدن ليعطي هذا الموقف طابعاً رسمياً بكل بساطة. غداة هذه التطورات كلها، أصبحت المصالحة أفضل حل بعد الخلافات!

تحاول مصر والأردن اليوم فصل سورية والعراق عن إيران الشيعية. وترغب مصر أيضاً في تصدير غازها إلى لبنان، بينما يسعى الأردن، الذي يواجه ضائقة مالية، إلى تجديد روابطه التجارية المربحة مع دمشق. حتى إن مصر والسعودية والإمارات كسرت جمود علاقاتها مع تركيا على أمل إرجاعها إلى المحور الإقليمي كقوة سنّية كبرى قادرة على التصدي لإيران.

أما طهران فهي تظن على الأرجح أن الولايات المتحدة لم تعد ترغب في إطلاق أي تحركات عسكرية لمنعها من تخصيب كمية كافية من اليورانيوم كي تصبح دولة قادرة على تحويل برنامجها السلمي إلى سلاح نووي سريعاً.

يقول مارتن إنديك، المبعوث الأميركي القديم إلى الشرق الأوسط، "الولايات المتحدة لا تنسحب من المنطقة بالكامل، لكنها تتراجع. ويتحرك جميع شركائها العرب والسُّنة الآن لحماية أنفسهم وتجديد استقرار المنطقة في حقبةٍ لم تعد فيها الولايات المتحدة قوة طاغية هناك. مع ذلك، ستبقى الولايات المتحدة قوة ضرورية لردع إيران إذا نجحت في تطوير قدرات نووية ولتبديد الصراعات الأخرى"، لكن القوة القادرة على رسم معالم هذه المنطقة تأتي بأشكال متعددة.

مثلما أخذت الولايات المتحدة في الماضي مكان السوفيات وأصبحت القوة المؤثرة التي ترسم معالم المنطقة، بدأت الطبيعة الأم تستولي على الدور الأميركي اليوم وتتحول إلى قوة طاغية هناك.

في الشرق الأوسط الخاضع لسلطة الطبيعة الأم، لن يحكم الناس على قادتهم بناءً على قوة مقاومتهم لبعضهم البعض أو للقوى العظمى، بل بناءً على القدرات التي يطوّرونها لمصلحة شعوبهم وبلدانهم في عصرٍ بدأ فيه العالم يتخلى عن الوقود الأحفوري، وتُسجّل فيه جميع الدول العربية والمسلمة زيادة كبرى في عدد السكان تحت عمر الثلاثين، وفي زمنٍ يشهد توسعاً واضحاً لمظاهر التغير المناخي.

تذكر أحدث تقارير الأمم المتحدة أن أفغانستان اجتاحها أسوأ جفاف منذ أكثر من ثلاثين سنة. هذا الجفاف يسحق المزارعين، ويرفع أسعار السلع الغذائية، ويوصل 18.8 مليون أفغاني (نصف العدد السكاني الإجمالي تقريباً) إلى حالة من انعدام الأمن الغذائي.

إضافة إلى الضغوط التي سببتها أزمة كورونا، شهدت إيران خلال الصيف الماضي أعمال شغب خطيرة بسبب نقص المياه في الجنوب الغربي، ومن المتوقع أن يصبح المناخ هناك أكثر سخونة وجفافاً. كذلك، تحاول مصر التعامل مع ارتفاع مستوى البحر الأبيض المتوسط، واندفاع مياه البحر المالحة نحو أنظمة الري في دلتا النيل. حتى ان مصر وإثيوبيا قد تخوضان الحرب بسبب السد الذي بَنَته إثيوبيا لتخزين المياه في منبع نهر النيل.

على صعيد آخر، وقّعت إسرائيل اتفاقا لمضاعفة كمية المياه العذبة التي تقدمها إلى الأردن، وهو واحد من أكثر البلدان جفافا في العالم. أحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، عاصفة من الردود حين ادّعى، من دون طرح أي أدلة، أن خَلَفه نفتالي بينيت يتعرض للخداع حين يوافق على تقديم المياه إلى الملك عبدالله الثاني، فيما يقدم هذا الأخير النفط إلى إيران!

إنها أول مرة يهاجم فيها نتنياهو أحد خصومه لأنه تنازل عن كمية مفرطة من المياه، لا الأراضي. يثبت هذا الموقف أن الزمن تغيّر فعلاً.

حتى ان الولايات المتحدة قد تحتاج قريباً إلى استئناف جهودها الدبلوماسية الناشطة لإرساء السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بناءً على موارد الشمس والمياه العذبة بدل الأراضي. في الفترة الأخيرة، طرحت منظمة EcoPeace Middle East، وهي عبارة عن تحالف بين ناشطين بيئيين إسرائيليين وفلسطينيين وأردنيين، استراتيجية مماثلة اسمها "الاتفاق الأخضر / الأزرق".

قد يطرح هذا النوع من الدبلوماسية البيئية طريقة مستدامة كي تُجدد الولايات المتحدة تواصلها مع الشرق الأوسط الذي تحكمه الطبيعة الأم: ستكون جميع الجهات هناك مترابطة من الناحية البيئية، لكن تبدو هذه الروابط التي تجمعها شائبة. في هذه الظروف، تستطيع الولايات المتحدة أن تصبح وسيطة جديرة بالثقة لإنشاء روابط صحية بين مختلف الأفرقاء. لن تكون هذه المقاربة بديلة عن اتفاق سلام مبني على تقسيم الأراضي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل عاملاً ضرورياً لبناء الثقة.

أهلاً بكم في الشرق الأوسط الحقيقي الجديد الذي يخضع لسلطة الطبيعة الأم!

● توماس فريدمان - «نيويورك تايمز»

back to top