هل يمكنك التأقلم بلا ضوء طبيعي 40 يوماً؟

نشر في 24-10-2021
آخر تحديث 24-10-2021 | 00:14
شهد مشروع الزمن العميق Deep Time project تقدّم 15 متطوعا لقضاء أكثر من شهر في كهف أسفل جبال البيرينيه Pyrenees من دون ضوء طبيعي أو استخدام الساعة، ومعظمهم يريدون العودة.

• أولا، لماذا أردتم أن تفعلوا ذلك؟

- هدفنا الرئيس هو دراسة التكيف، كيف نتكيّف مع المواقف الجديدة أو البيئات أو الأحداث الجديدة، نظرا إلى أننا نعيش بالمملكة المتحدة أو في فرنسا، فقد اعتدنا التمتع بحياة سهلة بطريقة ما.

لدينا معرفة محدودة حول ما يحدث إذا تغيرت فجأة طريقتنا في فعل الأشياء. فقد رأينا ذلك مع "کوفید - 19"، بالطبع، وكيف كان علينا فجأة تغيير كثير من الأشياء، وقد كان الأمر صعبا على كثيرين. وتاه عديد من الناس تماما في هذا الوضع، بل إن بعضهم فقد الإحساس بالزمن. وكان الناس يقولون لنا: "لا أتذكر ما إذا كان عليّ أن آكل أو إذا أكلت بالفعل، أو ما يجب أن أفعله غدا". تصورت أنه يجدر بنا تصميم تجربة لدراسة هذا الإحساس بالزمن، فقد كان مشروع الزمن العميق هو النتيجة، وقام على وضع بعض الأفراد في کهف من دون اتصال بالخارج. من دون ضوء الشمس ولا ساعات.

• هل كنت تعلم ما قد يحدث؟

- نعم، كانت لدينا بعض المعلومات من تجارب مماثلة، خاصة تلك التي أجراها ميشيل سيفر Michel Siffre في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين في فرنسا، كنا نعلم أننا سنشهد بعض التغيير في الزمن، لكن لدينا أيضا معلومات من تجارب، مثل مارس 500 (500-Mars) (تجربة تحاكي عزل بعثة فضائية طويلة المدى). لكنّ المشاركين في تلك التجربة عرفوا أنها كانت محاكاة، لذا، فقد صارت مثل لعبة أو أحجية تحاول حلّها، وليست شيئا يجعلك تفكر، "حسنا، إذا كان عليّ أن أعيش هنا طوال حياتي، فماذا سأفعل"؟ لهذا السبب توصلنا إلى فكرة قضاء المدة داخل كهف.

• كيف كانت الأيام القليلة الأولى؟

- كانت الليلة الأولى مزعجة حقا. قد تستيقظ فجأة، لكنك لست قادرا على معرفة ما إذا كان الوقت منتصف الليل. عادة عندما تستيقظ، فإن أول شيء تفعله هو أن تحاول معرفة الوقت، لكن لم يكن لدينا أي هاتف أو ساعة أو أي طريقة لرؤية الشمس. وكان من المستحيل معرفة المدة التي نمتها. لذا عليك فقط أن تتقبل أنه لا جدوى من محاولة فهم الوقت.

بعد نحو سبعة أيام، قررنا أن علينا تحديد بعض الأهداف، والعمل معا أكثر لتغيير الطريقة التي نظّمنا بها وقتنا. بعد أن فعلنا ذلك، صار الأمر أسهل بكثير.

• هل فوجئت بمدى سرعة تكيّف المجموعة؟

- نعم تماما. قرأت كل شيء عن التجارب التي أجريت في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، لقد عانی الناس في تلك التجارب حقا، لذلك كنت خائفا حقا، المجموعة هي أفضل نظام لمساعدة الناس على التكيف مع المواقف الصعبة، والتنوع مهم. فقد شكّلت مجموعتنا لتضم أشخاصا عاديين جاء معظمهم من أنظمة اجتماعية مختلفة وأماكن مختلفة في فرنسا. فإذا واجهنا مشكلة أو حدث شيء ما، كان لدى شخص ما دائما حل يقترحه. أعني أنه في كل مرة دخلت في جدال، حُل الأمر بعد نصف ساعة، هذا أسرع بكثير مما يحدث في حياتي العادية.

• هل تزامنت دورات نومكم؟

- نعم بطريقة ما. فقد كان لدى معظمنا إيقاعهم الخاص. وكان البعض ينام كثيرا والبعض الآخر ينام بضع ساعات فقط. ولكن بعد فترة شعرنا بأنه أمر طبيعي. أعتقد أننا كنا نعيش في دورات يومية من 24 أو 25 ساعة. ولكن في نهاية التجربة، عندما جاؤوا لإخراجنا، أصبنا بصدمة. وظننا أننا كنا في الكهف مدة 30 يوما، لكننا في الواقع بقينا فيه 40 يوما. ولم أستطع أن أفهم كيف كان ذلك ممكنا. من الواضح أنه كان لدينا إيقاع مختلف تماما عن العالم الخارجي. وهو شيء لا أعتقد أنه لوحظ من قبل. وسيتعين علينا تحليل ما حدث وتكرار التجربة لفهم سبب وجود مثل هذا الاختلاف الكبير بين وقتنا والوقت العادي. لكنه يبدو كأن تركيبتنا البيولوجية لم تحدد إيقاعنا، بل حاجتنا إلى قضاء بعض الوقت معا.

• كيف بدت الأمور في غياب الساعات؟

- في نهاية التجربة، لم نفكر مطلقا "آه، جرت الأمور بسرعة"، أو "استغرق هذا وقتا طويلا". فقد كنا دائما نأخذ الوقت المناسب لنفعل ما نفعله، لأنه لم تكن هناك ساعة لنقارن بها كيف تسير الأمور. وكان ذلك إحساسا جديدا. أشعر- وأعلم أن زملائي يشعرون مثلي تماما - بحريّة أكبر في الكهف؛ لأني لم أكن مضطرا إلى الالتزام بوقت ما.

• كيف يمكن الاستفادة مما تعلمتموه بعد العودة إلى العالم الحقيقي؟

- أحاول وضع هاتفي بعيدا عنّي قدر ما أستطيع حاليا. أشعر حقا بأنه يتعين علينا تغيير شيء ما في حياتنا. رأيت هؤلاء الأفراد في مثل هذا الوضع غير المريح، لكنهم كانوا سعداء. بالطبع لا يمكننا جميعنا أن نذهب ونعيش في كهف. لكنني أعتقد أننا في حاجة إلى التفكير بعمق فيما يعنيه الوقت بالنسبة إلينا وما نفعله به.

• ما البيانات التي جمعتموها؟

- كانت لدينا ثلاثة أنواع من البيانات. النوع الأول كان بيولوجيا؛ قسنا درجة الحرارة في الكهف وجمعنا عيّنات من الدم والأنسجة. كما اضطلعنا بتتبّع نومنا. والنوع الثاني يتعلّق بالإدراك. أجرينا اختبارات للتحقق من الإدراك واتخاذ القرار وما إلى ذلك.

استخدمنا أيضا مخطط كهربية الدماغ لقياس نشاط الدماغ، وخضعنا كلنا للتصوير بالرنين المغناطيسي قبل الرحلة الاستكشافية وبعدها. المجال الثالث الذي نظرنا إليه هو العواطف وكيف تطورت خلال البعثة. أعتقد أنها مهمة حقا عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات. فقد استخدمنا مستشعرات الجلد Skin sensors لاختبار استجابة العرق وأجهزة استشعار ضربات القلب، لنعرف ما إذا كان معدل ضربات القلب لدى أحدنا مرتفعا. ولكن هذه البيانات لا تخبرنا بكثير، لذلك أجرينا عديدا من الاستبانات لمعرفة كيف شعر الناس على مدار 40 يوما تحت الأرض.

كان هناك عامل رابع وهو الكهف نفسه. اخترت کفا لأنه يعطي إحساسا بالدهشة. أنا متأكد من أن الجمال - هذا الشعور عندما تكون متحمسا لرؤية بيئتك وتتفاعل معها - مهم عندما نتحدث عن قدرة الأشخاص على التكيف.

أفترض أن هذا ما افتقدته البعثات الأخرى - حسّ المغامرة - رأيته في عيون كل متطوع في البعثة.

يتألف الكهف من طبقتين. وكان علينا النزول بحبل إلى بحيرة في المستوى التالي من الكهف، وكان بها قارب صغير. فقد كانت أخاذة. وكنت ألحظ مدى سعادتهم عندما يعودون منها. وكان لديهم سبب لوجودهم هنا فكرة الشعور بالدهشة هذه. فإذا كان لديك شيء يجعلك سعيدا، فهذا سبب قوي کي تنهض وتقاتل، حتى إن كان الموقف صعبا.

• ما المرحلة التالية؟

- حسنا، لدينا ما لا يقل عن 12 فريقا يعملون على البيانات في الوقت الحالي. وبالطبع نريد تكرار تجربة الزمن العميق، فقط للتحقق مما إذا كنا سنلاحظ حدوث الشيء نفسه أم حدوث شيء مختلف تماما.

في عام 2022 سنذهب إلى غابة مطيرة أو صحراء، لنرى ما إذا كانت البيئة هي العامل الأقوى الذي يسبب تكثف المجموعات، أو أن الناس يتكيفون بالطريقة نفسها أيا كانت البيئة، أو ما إذا كان للبيئة أي تأثير يذكر. ونأمل أن نرى كيف يتكيفون هم وأدمغتهم.

کریستیان کلوت - مستكشف وباحث ومؤلف

المصدر: مجلة مدار

سلسلة مقالات تنشر بالتنسيق مع التقدم العلمي للنشر.

تابع قراءة الموضوع عبر الموقع الإلكتروني: www.aspdkw.com

back to top