«مافياوية» السياسة تضع إردوغان في عين العاصفة

نشر في 04-06-2021
آخر تحديث 04-06-2021 | 00:02
وزير الداخلية التركي سليمان صويلو  - الرئيس التركي رجب طيب إردوغان - رجل المافيا سادات بيكر
وزير الداخلية التركي سليمان صويلو - الرئيس التركي رجب طيب إردوغان - رجل المافيا سادات بيكر
حتى الفترة الأخيرة، عمد رجل مافيا تركي إلى تنظيم مسيرات عدة دعماً للرئيس رجب طيب إردوغان وهو يحظى بتأييد الأوساط الموالية للحكومة، لكنه أثار اضطرابات كبرى في تركيا منذ بداية شهر مايو بعدما نشر سلسلة من الفيديوهات لفضح الروابط الوثيقة بين الطبقة السياسية العليا و"العالم السفلي"، حتى أن منشوراته تشمل اتهامات مرتبطة بتجارة المخدرات والابتزاز وجرائم القتل ضد أعضاء في الحزب الحاكم أو شخصيات مقرّبة منه.

لا يُعتبر تواطؤ المسؤولين الحكوميين مع المجرمين ظاهرة جديدة في تركيا، لكنّ نطاق هذه المزاعم وخطورتها أجّجا المخاوف من تغيّر تركيا في عهد إردوغان الذي يحتكر الدولة التركية، برأي خصومه، منذ حصوله على صلاحيات تنفيذية كبرى في عام 2018.

قام سادات بيكر، رجل المافيا المُدان الذي غادر تركيا كما يقول في أواخر عام 2019 بعد خضوعه لتحقيق أمام الشرطة، باستهداف وزير الداخلية التركي سليمان صويلو الذي وعده بحمايته لكنه لم يلتزم بوعده، ولهذا السبب، أراد بيكر تصفية حساباته معه، فشاهد حتى 6 ملايين شخص كل واحد من الفيديوهات التي تمتد على ست ساعات ونشرها بيكر على موقع يوتيوب أثناء وجوده في دبي في الإمارات العربية المتحدة، مما أدى إلى توسيع دعوات المعارضة إلى إجراء تحقيق برلماني بهذه الادعاءات.

ينكر صويلو ومسؤولون آخرون استهدفهم بيكر هذه الاتهامات، لكن تبدو جميع الادعاءات لاذعة بدرجة يصعب تجاهلها برأي الكثيرين، حيث قدّم رجل المافيا تفاصيل كثيرة لدعم مزاعمه، منها تسجيلات على شكل مكالمات فيديو مع صحافي موالٍ للحكومة كان صلة وصل بينه وبين صويلو، فاعترف رجل المافيا أيضاً بالدور الذي أداه في حوادث معروفة مثل ضرب نائب سابق ومهاجمة مكاتب صحيفة "حرييت" التركية، وهو يزعم أنه نظّم تلك الاعتداءات بطلبٍ من أعضاء في "حزب العدالة والتنمية" الذي يرأسه إردوغان.

سرعان ما تحولت هذه الفضيحة إلى برنامج واقع ذات طابع سريالي، فبدأ رجل المافيا ووزير الداخلية يتبادلان الإهانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أمام أنظار ملايين الناس الراغبين في الاطلاع على "غسيل أنقرة القذر".

انتشرت مزاعم بيكر في ظل توسّع ادعاءات الفساد في أوساط "حزب العدالة والتنمية"، ومن المتوقع أن تتجاوز حدود تركيا لأنها تشمل تُهماً بتجارة المخدرات دولياً وتبييض الأموال وإقامة علاقات مريبة في قطاع الأعمال.

إذا صحّت هذه الادعاءات، فسيتجاوز المشهد الذي يصوّره بيكر حدود الفساد بالشكل الذي نعرفه وقد يصل إلى حدّ تجريم جهاز الدولة، وتوحي مزاعمه بأن جماعات الجريمة المنظمة استُعمِلت في صراعات السلطة داخل الحكومة وكانت أداة ناشطة لنشر الحملات الدعائية السياسية، وإدارة الاقتصادات الخفية، والتلاعب بوسائل الإعلام، ومضايقة المعارضة والمجتمع المدني.

بغض النظر عن تفاصيل الصراع الذي دفع بيكر إلى كشف هذه المعلومات، يكمن عاملان أساسيان وراء هذه المسألة:

العامل الأول: يحمل هذه العامل طابعاً اقتصادياً ويتعلق بالسيطرة على الاقتصاد التركي السري الذي توسّع بدرجة هائلة في السنوات الأخيرة وفق الادعاءات الشائعة، فلا تنجم زيادة العائدات غير الشرعية عن القطاعات السرية مثل الدعارة وتجارة المخدرات وتهريب الوقود فحسب، بل إنها تؤثر أيضاً على عمليات غير قانونية أخرى، بما في ذلك مظاهر الرشوة في المناقصات العامة والعمولات التي تدفعها الشركات الأجنبية التي تريد توسيع أعمالها في تركيا.

زادت كمية الأموال غير الشرعية بعد محاولة الانقلاب في عام 2016، فحمّلت أنقرة مسؤولية الانقلاب للواعظ المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله غولن، وصنّفت شبكة أتباعه الضخمة كمنظمة إرهابية تُعرَف باسم "فيتو"، وكجزءٍ من حملة القمع، تمت مصادرة الشركات التي يملكها مناصرو غولن قبل بيعها إلى أعوان "حزب العدالة والتنمية"، تبيّن لاحقاً أن عدداً كبيراً من رجال الأعمال المتّهمين بارتباطهم بحركة غولن دفع رشا كبيرة للتهرب من التحقيق أو المحاكمة في مساحة باتت تُعرَف اليوم باسم "سوق فيتو".

وفق مصادر الشرطة، ذكر الموقع الإخباري T24 أن قيمة الأموال غير الشرعية في إسطنبول وحدها بلغت 10 مليارات دولار في عام 2020 بعدما كانت تقتصر على 3 مليارات دولار في عام 2015.

السبب الثاني سياسي: منذ انتقال تركيا إلى نظام رئاسي تنفيذي في عام 2018، توسّعت صلاحيات الحكومة على حساب مظاهر المساءلة والشفافية، فقد ضيّقت السلطات الخناق على السلك القضائي ووسائل الإعلام في حين خسر البرلمان وظائفه الرقابية، وفي ردّ بارز على استفسارات المعارضة حول الإنفاق الحكومي في شهر نوفمبر الماضي، قال إردوغان إنه لم يعد يملك الوقت لتقديم هذا النوع من التفسيرات، وغالباً ما يتضح غياب المساءلة في أدنى مراتب "حزب العدالة والتنمية" وفي قاعدة مناصريه، ويقول النقاد من جهتهم إن الحكومة تتستر على عدد هائل من المخالفات ومظاهر الفساد ولا يمكن تسليط الضوء عليها طالما يبقى هذا الحزب في السلطة.

وفق هذا المنطق، أصبح التمسك بالسلطة مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى "حزب العدالة والتنمية"، فقد اصطف إردوغان مع حزب "الحركة القومية" اليميني المتطرف بعد صدامه مع أنصار غولن، مما أدى إلى زيادة جرأة الجماعات الإجرامية التي تحمل ميولاً قومية، على غرار عصابة بيكر.

ثمة رابط مباشر بين الفضائح والخطاب القومي الذي يركّز على المسائل الأمنية وتبنّته أنقرة منذ الانقلاب الفاشل، فاعتبرت مناصريه وطنيين ووضعت معارضيه في مصاف الأعداء، وفي ظل الظروف التي أنتجها هذا الخطاب، يستطيع الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم مدافعين أوفياء عن الدولة ويشوّهون سمعة المعارضة أن يرتقوا إلى أعلى مراتب السلطة بغض النظر عن مؤهلاتهم المهنية أو نزاهتهم الأخلاقية.

قد لا يؤثر هجوم بيكر ضد صويلو وشخصيات أخرى في "حزب العدالة والتنمية" على نِسَب تأييد إردوغان في استطلاعات الرأي مباشرةً، لكنه سيضعف مصداقية الحكومة حتماً ما لم تتخذ النيابة العامة وأغلبية نواب "حزب العدالة والتنمية" في البرلمان الخطوات اللازمة لإجراء تحقيق جدّي بهذه المزاعم. التزم إردوغان الصمت بشأن التُهَم الموجهة ضد صويلو، ويعتبر البعض هذا الموقف مؤشراً على احتمال أن يطلب منه الاستقالة، إذ يتمتع صويلو، مؤيد استعمال القوة في المسائل الأمنية، بشعبية واسعة وسط مناصري الحكومة، ويقال إنه عالق في حرب عصابات داخلية مع صهر إردوغان، بيرات البيرق. كتب صويلو تغريدة يعلن فيها استقالته بسبب قرار مثير للجدل يرتبط بالإقفال التام نتيجة تفشي فيروس كورونا في أبريل 2020 لكن إردوغان رفض استقالته حينها.

تعهد بيكر بالكشف عن معلومات إضافية، لذا تواجه الحكومة التركية اختباراً صعباً الآن كي تثبت التزامها بمحاربة الجرائم المنظمة والفساد، وقد يؤدي فشلها في احتواء هذه الفضيحة إلى نشوء أكبر أزمة سياسية يواجهها إردوغان كرئيس تنفيذي.

● ميتين غورجان - المونيتور

back to top