في ظاهرة وسائل التواصل الاجتماعي

نشر في 12-10-2021
آخر تحديث 12-10-2021 | 00:09
 د. محمد أمين الميداني سأكتب في موضوع سبقني للكتابة عنه كثير من الكُتّاب، وكان محوراً للعديد من النقاشات والأحاديث، وأقصد ظاهرة وسائل التواصل الاجتماعي وتفشيها بشكل واسع وسريع أيضا، ولكن ما دفعني اليوم للكتابة عنها هو ما حدث الأسبوع الفائت من تعطل، ولساعات فقط، لوسائل تكاد أن تكون حيوية وأساسية ومهمة للسواد الأعظم من سكان هذه المعمورة، ولن أبالغ إن أضفت أيضا بأنها مصيرية لفئة واسعة من الشابات والشباب في كل دول العالم!

تعطل موقع (فيسبوك) وعدد من التطبيقات التابعة له مثل (واتساب) و(إنستغرام)، وغرق رواد هذا الموقع وتطبيقاته في بحر من الحيرة والتساؤل والدهشة، وشعر بعضهم بالضياع والانقطاع ولم يعد يدري كيف يعود للتواصل، وتبادل الأخبار، واستقاء المعلومات؟

وعاد الموقع وتطبيقاته للعمل، وتنفس الجميع الصعداء، وعادت الحياة لمجراها الطبيعي والمعتاد، لأنها من دون هذا الموقع وتلك التطبيقات، تفقد الحياة اليومية معناها ومتعتها في نظر الكثيرين، لكن عودتها لم تجنب من يقف وراءها خسائر مالية كثيرة، وفتحت الباب لتساؤلات عديدة من بينها: هل يسعى ملاك هذه المواقع للحصول على المزيد من الأرباح على حساب حماية المستخدمين، كما ادعت ذلك مديرة إنتاج سابقة كانت تعمل في موقع "فيسبوك"؟

ليس تعطل هذا الموقع ولا خسائره موضوعنا، ولكن ما أريد أن نلفت الانتباه إليه هو تفشي هذه ظاهرة التواصل الاجتماعي في حياة الكثيرين، وأريد أن أنظر إليها من الناحية الثقافية بالدرجة الأولى.

أذكر حين وصلت إلى فرنسا لإكمال دراساتي العليا، ومن أكثر من أربعة عقود، لفت نظري وأنا أستخدم (مترو) الأنفاق في باريس، أو حافلات بعض المدن، أو أركب القطارات بين المدن الفرنسية، أو أستقل الطائرة، ظاهرة لم ألاحظها في بلداننا العربية، وكانت مثار إعجابي وتقديري ودهشتي أيضا، ألا وهي انكباب عدد كبير ممن يستقل وسائط النقل هذه على القراءة: صحيفة، أو كتاب، أو أوراق، وكنت أرى ذلك قبلاً في الأفلام الأجنبية بالطبع، ولكن لا أذكر إلا نادرا أنني رأيت قارئا في حافلة بدمشق، أو في أخرى تنقلني من مدينة إلى أخرى من مدنها، وهو الوضع نفسه في مدن وعواصم عربية كثيرة زرتها.

ما يزعجني اليوم، وأنا في حافلات النقل و(ترام) المدن والقطارات التي تنتقل بين مختلف المدن الأوروبية، هو نادرا ما أصبحت أرى شخصا بيده كتاب أو صحيفة! الكل منكب على جهاز الهاتف المحمول بين يديه، يرفع رأسه ليرى أين هو، وهل اقترب من المحطة التي عليه أن ينزل فيها؟ ومن ثم يعود لهاتفه: متابعة مسلسل، أو ممارسة لعبة، أو تقليب صفحات تطبيقات، أو تبادل الرسائل القصيرة بسرعة واستمرار، ولعلنا لا نجد مثل هذا الوضع في السفر بالطائرات، فغالبا ما يلتزم المسافر بإقفال هاتفه، ولو في اللحظات الأخيرة قبل الإقلاع، ولا أدري كيف يعاودون استخدام هواتفهم ونحن بين السماء والأرض في رحلتنا الجوية!

إلا أن ما أريد أن ألفت إليه فعلاً الانتباه أكثر هو أن ثقافة شبابنا، على مختلف المستويات والأعمار وعدد كبير من رواد هذه المواقع، تعتمد بالدرجة الأولى اليوم على ما يتم تداوله من أخبار ومعلومات منقولة عنها أو متداولة فيها.

يصلك خبر أو معلومة (أقصد هنا تطبيق الواتساب لأن لا حسابات لي شخصيا لا على الفيسبوك، أو تويتر، أو إنستغرام)، وتحتار هل هذا الخبر صحيح، وهل هي معلومة دقيقة؟ وأعود غالبا لبعض المراجع الورقية أو الإلكترونية إذا كان ما وصلني مهماً ويستحق التحقق منه ونقله للمهتمين به أو للمقربين، ولكن من المؤكد جداً أنني لا أعيد إرسال ما يصلني ما لم أتحقق تماما من مضمون وصحة ما سأقوم بإعادة إرساله، والطريف أيضا أن الخبر نفسه والمعلومة تصلك في اليوم ثلاث أو أربع مرات، أو بعد يومين أو ثلاثة، وأحيانا بعد أسبوع، مرسلة من عدة أشخاص، حيث يتم تدوير الأخبار والمعلومات وإرسالها للجميع من باب التواصل بين الأصدقاء والمعارف.

لا أنكر بأنه يصلني أخبار وحوادث وقصص تستحق المتابعة والقراءة ونقلها للآخرين أيضا، ولكن غياب المصدر، والشك أحيانا من صحتها يفقدها جديتها وأهميتها، ويجعل واحدنا يتردد في نقلها أو تبليغها للآخرين ما لم يتأكد بالفعل من مضمونها.

كيف العمل لتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يساعد تربويا وثقافيا وعلميا في زيادة معارف وثقافة وعلوم شبابنا، ومن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بانتظام؟ سؤال من أسئلة كثيرة تطرح في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي الذي نعيشه والذي لم تعرفه الأجيال السابقة، وأضيف أيضا: كيف نعيد للصحيفة والكتاب رونقهما ومكانتهما في حياتنا وفي مسيرة التعليم والمعرفة في بلداننا؟

ولا ننكر في المقابل، نجاح الصحيفة الإلكترونية وكذلك الكتاب الإلكتروني وحتى الموسوعات الإلكترونية في الوصول إلى عدد كبير من القراء والمهتمين، فتجاوزت الحدود الجغرافية، وجعلت الثقافة والمعرفة في متناول كل فئات المجتمع وبتكاليف زهيدة، ولكن يحتاج كل هذا التقدم والتطور في نقل العلم والمعرفة والثقافة إلى ضوابط، وإلى تنظيم ومتابعة وإيجاد السُبل التي تضمن التمييز بين الغثّ والسّمين.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.

د. محمد أمين الميداني

back to top