هل كولومبيا صديقة الصين الجديدة؟

نشر في 25-05-2021
آخر تحديث 25-05-2021 | 00:00
 ذي دبلومات تشهد كولومبيا أحداثاً غير عادية، ويبدو أن هذا البلد الذي اعتبره جو بايدن منذ وقتٍ غير طويل جزءاً محورياً من السياسة الأميركية في أميركا اللاتينية والكاريبي بدأ يتجه شرقاً، وتحديداً نحو المحور الصيني، إنها عملية صامتة لكنها مؤكدة.

تظهر شخصيات صينية اليوم على لافتات مُعلّقة فوق طرقات سريعة بناها الصينيون، وهي ظاهرة غير مسبوقة في دول أميركا الجنوبية، كذلك يتبادل الطلاب والباحثون الكولومبيون مِنَح "فولبرايت" الدراسية المحدودة مع مئات الصينيين الذين يدرسون الفرص المتاحة في جميع المجالات، وتبث القنوات التلفزيونية الوطنية برامج صينية متزايدة، بدءاً من الأعمال الدرامية التاريخية وصولاً إلى أفلام وثائقية حول الخبرة الصينية في مجال التنمية. حتى أن عدداً من كبار المسؤولين الكولومبيين أشاد بالصين أمام الهيئات الدولية على اعتبار أنها أحرزت تقدماً واضحاً في مجال حقوق الإنسان. إنها بداية تحوّل كبير برأي المراقبين.

ماذا وراء تفكير إدارة الرئيس الكولومبي إيفان دوكي إذاً؟ هل يعني هذا التحول الابتعاد نهائياً عن الولايات المتحدة مقابل التقرب من الصين؟

بالنسبة إلى حكومة تقف بقوة إلى جانب الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، سيكون الانضمام إلى مشروع الاتصال العالمي الصيني تحولاً عميقاً جداً، إذ يُعتبر توقيت هذا التحول غير مألوف أيضاً نظراً إلى المواجهة التي تزداد احتداماً بين إدارة بايدن والصين، لكن أدلة أخرى تشير إلى السير في هذا الاتجاه، وخلال زيارة دوكي إلى الصين في عام 2019، أطلقت الحكومة الكولومبية مبادرة كولومبية صينية مشتركة، وهي عبارة عن آلية تهدف إلى ترويج أهداف "مبادرة الحزام والطريق" من دون الانضمام رسمياً إلى هذا المشروع.

وفي بداية مارس 2020، تكلم السفير الصيني في كولومبيا، لان هيو، ونائب وزير الخارجية الكولومبي صراحةً عن خطط الانضمام إلى "مبادرة الحزام والطريق"، لكن وباء كورونا جاء ليعوق الاتفاقيات التي كان يُفترض أن يوقّع عليها الطرفان خلال زيارة دوكي إلى الصين في عام 2020، وفي مكالمة هاتفية بين شي جين بينغ ودوكي في فبراير الماضي، ناقش الطرفان احتمال تكثيف التعاون بين المبادرتَين.

لا يزال جدول أي زيارة رسمية محتملة في عام 2021 غير مؤكد، لكن أصبح التقارب المتزايد بين الطرفَين واضحاً جداً، فهل ستتخلى كولومبيا إذاً عن الولايات المتحدة؟

إنه خيار مستبعد، أو لن يُقدِم البلد على هذه الخطوة عمداً على الأقل، فقد ذكر دوكي في خطاب له في نوفمبر الماضي أن إدارته تنوي تعميق الروابط الاقتصادية مع الصين تزامناً مع الحفاظ على شراكة كولومبيا القديمة مع الولايات المتحدة.

هذا التوجّه منطقي: لقد تحسّنت مكانة الصين اليوم، على مستوى القدرات والمصالح، مما يسمح لها بالمشاركة في إعادة إحياء الاقتصاد الكولومبي في حقبة ما بعد كورونا أكثر من الولايات المتحدة التي تشهد شكلاً من إعادة التنظيم على يد إدارة بايدن الجديدة، ومع اقتراب موعد الانتخابات في كولومبيا خلال السنة المقبلة وفي ظل تفوق اليساري غوستافو بيترو على المرشحين الآخرين بفارق كبير، ستكون إدارة دوكي مستعدة للاستفادة من أي فوز تستطيع تحقيقه بغض النظر عن مصدره.

قد يُمهّد هذا الوضع لتعزيز التقارب بين كولومبيا والصين لأن واشنطن هي التي تركت فراغاً في قيادة المنطقة، رغم إعادة تأكيد المسؤولين في البيت لأبيض على طبيعة التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وكولومبيا، وسرعان ما جاءت قوى من خارج المنطقة لملء ذلك الفراغ، وقد تتوسع المسافة بين الطرفين أيضاً بسبب الاختلافات القائمة بين الزعيمَين حول مسائل مثل تنفيذ اتفاق السلام.

على المدى المتوسط قد لا يعود هذا القرار بيد الحكومة الوطنية، إذ تتطور العلاقات الصينية الكولومبية على يد لاعبين من خارج القصر الرئاسي، بما في ذلك الحكومات المحلية، والشركات، والجامعات، والمواطنون من القطاع الخاص.

قد لا تشتق هذه الصداقة من خيار واضح بل تحصل من باب المصادفة، لكن لا أحد يستطيع إنكار حقيقة هذه العلاقة الناشئة.

● ديفيد كاستريون - دبلومات

back to top