السبب الحقيقي للمأزم الشامل

نشر في 10-09-2021
آخر تحديث 10-09-2021 | 00:09
 ناجي الملا سمو رئيس مجلس الوزراء: أعلم أنك تواجه استحقاقات خشنة، وأعلم أنها تؤرقك، وتبدو التحديات كما تشير لها البيانات والأرقام في ظاهرها غاية في الحراجة والصلابة، مثال لها العجز في الموازنة مما تتقطع معه زوايا الاختبار وينحشر التفكير في زاوية واحدة غير مرغوبة منك ومن الناس كاللجوء للدين العام، وفرض الضرائب، وتخفيض الدعوم، ورفع الرسوم، ولكن المأزق الأخطر يتمثل بالوقوع في دائرة المستشارين وبالذات بعض الأكاديميين منهم الذين لا قدرة لهم على التفكير خارج الفضاء المحكوم بمسلمات التفكير التقليدي الذي لا يخرج إلى منطقة اللاّمُفكَر فيه.

وسأسوق لك مثالا للفكر المتحرر من قيود المسلمات التي تمنع العقل عن مفارقة المألوف ثقيل الدم إلى فضاء الإبداع خفيف الظل، فثمة توجه عالمي نحو تقليص أيام العمل في الأسبوع إلى 4 أيام بدلا من 5 أيام، وبدأت الفكرة عندما اقترحت السياسية الفنلندية سانا مارين تقليص ساعات العمل في اليوم إلى 6 ساعات بدلا من 8 ساعات أو جعل أيام العمل في الأسبوع أربعة أيام بدلاً من خمسة أيام، وقد عينت مارين في السنة نفسها رئيسة وزراء لفنلندا لتشرع في تطبق الفكرة بالفعل على نطاق محدود قائلة الناس يستحقون أن يهتموا بحياتهم الشخصية وبالعائلة، ولاقت هذه الفكرة القبول من دول أخرى كبريطانيا بعدها نيوزيلندا واليابان وإسبانيا وكان آخرها أسكتلندا التي أقرت برنامجاً تجريبياً لهذا النظام.

اللافت للنظر أن هذا النظام الجديد يحافظ على عدم زيادة ساعات العمل اليومي فتصبح ساعات العمل الأسبوعي 32 ساعة بدلاً من 40 ساعة من دون المساس بأي مستحقات ومداخيل العمال والموظفين، والسر وراء هذا التوجه العالمي المتسارع لاتباع هذا النظام الجديد يكمن في دعم الاقتصاد المحلي لكل دولة؟

فقد أوضحت الدراسات أن زيادة أوقات الراحة والفراغ قد فتحت الباب لاكتساب مهارات جديدة وتوفر الوقت للتحفيز على التفكير الإبداعي، وفعلاً قد ترتب عليه زيادة في الإنتاجية وأداء العمل بصورة أشد إتقاناً وتميُّزاً.

وفي تجربة عملية للنظام الجديد أعلنت شركة مايكروسوفت سابقاً بدء تطبيق هذا النظام لدى فرعها في اليابان الذي نتج عنه ارتفاع في معدل الإنتاجية بنحو 40% مع تحسن ملحوظ في جودة العمل، كما أسهم تطبيق هذا النظام في انخفاض تكاليف حجم المطبوعات بنسبة 60% وانخفض استهلاك الكهرباء بقيمة 23%.

كما أدى تطبيق هذا النظام إلى ارتفاع الحركة في مراكز التسوق والترفيه والسفر براً وجواً وغيرها وزيادة المداخيل في عطلة نهاية الأسبوع المطولة مما أنعش الحركة الاقتصادية للبلاد.

هذا مشهد من مشاهد ملحمة التحرر الحقيقي من سلطة التفكير الواقعي العقيم الذي قد يأتيك في صورة دراسات تغُص بالبيانات، والإحصاءات، والرسومات البيانية، لكنها لا تفضي إلا للحلول العقيمة، ولست أقصد هنا قضية العمل فقط، ولا ما يتعلق بأزمة التوظيف والبطالة المقنعة والخلل الهيكلي في الجهاز الوظيفي، إنما يمتد القصد لكل مكونات المأزم الذي يتصل بالتشوُّه الهيكلي المُزمن في الاقتصاد والاعتماد على مصدر وحيد وخلل التركيبة السكانية وخلل العملية التعليمية والصحية والإسكانية، وعدم توافر فرص العمل، والمشكلة البيئية وحوادث المرور ضحاياها 420 قتيلا سنويا.

إن عجز الموازنة هو رأس الجبل، وقد ظهر عياناً، وهو أول مفاعيل الإهمال الذي طال عليه الأمد والعشوائية والارتهان إلى العقول التقليدية الميتة، ولمعرفة هذه العقول انظر مقالي بتاريخ 2020/6/19 في «الجريدة».

سمو رئيس مجلس الوزراء: ابحث عن أمثال سانا مارين فسيخرجونك من المأزم، فالحي يحييك والميت يزيدك غبناً.

● ناجي الملا

back to top