المقدسيون يتصدون لاعتداء إسرائيلي على «الأقصى»

• قضية منازل «الشيخ جراح» ليست مجرد نزاع عقاري

• أكثر من 300 جريح بينهم حالات حرجة... ومصر والأردن تستدعيان القائم بالأعمال الإسرائيلي
• نتنياهو يتعمد التصعيد لإحراج خصومه ويلمح لتعديل الوضع القائم في القدس

نشر في 11-05-2021
آخر تحديث 11-05-2021 | 00:05
شهدت القدس الشرقية أمس، خصوصا في باحات المسجد الأقصى، مواجهات عنيفة وعمليات كر وفر، تصدى خلالها مئات المقدسيين المعتكفين في العشر الأواخر من شهر رمضان لمستوطنين هاجموا «الأقصى»، وهو ما ردت عليه الشرطة الإسرائيلية باقتحام الحرم القدسي، فضلا عن اجتياح مجموعات من المستوطنين اليهود الأحياء القديمة من المدينة المقدسة، لإحياء ذكرى احتلال إسرائيل للقدس الشرقية في 1967، والمعروف لديهم باسم «يوم توحيد القدس».

مئات الإصابات

وفي عملية أوقعت «مئات الإصابات»، اقتحمت قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي الحرم القدسي من جهة باب المغاربة، وحاصرت المعتكفين داخل المسجد القبلي، وأطلقت وابلا من قنابل الغاز والصوت والرصاص المطاطي، مستهدفة المناطق العلوية من الجسد، وخصوصا رأس ووجه كل من يوجد فيه.

وأفاد المركز الفلسطيني للإعلام بأن القوات الإسرائيلية صادرت كل مفاتيح المسجد الأقصى، وتحاول طرد مديره الشيخ عمر الكسواني، وموظفي «الأوقاف» الموجودين معه في المكتب لإفراغ المسجد تماما. وأطلقت مآذن القدس نداء موحدا للفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم، للتدخل من أجل فك حصار قوات الاحتلال على المسجد الأقصى وإنقاذ المصلين المحتجزين.

وأحصى «الهلال الأحمر» إصابة أكثر من 180 فلسطينيا في المواجهات بالمسجد الأقصى ومحيط البلدة القديمة، بينهم مصابون مباشرة في الرأس بالرصاص المعدني، مؤكدا وقوع إصابات في صفوف طواقمه العاملة في محيط الحرم.

انتفاضة ثالثة؟

قالت صحيفة «هآرتس» اليسارية الإسرائيلية، إن القدس لديها جميع «مكونات» اشعال الانتفاضة الفلسطينية الثالثة رغم أن التوتر حتى الان لا يرقى الى ذلك.

وكتبت الصحيفة في تحليل إخباري أن «تتابع الأحداث في القدس الشرقية خلال الأسابيع القليلة الماضية تسبب في تحويل المدينة إلى برميل بارود مرة أخرى»، واشارت الى أن «ممارسات الشرطة العدوانية التي تضم قادة لا يتمتعون بالخبرة اللازمة ادت إلى إشعال الموقف»، لكنها اضافت: «هذا لا يعني أن اندلاع انتفاضة ثالثة يبدو أمرا لا مفر منه».

وذكرت أنه «في القدس، حيث يبدو أن الشباب الفلسطينيين يركّزون على تأكيد سيطرتهم على بعض الشوارع، يشعرون أنهم حققوا هدفهم، من خلال إجبار الشرطة على رفع الحواجز من على بوابة دمشق، ولكنهم يدركون أيضاً أن إطالة أمد موجة العنف، مع وجود أمل بوصول السائحين مرة أخرى في الصيف المقبل، يمكن أن يؤدي إلى دمار مالي بالنسبة للآلاف من الأسر المتعثرة».

وبحسب «الهلال الأحمر»، أصيب أكثر من 305 فلسطينيين بينهم 7 بحالة حرجة، بعضهم بأعيرة مطاطية وقنابل صوتية، وأعلنت منظمة «يونيسف» أن 29 طفلا أصيبوا خلال يومين، بينهم رضيع يبلغ عاما واحدا، إضافة إلى توقيف ثمانية أطفال.

وحذر الكسواني من أن القوات الإسرائيلية حولت باحات الحرم القدسي إلى ساحة حرب، ونشرت عناصرها فوق سطح قبة الصخرة وعلى أبواب المسجد القبلي والمرواني، ودخلت العيادة وغرفة الصوتيات، وأطلقت الأعيرة المطاطية والغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت نحو المصلين مباشرة، واعتقلت كل من يخرج منه.

وقبل الاقتحام، أعلنت الشرطة الإسرائيلية أنها نشرت الآلاف من عناصرها في جميع أنحاء القدس، وقررت منع المستوطنين اليهود الذين تجمعوا عند حائط البراق (المبكى) القريب من الدخول إلى الباحات، مؤكدة أنها بعدما قامت بتقييم الوضع «لن تسمح بالزيارات للحرم القدسي، وستواصل ضمان حرية العبادة، ولكنها لن تتسامح مع أعمال الشغب».

مواجهات ودهس

وبعد ليلة ساخنة من الصدامات في باب العامود وباب الساهرة، امتدت المواجهات إلى خارج منطقة المسجد الأقصى، ووصلت إلى مقبرة باب الرحمة على الجانب الشرقي من أسوار الأقصى، وإلى داخل البلدة القديمة، في حين توسعت رقعة الغضب لتشمل الخط الأخضر وغزة، فضلا عن حي الشيخ جراح، الذي تخطط إسرائيل لتهجير 6 عائلات مقدسية منه لمصلحة مستوطنين يدعون ملكيتهم للأرض.

وفي خضم المواجهات بالقدس المحتلة، أقدم مستوطن على دهس شبان فلسطينيين قرب باب الأسباط بالقدس. وأظهر مقطع فيديو رجلا يقود سيارة بيضاء اللون، يحاول دهس عدد من المشاة عن قصد، واصطدم بعدد منهم وجدار حجري.

وشهدت مداخل الجامعة العبرية مواجهات بين طلاب فلسطينيين وإسرائيليين، على خلفية التصعيد الحاصل في القدس، وألقت قوات الاحتلال قنابل الصوت والغاز المدمع لتفريق المتظاهرين، واعتقلت عددا من الطلاب.

وعززت الشرطة الإسرائيلية قواتها بنحو 3 آلاف عنصر، لتأمين مسيرة «رقصة الأعلام»، التي انطلقت عصر أمس من أمام مقبرة مأمن الله غرب البلدة القديمة، بمشاركة 30 ألف مستوطن بمناسبة «يوم توحيد القدس»، لاقتحام المسجد في الذكرى السنوية لسيطرة إسرائيل على القدس الشرقية خلال حرب 1967.

رام الله وغزة

وغير بعيد، شهدت رام الله مسيرة حاشدة جابت شوارع المدينة، رفع فيها المتظاهرون شعارات تدعو للتوجه إلى خطوط التماس، لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية في القدس.

وفي غزة، شنت إسرائيل سلسلة غارات على نقاط رصد حدودية تابعة للمقاومة الفلسطينية في مناطق متفرقة، وقصفت دبابات الجيش عددا من المواقع العسكرية التابعة لحركة حماس، ردا على إطلاق بالونات حارقة ومتفجرة، وإطلاق صواريخ على المستوطنات المحاذية للقطاع.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أن أربعة صواريخ أطلقت من غزة اعترضت القبة الحديدية أحدها في سماء مدينة عسقلان، وآخر سقط في منطقة مفتوحة، وفشلت عملية إطلاق اثنين، مبينا أنه قرر إغلاق المجال البحري أمام الصيادين قبالة شواطئ غزة، ردا على هذه الهجمات.

وأفاد جهاز الإطفاء عن اندلاع 40 حريقا في مناطق غلاف غزة ناتجة عن بالونات حارقة، موضحا أن «غالبية الحرائق اشتعلت في حقول أعشاب، ولم تتسبب في أضرار باستثناء حقل حنطة واحد، في حين أن حرائق أخرى لا زالت قيد التحقيق».

وأكد موقع «إسرائيل 24» أن «حركة القطارات بين مدينة أشكلون ونتيفوت جنوب إسرائيل توقفت بسبب بالون يحمل مواد متفجرة سقط على السكة الحديدية، كما تم إغلاق محطة القطارات في مدينة سديروت».

الخارجية الفلسطينية وهنية

وفيما أعلن رئيس الوزراء محمد آشتيه أن حكومته في حالة انعقاد دائم لمتابعة أحداث القدس ودعم صمود أبنائها، حذرت حركة حماس، على لسان رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، من أن «المقاومة مستعدة للدفاع عن الأقصى بأي ثمن».

إدارة بايدن

وفي ظل تزايد التوتر أيضا بسبب التهجير المزمع من حي الشيخ جراح، عبر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، في اتصال هاتفي مع نظيره الإسرائيلي مائير بن شبات، أمس الأول، عن «قلقه الشديد» إزاء الوضع في القدس، بما في ذلك الطرد المحتمل للأسر الفلسطينية.

وبينما أفادت تقارير بأن إدارة الرئيس جو بايدن تشعر بالغضب تجاه التصرفات الإسرائيلية قال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبوردينة إن اقتحام «الأقصى» هو «تحد جديد للمجتمع الدولي، وتحديدا للجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية».

موقف عربي

ودانت الدول العربية الست، التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، القمع الذي مارسته في نهاية الأسبوع في مجمع الأقصى.

واستدعت مصر والأردن ممثل إسرائيل لديهما، للاحتجاج على أعمال العنف في الحرم القدسي، وطالبت الخارجية الأردنية القائم بالأعمال الإسرائيلي بنقل رسالة إلى السلطات الإسرائيلية بضرورة التقيد بالتزاماتها كقوة قائمة بالاحتلال في القدس الشرقية.

نتنياهو

وغداة رفضه وقف البناء الاستيطاني في القدس، ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عزمه تغيير الوضع الراهن في القدس، حيث تعود السيادة على المناطق المقدسة للأردن.

وتتهم قوى سياسية إسرائيلية بتعمد التصعيد لإرباك الوضع السياسي، خصوصا بعد فشله في تشكيل حكومة، وتكليف غريمه يائير لابيد بتشكيل حكومة جديدة، بعد رابع انتخابات في غضون عامين. ولم يعلق لابيد على التصعيد رغم اقترابه من التوصل الى اتفاق مع منصور عباس زعيم «القائمة العربية» لتشكيل حكومة ائتلافية.

وقال نتنياهو، في حفل تأبين على جبل هرتسل لليهود الإثيوبيين، الذين لقوا حتفهم وهم في طريقهم إلى إسرائيل قبل عشرات السنين، «صراع نيتشه (نظرية الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه) في قلب القدس، ليس بالصراع الجديد»، مضيفا: «ما يجري في القدس هو صراع عمره مئات السنين منذ ظهور الديانات التوحيدية الثلاث. في كل مرة يسيطر أحد الأطراف ويمنع أبناء الديانة الأخرى من العبادة. السيادة الإسرائيلية فقط هي التي تسمح بالحرية الدينية للجميع».

قضية منازل «الشيخ جراح» ليست مجرد نزاع عقاري

تحولت قضية طرد إسرائيل 6 عائلات عربية من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، إلى قضية رمزية "امتدت بعيداً"، حيث أصبح الحي في غضون أسبوعين محور تصعيد التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

اتفاق مع الأردن

وأمس الأول، أجلت المحكمة العليا الإسرائيلية للمرة الثالثة حكماً حول ما إذا كانت ستؤيد إخلاء 6 عائلات من الحي لصالح مستوطنين يهود، في معركة قانونية مستمرة منذ عقود، يصفها المسؤولون الإسرائيليون بأنها مجرد "نزاع عقاري".

وكانت محكمة إسرائيلية أدنى درجة قد قضت بأن الأرض المتنازع عليها كانت تخص يهودا في القدس الشرقية قبل عام 1948.

ويقول الفلسطينيون سكان المنازل المهددة بالاخلاء، وهم مهجرون فلسطينيون من مدن فلسطينية خلال حرب 1948، انتقلوا إلى حي الشيخ جراح في الخمسينيات من القرن الماضي، إنهم حصلوا على منازلهم بموجب اتفاق بين الاردن الذي كانت القدس الشرقية تابعة له آنذاك، ومنظمة "الأونروا".

ويشيرون الى أن الاتفاق كان يقضي بأن يحصلوا على ملكية المنازل في غضون 3 سنوات مقابل التخلي عن المساعدات التي كانت تمنحها "الأونروا" للفلسطينيين، لكن الحرب حالت دون نقل الملكية إليهم. وأيد الاردن هذه الرواية وقدم وثائق للفلسطينين وللأمم المتحدة تظهر أن الاتفاق عقد بالفعل.

قبر الحاخام سمعان

في المقابل، يعتبر المستوطنون اليهود والنشطاء الإسرائيليون اليمينيون أن السكان الفلسطينيين مقيمون في ذلك الحي بـ "وضع يد"، وأن الحي الذي أقيم بجانب قبر الحاخام سمعان العادل، وهو كاهن يهودي بارز منذ العصور القديمة. وكان الموقع يهودياً حتى عام 1948، وتحول منذ ذلك إلى سبب في توتر دائم بين الفلسطينيين الذين يقيمون هناك ويشكلون أغلبية سكان الحي والمتدينين اليهود الذين يأتون لزيارة الموقع.

توترات باب العامود

ويأتي هذا التصعيد عقب تصاعد التوترات في القدس في أبريل، بعدما فرضت الشرطة قيوداً على التجمعات في ساحة باب العامود في القدس الشرقية المحازية لحي الشيخ جراح، مما أدى إلى وقوع اشتباكات ومظاهرات هتف فيها إسرائيليون يمينيون متطرفون "الموت للعرب"، وسط هجمات جماعية شنتها جماعات يهودية وعربية.

انتخابات مؤجلة وأخرى معلقة

وقد زاد تأجيل الانتخابات الفلسطينية مؤخراً من إحباط العرب، كما تفاقم التوتر بسبب فراغ السلطة في إسرائيل بسبب عدم وجود حكومة دائمة منذ انتخابات مارس غير الحاسمة.

ويخشى المحللون من أن هذه التوترات قد تتفاقم اذا فصلت المحكمة العليا في قضية الشيخ جراح. وأجلت المحكمة حكمها للمرة الثالثة بطلب من المدعي العام.

يوم القدس

ولو انعقدت الجلسة، أمس، كانت ستتزامن مع يوم توحيد القدس، وهو الاحتفال الإسرائيلي السنوي بالاستيلاء على النصف الشرقي من المدينة في عام 1967، والذي تحييه المجموعات المؤيدة للمستوطنين عادة بمسيرات استفزازية عبر المناطق العربية.

نسبة الـ %30

ويقول فلسطينيون ومدافعون عن حقوق الإنسان إن عمليات الإخلاء جزء من استراتيجية أوسع لتعزيز السيطرة اليهودية على القدس الشرقية، وهي المنطقة التي يأمل الفلسطينيون أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية في المستقبل.

وكانت حددت خطة حضرية نشرتها سلطات القدس في عام 2004 هدفاً صريحاً يتمثل في إبقاء النسبة العربية من سكان المدينة عند 30%، لكن في الواقع، ارتفعت النسبة إلى ما يقرب 40%.

ويعتبر الفلسطينيون ومناصروهم عمليات الإخلاء، إلى جانب القيود المفروضة على تصاريح البناء، نوعاً من التطهير العرقي.

القانون غير عادل

وقبل أيام أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الى ثغرة بالقانون الاسرائيلي تعزز التوتر، فهذا القانون يسمح لليهود باستعادة ملكية الأراضي التي أخلوها في حرب 1948، لكنه يحرم الفلسطينيين من الحق في استعادة الممتلكات التي فقدوها في نفس الحرب.

وأكدت فلور حسن ناحوم، نائبة رئيس بلدية القدس، أن ذلك التناقض ضروري للحفاظ على الطابع اليهودي لإسرائيل، معقبة: "بالطبع، هناك قوانين قد يعتبرها البعض لصالح اليهود، وذلك لأنها دولة يهودية".

back to top