عودة طالبان

نشر في 15-10-2021
آخر تحديث 15-10-2021 | 00:07
 حبيب السنافي الإمكانات العسكرية الأميركية الهائلة لا تتناسب مع سياستها الفاقدة للاتزان، يبدو ذلك جلياً بما حدث في أفغانستان، فأميركا لم تحصد سوى الفشل والاندحار، ومراكز الأبحاث والدراسات الاستيراتيجية لم تسعف الإدارة الأميركية بالسيناريوهات المتوقعة بعد عقدين من الاحتلال، ليتخبط بايدن بتصريحاته المتناقضة، وكأن جدول الانسحاب وتوقيته بيد حركة طالبان، فوصلوا مباشرةً من الدوحة إلى كابول العاصمة! لم يكن هناك مشروع أميركي في أفغانستان، فالهدف كان ترضية الشعب الأميركي وتشفية غليله من تداعيات أحداث 11 سبتمبر، ولم يخطر للإدارة الأميركية ترسية نظام ديموقراطي هناك، فالديموقراطية السياسية الشكلية لا تغني بحال عن الديموقراطية الاجتماعية التي لا يمكن ترويجها بمجتمع تنخره القبلية والطائفية والعشائرية. الشعب الأفغاني لم يرحب بالأميركيين واعتبرهم قوة احتلال رغم أن تريليوني دولار هدرت على تجار الحروب وزعماء القبائل والعشائر، فلم تبن مدارس ولم تنشأ مستشفيات أو خدمات البنى التحتية، فأميركا تحكمها المصالح الرأسمالية، ولا تأبه للاعتبارات الإنسانية، وقاسى الشعب من سياط الفقر والحرمان. سيطرة طالبان بقوات لا تتجاوز 160 ألف مقاتل، مقابل أكثر من ربع مليون من رجال الجيش والشرطة الوطنية، يبرز حجم الفساد المستشري خلال عهد الاحتلال في المؤسسة السياسية الحاكمة وقواتها المسلحة، واضمحلال الروح الوطنية الجامعة، وتواطؤ قيادات الحكم المحلي بالولايات الأفغانية مع قيادة طالبان على تسليم ولاياتهم بلا مقاومة. وعود طالبان بالديموقراطية والحريات والسلام الأهلي من العسير تمريرها، فطالبان حركة سياسية دينية راديكالية سيطرت بالقوة والقهر على مقدرات البلد وهي مؤدلجة تنحو للتشدد والقسوة المفرطة ولا تعترف بالقانون المدني، وتطبق العقوبات الدينية بحذافيرها، مما يحيل نمط الحياة إلى العصور الوسطى.

دول الجوار الأفغاني لا تأبه للمصير المجهول للشعب الأفغاني، فلمصالحها الأولوية، وستعترف بالواقع المستجد، وتقيم علاقاتها معه على عدة مستويات، وستنأى عن الصراعات الداخلية الأفغانية، تاركة الشعب يناضل من أجل تقرير مستقبله ومصيره.

سيطرة طالبان على السلطة قد تعيد بث الروح الدينية الجهادية في الوجدان العربي والإسلامي، موهمة أن الحريات والحقوق عامةً لا تأتي إلا مع النظام الإسلامي، وهذا نقيض ما حصل في إيران والسودان والجزائر وغيرها، فالسياسة لعبة مصالح بالدرجة الأولى، بلا أدنى شك.

حبيب السنافي

back to top