شارع البلاجات والزمن الجميل

نشر في 20-08-2021
آخر تحديث 20-08-2021 | 00:00
 د. نبيلة شهاب هو شارع على بحرنا الجميل، لكنه جزء غال من ذكريات الكثيرين منا، كان لنا متنفساً وعشقاً وحباً، يجتمع فيه حبنا للبحر، واجتماعنا مع أحبتنا من الأهل والأصدقاء على «ياله» الخلاب خاصة في الليالي المقمرة.

كان لفترة طويلة الشاطئ الوحيد المرصوف وفيه أشجار متناثرة ومواقف للسيارات، «صمون قص» (الشاورما) و»عصير كوكتيل» أو غيره، وقعدة على البلاجات يا سلام نزهة تسعد القلب، لا أتذكر أننا كنا ننتظر الليل حتى نذهب الى البحر أو الحدائق العامة، كنا غالباً ما نخرج بعد العصر، لم يكن الطقس أقل قسوة من الآن، لكن قلوبنا كانت أكثر تفاؤلاً وتواقة للفرح ومليئة بالقناعة والرضا.

كنا نذهب منذ العصر الى وقت متأخر من الليل نمشي ونلعب ونجلس للحديث مع أحبتنا، وكثيراً ما كنا نجتمع هناك، بعدها تذهب كل أسرة إلى بيتها، كنا نراه أجمل مكان حتى الحافة الصخرية قرب المواقف، التي كنا نستخدمها للجلوس أو الوقوف قربها، وكان لها تأثير مريح على أنفسنا.

ما زال يؤمه البعض، وما زال له ذلك العبق الأخاذ الذي ينعش فينا ذاكرة السعادة والقناعة والجمال، نراه فتعود إلينا تلك الذكريات الغالية من عمر الطفولة والمراهقة، ووسط تلك السعادة ألم وغصة يطغيان للأمانة على كل المشاعر الجميلة، لماذا أهمل بهذا الشكل القبيح؟ ولماذا أصبح كأنه مكان مهجور؟

فلولا جمال البحر وأمواجه وبعض المطاعم الحديثة هنا وهناك لما كان هناك جمال البتة، أرصفة متكسرة والحافة الأسمنتية تكسرت حوافها، إهمال كامل لهذا المكان الذي توليه أغلب الدول الاهتمام الأكبر لأنه التاريخ والحاضر، ولكن للأسف غدونا نشعر كأن تاريخنا يسرق منا ويهمش ويهمل، وذلك الشارع اليتيم لفترة طويلة أحد ضحايا ذلك الإهمال.

والحفاظ على هذا الشارع والشاطئ الجميل لا يكلف الدولة الشيء الكثير، كل ما يحتاجه تعديل وتصليح وإعادة بناء بعض ما تهدم وإعادة رصف وتصليح الممرات والصبغ وتشجير المكان بما يناسبه، وقبل كل شيء بناء عدة مرافق أهمها دورات مياه حديثة مع وجود العناية المستمرة لها، وكم يكون مبهراً ومفيداً لو بنيت مدينة ألعاب ولو مصغرة على بعض مساحاته الترابية الكبيرة، كل ذلك لا يحتاج الى ميزانية كبيرة.

ومن المخجل أن الجزيرة التي تفصل بين الشارعين على شاطئ البلاجات مفروشة بزرع صناعي أو حتى سجادة كلون «الثيل»! وليتها نظيفة أو تتجدد ويعمل لها صيانة، لا بل من أقبح المناظر ومليئة بما يلقيه المهملون المخربون من سياراتهم.

صحيح أن الواجهة البحرية جميلة ولكن يبقى شارع البلاجات على قصره جميلاً، وفيه عبق من الذكريات الغالية، وفيه روح الناس الذين عاشوا فيه لحظات حياتهم وخصوصياتهم وفرحهم، وهذا ما يميز كل شيء قديم في كل دولة.

فالقديم لا يسرق جمال الحديث، بل يضفي عليه رونقاً ويغمره ألقاً، وينقل لأطفالنا طبيعة حياة الآباء والأجداد ويغرس في أذهانهم كل معاني الوفاء والمحبة للمكان وروح الإنسان.

● د. نبيلة شهاب

back to top