خاص

رولا عبدالحميد: أكتب للإنسان في كل زمان ومكان

الشاعرة السورية ترى أن الرمز روح قصيدتها

نشر في 19-10-2021
آخر تحديث 19-10-2021 | 00:15
الشاعرة السورية رولا عبدالحميد
الشاعرة السورية رولا عبدالحميد
تكتب الشعر من أجل الإنسانية، فتورق حروف قصيدتها أبجديات جديدة من فيض إحساسها وروعة لغتها، وتحلّق بكلماتها التي تختارها بعناية كسرب يمام في فضاء الإبداع.
إنها الشاعرة السورية رولا عبدالحميد، التي أصدرت أخيراً ديوانها الجديد «في شريانك آنست شمساً»، لتواصل من خلاله الدوران في فلك الشعر الجميل، مؤكدة، في حوار أجرته معها «الجريدة»، أن الرمز هو روح القصيدة وصوتها. ولفتت إلى أنها ترى في قصيدة النثر ذاتها وتاجها وصولجانها، ولا تستبعد أن يحلّق قلمها في فضاء السرد، لكن سيظل ولاؤها الأعمق للقصيدة.. وفيما يلي نص الحوار:

● "في شريانك آنست شمساً" أحدث دواوينك الصادرة أخيراً، ماذا يعني في مسيرة تطوُّر تجربتك الشعرية؟

- لهذه المجموعة خصوصيتان، الأولى أنها أول مجموعة شعرية لي تصدر عن اتحاد الكتّاب العرب، وفي سورية كتاب يصدر عن اتحاد الكتاب العرب يعني الكثير، لأنّ الاتحاد جهة رسمية موقّرة وراقية، ولا تنشر إلّا ما هو مميز وراقٍ. والخصوصية الثانية أنها صورة واضحة لأناي، لليمّ والسماء والأرض.. لصلصالي، فيها تعبير عن عشقي للأرض وحبّي للماء الذي جُعِل منه كل شيء حي، وتوقي للنور.. للضياء.. للسّنا، فيها أغصان قلبي تبوح، وشريانه يغدو شعاعاً به أهتدي، فيها أمي دالية عنب تعدّ لي سنبلة للعشاء وتنتظرني كنجمة الصباح، فيها قلبي يمطر وصوته مظلتي، وفيها أصير أنا صوت الشهيد يسيل على الطرقات المتعرجة، فيتداعى السور وينبثق الينبوع فينضج في القلب القمح وأنادي الريف الأبيض وأنادي الصقر؛ دع أولادي الطيبين، وأدعو الأطفال أن يتدثّروا بأغصان القصيدة، وأن يحملوا القمر، وأدعو الرحال البعيد أن يعلّم صغاري الرسم بالضوء، فيها "بعل" يتنزه في الأزقة ويتنزه في دمي وفي جعبته صرّة الأحلام ويمطر فأسمع صلوات الغائبين خلف الجدار الأصم، وأسمع خرير الماء فأفتح الأبواب، فيها القمر ما زال منيراً والشمس ما زالت سراجاً، والله رأى وأنا عناة الصغيرة بيدي غصن أخضر، فلتتنفس أيها الإنسان، فالرؤى بيضاء فيها أشكو لأمي انكسار الأشرعة وعطش أقحواناتي، فيها نغني أنا وطفلي والأرض تسمع وأنا أسمع هديل الماء وجدتي تطرّز المناديل الخضراء وينساب الماء من كل الجهات، وقبّرة فضية تدون أسمائي.

● "دثرني بكلمتين" هو ديوان حديث أيضاً، يثير شهية القارئ من عنوانه.. كيف تختارين عناوين أعمالكِ؟

- أعمالي تختار عناوينها، فعندما تكون صادقاً مع قلمك تورق حروفك وتحلّق كسرب يمام وتكتب عنوانا يليق بها، في البدء كانت الكلمة فكنّا، وأنا أعشق لغتي وأعشق الكلمة الطيبة الصادقة، وأعشق أن أتدثر بها، فلا دثار أكثر دفئاً منها، والأجمل أن يدثّرك إنسان توده بكلمتين طيبتين.

● رغم جائحة كورونا تابعنا حضورك المكثف في العديد من الفعاليات والملتقيات الأدبية، إلى أي مدى كسرتِ عزلة الفيروس بسلاح الشعر؟

- الفيروس لعين، وعلينا الوقاية منه حفظاً لسلامتنا وسلامة الآخرين، لكن الحياة نهر، ولا يمكن أن نوقف مجراه، والكلمة حياة، ولكي تدوم الحياة بُحنا وقلنا كلمتنا وهدلت يماماتنا في أعالي أبراجها محاولةً بثّ الطمأنينة في القلوب، لأن الخوف قاتل مثله مثل الفيروس، فحاولنا أن نكون نجمة تومض في المساء وترش الهديل لتطمئن النفوس وتهدأ.

● لديك قصائد مترجمة في كتاب أنطولوجيا الشعر العربي المترجم إلى الإسبانية، ما أهمية أن تنطق القصيدة العربية بلغات أخرى؟

- نحن على الأرض إنسان واحد ونبض واحد، وكما نتوق أن يسمعنا ويقرأ كلمتنا القارئ العربي، نحب أن يقرأها القارئ في كل بقعة من بقاع الأرض، لأني لا أكتب لشخص واحد، أنا أكتب للإنسانية جمعاء، وما أكتبه أنا بالتحديد لا يخص إنساناً بعينه، بل هو للإنسان في كل زمان ومكان.

● تقولين دائماً إن الشعر عندك هو بوح الروح، فهل يمكن أن تصمت الروح عن بوحها وتستعصي عليك القصيدة؟!

- عندما تصمت روحي لن أكون رولا، بل سأكون صخرة صماء لا تبالي بالإعصار، ولا تبالي بغناء الأرض، ولا تبصر سنا القمر، وفي إحدى قصائدي قلت: "لو أني صخرة صماء ما كنت بكيت"، وأنا محالٌ أن أكون صخرة صماء، لذلك ستبقى عيني تدمع وقلبي يئن تارة ويخضر تارة أخرى وشراييني تورق تارة وتنطفئ مصابيحها تارة أخرى. ولأنني إنسان سأغني للشمس والنجوم والقمر وللعصافير واليمامات وللإنسان حتى يخرج من قفص غروبه.

● كثيراً ما تلجأين إلى الرمزية، وهي تقنية لا يبرع فيها سوى شاعر متمكن، ماذا يعني الرمز بالنسبة إلى نصّكِ، أو بمعنى آخر ماذا يمنحه؟

- الرمز هو روح قصيدتي.. هو أنا، إذ لا أرى أن هناك روح للقصيدة من دون رمز، والرمز يختصر ثقافة الشاعر ورؤيته ورؤاه.. هو روح الشاعر متجلياً للقصيدة، والقصيدة بلا رمز جسد بلا روح وبلا نبض.. لوحة ساكنة جامدة لا بهاء فيها ولا سحر ولا صوت.. الرمز هو صوت القصيدة.

● ثمة شعراء يجرِّبون كتابة الرواية.. ما الذي يدفع شاعراً لخوض هذه التجربة؟ وهل يمكن أن يحلّق قلمكِ في فضاء السرد ذات يوم؟

- قد يلجأ بعض الشعراء إلى كتابة الرواية، لأنهم يرون أن هناك كلمة يريدون قولها، ولكن استعصى قولها شعراً، فيلجأون إلى كتابة الرواية، والشعر متعب للروح والرواية أكثر رفقاً بالروح.. نعم قد يحلّق قلمي في فضاء السرد، لكن يظل للشعر ولائي الأعمق، لأنني أرى فيه أناي.

● الملمح الرئيس لتجربتك الشعرية يدور في فلك قصيدة نثر رائعة، رغم أنك سبق أن كتبتِ القصيدة الكلاسيكية، فهل سيظل ولاؤك لقصيدة النثر؟

- ولائي للشعر عموماً، ولا يهم الشكل الشعري، بل المهم أن تكون القصيدة مكتوبة بتقنية فنية عالية تنمّ عن ثقافة عميقة، وأن تكون موشّاة بلغة بهية وصور محلّقة، المهم أن تسمع القصيدة أو تقرأها فتشدك بنبضها وسحرها ورموزها ومضمونها، وأنا عشقي لقصيدة النثر التي أرى فيها ذاتي وتاجي وصولجاني، وقصيدة النثر عندي لا تخلو من الموسيقى وسمعها موسيقيون وملحنون، فقالوا قصيدتك تنبض موسيقى، ومن السهل تلحينها ولحن بعض القصائد ملحنٌ من حلب وغناها، لكن أخيراً تشدني قصيدة التفعيلة ومن دون شعور منّي أراني أكتب قصيدة التفعيلة، ربما لأنني أشعر أن الموسيقى تسري في شراييني وشرايين الأرض، والكلمة والموسيقى تتعانقان لترسما على سفح روحي قُبرة بيضاء، وعلى قبّة السماء غيمة ممطرة.

● القاهرة - أحمد الجمَّال

أعمالي تختار عناوينها وقصيدة النثر ذاتي وتاجي وصولجاني
back to top