د. عبدالله النفيسي يلوم «المرشد البنا» والجهاز السري

نشر في 12-05-2021
آخر تحديث 12-05-2021 | 00:08
لا يمكن بحال تبرئة المرشد "حسن البنا" من دوره في زرع بذور العنف المنظم واستخدام القوة والعسكرة في الحركة الإسلامية العربية المعاصرة وقد تطور استخدام العنف لاحقا ليلد تنظيمات جهادية وانتحارية وجماعات مسلحة لا يعلم أحد مدى ارتباطها بجماعات الإخوان والتنظيم الدولي.
 خليل علي حيدر تعيدنا بعض انتقادات وملاحظات د.الحمود حول تنظيم الإخوان ومرشدها "حسن البنا" إلى الجهود الفكرية التي بذلها "د. عبدالله النفيسي" في داخل الحركة قبل سنوات ومحاولات الإنقاذ التي قام بها في أواخر سنة 1989 ولا بأس بالعودة اليها.

فقد جمع "د. النفيسي" آنذاك كما هو معروف بعض مفكري وأعلام الجماعة لتدارس مشاكلها في ندوة تشمل إعداد ومناقشة جملة أوراق وأبحاث في نقد الجماعة ومسارها في مصر وسورية وغيرها، ونشر د. النفيسي الأوراق كلها في كتاب عام 1989 بعنوان "الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية، أوراق في النقذ الذاتي"، ولم نقرأ حتى الآن بعد ثلاثين سنة أي رد على تلك الأوراق والملاحظات رغم موضوعيتها وتعرضها لجوانب حساسة من تنظيمات وسياسات الإخوان، وظل د. النفيسي طوال عام 1989 يتحدث عن المشاكل والمثالب نفسها في مقالات نشرت بجريدة (القبس) جمعها في كتاب آخر بعنوان "الحركة الإسلامية: ثغرات في الطريق"، 1992، أهداه كما كتابه الأول، "إلى الذين نحبهم ولكن نختلف معهم"، يقصد بالطبع جماعة الإخوان.

كان أحد الإخوان المصريين المشاركين في الأوراق النقدية المنشورة في الكتاب الأول د. محمد فتحي عثمان 1928-2010 بورقة عنوانها "الحركة الإسلامية: العنصر الدينامي الاجتهادي في أسسها الفكرية"، وكانت للحركات الإسلامية المعاصرة في ورقته ثلاث سلبيات: "في مجال الفكر: افتقاد التجديد والاجتهاد والانفتاح على جموع المسلمين العريضة وواقعهم وعلى العالم الواسع المعاصر بثقافاته وممارساته وافتقاد الحوار الجاد البناء مع النفس ومع الغير. وفي مجال التنظيم: غلبة الطاعة للقيادة على الشورى في حقيقتها وجوهرها، وغلبة الولاء للتنظيم المعين والتقوقع فيه عن النظر للحركة الإسلامية في مجموعها وللشعوب وللإنسانية ككل. وفي مجال التخطيط: الانطواء على النفس وتجاهل القاعدة العريضة في جماهير المسلمين وفي شعوب العالم".

(الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية، ص305).

وفي الكتاب نفسه، أخذ د. النفيسي على المرشد "حسن البنا" ثلاثة مآخذ مهمة: "أولها ضعف إشرافه على النظام الخاص، أي الجناح العسكري في الجماعة، وثانيها إهماله تدريب كوادر قيادية تتمتع بأهلية القيادة لتأتي من بعده، وثالثها تحامله الدائم على الحزبية والأحزاب مما يعكس لديه غياب النظرية المتكاملة لعلاقاته السياسية داخل مصر".

(الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية، الكويت 1989، ص216).

ولا مجال هنا لدراسة هذا النظام أو التنظيم السري للإخوان، ولكن لابد هنا من وقفة مع بعض التفاصيل المتعلقة بهذا النظام "الميليشي" المسلح داخل حزب ديني سياسي للدعوة والإصلاح!

ونرى د. النفيسي ينتقد "ضعف إشراف البنا" على النظام الخاص، أو ما يسميه "الجناح العسكري" في الإخوان، ولكنه لا يجد مبدئيا أي "خطأ" أو أي تجاوز أو مخاطر بتأسيس جناح سري مسلح يتبع حزبا إسلاميا يشارك في الانتخابات ويتحرك وسط المدنيين مختزنا السلاح غير الخاضع للدولة وربما المتفجرات! وهذا ما يؤخذ دائما على الأحزاب المسلحة في دول مثل لبنان والعراق وغيرها.

وقد يتساءل المؤرخ اليوم: هل كان يغفر للمرشد إنشاء هذا الجهاز العسكري وهذه الميليشيا لو كان أحسن الإشراف عليها وأدار الجهاز بكفاءة أكبر؟

وربما لم يدرس د. النفيسي ظروف تأسيس الجهاز السري خارج كتب وأقوال ومبررات الإخوان، د. زكريا بيومي مثلا صاحب كتاب "الإخوان المسلمون"، وهو باحث محايد وكتابه من منشورات "مكتبة وهبة" المعروفة بصلاتها بالإخوان، القاهرة 1979، يقول "إن الإخوان قد استعانوا ببعض الألمان في تنظيم جهازهم الخاص، فضلا عن محاولتهم الاستعانة بالألمان عن طريق عزيز المصري لضرب الجيش البريطاني المتقهقر من العلمين". (ص196).

ويقول الإخوان إن الجهاز كان لمقاومة "الصهيونية والاستعمار البريطاني" وهي مبررات يرفض د. النفيسي، ومعه الحق، تصديقها، فأهداف الإخوان من هذه التشكيلة الحزبية كانت لتعزيز قوتهم بالطبع والتسلط على الأوضاع.

ويكمن تناقض تحليل د. النفيسي للأسف في أنه يبرر للإخوان تأسيس هذا الجهاز وتشكيل ما يسميه "الجناج العسكري"، ثم يلوم المرشد لأنه، كما يعتقد د. النفيسي، "لم يكن يدرك خطورة هذه الخطوة".

ويدافع د. النفيسي أولا وبصراحة عن قرار الإخوان بتأسيس "جناح عسكري" ويقول: "من الطبيعي لجماعة الإخوان أن يكون لها جناحها العسكري خاصة في تلك المرحلة لكن كان ينبغي على البنا رحمه الله أن يدرك خطورة هذه الخطوة وجديتها بالنسبة لمستقبل الجماعة ككل ولأمنها عموما، فمواجهة الانكليز داخل مصر عسكريا ليس بالأمر الهين ولا مواجهة الصهاينة في فلسطين كذلك".

غير أن د. النفيسي سرعان ما يهاجم في الصفحة اللاحقة، فكرة تأسيس التنظيم السري المسلح من أساسها! بل يدحض تبرير إقامته بقوة في مواجهة "الانكليز والصهاينة"، يقول د. النفيسي مفندا فكرة التنظيم ويقول: "في رأيي أن قيام (النظام الخاص) من الأساس كان اجتهادا في غير محله، فهو قد نشأ وقاوم كما تقول مصادر الإخوان (لتواجه به الجماعة مسؤولياتها إزاء الإنكليز في الداخل والصهاينة في فلسطين). كما يقول صلاح شادي على سبيل المثال لا الحصر والسؤال الذي يلح علي: هل كان بإمكان الإخوان في ذلك الوقت أو في أي وقت آخر مواجهة الإنكليز أو الصهاينة".

ثم يتساءل د. النفيسي: هل يعقل أن يواجه هذه القوة الدولية نفر من طلبة كلية الآداب في جامعة فؤاد الأول (القاهرة)؟ مهما أخلصوا النيات والأعمال فالواقع السياسي والعسكري فوق الأرض لا تغيره النيات بقدر ما تغيره الإمكانات، فما إمكانات (النظام الخاص) إزاء إمكانات (التاج البريطاني)؟ أما الصهاينة في فلسطين فمواجهتهم لا تقل صعوبة عن مواجهة الانكليز في داخل مصر آنذاك".

(الحركة الإسلامية، ص217- 218).

ولكن الباحث لا يتوغل أكثر من هذا في بحث الأسباب الحقيقية لقيام مرشد الإخوان ببناء ذلك التشكيل أو "الجناج العسكري" المسلح، اذا لم تكن "مقاومة الإنكليز والصهاينة" هي السبب؟! بل لم يلتفت كباحث أكاديمي، إلى الكتب والمقالات حول تنظيم الإخوان السري، والتي توالى صدورها، وفيها الكثير مما يستحق البحث، وبخاصة أن د. النفيسي يبحث بعد نحو نصف قرن، وبعد تجربة وفضائح سياسية مؤلمة ونتائج كارثية منها اغتيال المرشد نفسه عام 1949. ويقول د. ميتشل إن الجهاز الخاص لم يكن سريا تماما فقد كان تأسيسه في الواقع موضع ترحيب كل القياديين والبارزين في الحزب بعد عام 1948، إلا أن الذين علموا به قبل ذلك، يقول "د. ميتشل" في كتابه عن الإخوان، "لم يجدوا ما يبرر معارضته، وهكذا بينما حوى الجهاز السري القليل من الأعضاء، إلا أنه كفكرة كان مؤيدا من العموم".

(ص 348، الطبعة الأولى).

ويضيف الباحث الأميركي نفسه، "وقد قدرت المصادر المسؤولة عدد أعضاء الجهاز السري عام 1948 بألف عضو، وفي عام 1954 شهد الأعضاء أن عددهم يتراوح بين ألف وثلاثة آلاف، بينما قدرته الحكومة بأربعمئة".

كانت التعبئة الحماسية بروح القتال والعسكرة جزءا أساسيا في دعوة الإخوان، ويقول د. ميتشل: "كان الإخوان المسلمون أشد أثرا في عنفهم من سائر الجماعات على المسرح المصري، وكانت كتاباتها وخطبها مشبعة باستشهادات صيغت في تعابير حربية، وكثيراً ما ردد البنا على الأعضاء أنكم جيش الخلاص تحملون على أكتافكم رسالة التحرر، وأنكم كتائب تخليص هذه الأمة مما حاق بها من مصائب"، وكان رأي "البنا"، أن من يقللون من أهمية القتال والاستعداد له "ليسوا مخلصين لدينهم"، ثم ينتقل د. ميتشل إلى فقرة بالغة الأهمية فيقول: "كان البنا يمجد الموت كنتيجة هامة للجهاد بعبارة أصبحت ذات شهرة بين تراثه ألا وهي "فن الموت". نعم "إن الموت فن" وقد أمر القرآن الناس أن يحبوا الموت أكثر من حبهم الحياة، فإن لم تحل فلسفة القرآن حول الموت محل "حب الحياة" الذي استغرق المسلمين، فلن يبلغوا أمرا أو يصلوا إلى غاية، ولن يتحقق لهم نصر إلا إذا أحسنوا "فن الموت"؟

(ص351).

هل كان التنظيم السري أو الجهاز الخاص في جماعة الإخوان منطلقا وبداية للعنف والتنظيمات "الجهادية" التي لا نزال نراها في كل مكان؟ وهل كان المرشد البنا الأب الروحي والمؤدلج لـ"صناعة الموت" وتوظيف العسكرة والسلاح في الحركة الإسلامية المعاصرة في العالم العربي؟ هذا بحث بحاجة الى مقالات أخرى! وبخاصة أن "البنا" كان معجبا بقادة النازية والفاشية، والتعبئة العامة للشباب وتنظيم الكتائب والكشافة والجوالة.

ماذا عن "المناهج الدراسية" لأعضاء "الجهاز الخاص" أو "الجناح العسكري"، وما كانت عناصر هذا المنهج الدراسي؟ أتاح لنا عضو الجهاز "أحمد عادل كمال" في كتابه المعروف "النقط فوق الحروف: الإخوان المسلمون والنظام الخاص"، القاهرة 1987، فرصة نادرة للاطلاع على جوانب من هذا المنهج.

وقد تضمن المنهج كما هو متوقع مواد وكتبا دينية تنظيمية، لعل أبرزها كتيب البنا "المأثورات"، وهي مجموعة الأدعية التي يطلب التنظيم حفظها أو استظهارها، الى جانب كتب ومعلومات عن "المصارعة اليابانية" وغيرها. ومن مواد المنهج "رسالة في المفرقعات"، و"دراسة الأسلحة الصغيرة"!

وكان الامتحان النهائي في برنامج التجمع الثاني للتنظيم، بعد 1950، يستغرق 180 دقيقة، وكانت ثمة أسئلة عملية الى جانب الأسئلة الدينية! أسئلة في القتال والتفجير من قبيل: "اذكر ما تعرفه عن ميزات قنبلة الانيرجيا، وفيم تستعمل؟ اذكر مواضع الطعن القاتلة؟ وكيف تصيبها من خصمك؟ اشرح كوكتيل مولوتوف وكيفية استعماله، اذكر ميزات استعمال النسف بالكهرباء واستعمال النسف بالفتيل". وكان أحد الأسئلة ذا خطورة خاصة يعتمد عليها 1/ 4 علامة بند المفرقات في الاختبار: "احتجت الى قنبلة 75 ولم تجدها، اذكر تفصيلا كيف تجهزها محليا؟ وما استعمالها؟".

(النقط فوق الحروف، ص281).

لا يمكن بحال تبرئة المرشد "حسن البنا" من دوره في زرع بذور العنف المنظم واستخدام القوة والعسكرة في الحركة الإسلامية العربية المعاصرة وقد تطور استخدام العنف لاحقا ليلد تنظيمات جهادية وانتحارية وجماعات مسلحة لا يعلم أحد مدى ارتباطها بجماعات الإخوان والتنظيم الدولي، رغم تجنب الإخوان التورط في مثل هذه النشاطات ما وسعهم ذلك، ولكن لا يخفى كذلك أن الكثير من مؤسسي وقادة جماعات العنف، درسوا الابتدائية والإعدادية في مدارس الإخوان، كما لا تزال كتب الإخوان مادة مهمة في التعبئة الجهادية المسلحة.

خليل علي حيدر

د. النفيسي أخذ في كتابه «الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية" على حسن البنا ثلاثة مآخذ مهمة أولها ضعف إشرافه على "الجناح العسكري»
back to top