«طالبان» ووعودها الشائكة

نشر في 09-05-2021
آخر تحديث 09-05-2021 | 00:00
أسهم الاتفاق بين طالبان وأميركا في فرض شكل محدود من وقف إطلاق النار بين الطرفين وانتزع من «طالبان» وعداً مفاده أن الحركة ستمنع الجماعات الأخرى من استعمال الأراضي الأفغانية ضد المصالح الأميركية، وهذا البند بالذات ربط الاتفاق بالمهمة الأميركية الأصلية التي تقضي بهزم «القاعدة» في أفغانستان.
 ذي دبلومات أعلنت الولايات المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن انسحابها الكامل من أفغانستان بحلول سبتمبر المقبل، ويُفترض أن يكون هذا الانسحاب مرتبطاً بالاتفاق المبرم مع حركة "طالبان" في فبراير 2020، لكن أوضحت "طالبان" من جهتها أنها تعتبر الجدول الزمني الجديد انتهاكاً للاتفاق الأصلي الذي يدعو إلى الانسحاب الأميركي من أفغانستان في 1 مايو.

أسهم ذلك الاتفاق في فرض شكل محدود من وقف إطلاق النار (بين الولايات المتحدة و"طالبان" فقط) وانتزع من "طالبان" وعداً مفاده أن الحركة ستمنع الجماعات الأخرى من استعمال الأراضي الأفغانية ضد المصالح الأميركية، وهذا البند بالذات ربط الاتفاق بالمهمة الأميركية الأصلية التي تقضي بهزم "القاعدة" في أفغانستان، لكن رغم محاولات إدارة أوباما تصوير اغتيال زعيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، كهزيمة للتنظيم، اتّضح بعد فترة قصيرة أن الحركة لم تتغير كثيراً، فقد تابعت الاستفادة من مرونة الجماعات الجهادية في المنطقة ككل وشكّلت تحالفات معها.

كانت حركة "طالبان" خلال عهدها الأول قد فرضت سطوة كاملة على الأراضي التي تسيطر عليها وحكمت مناطقها بموجب نظام الحزب الواحد الاستبدادي، وفي آخر عشرين سنة، سمحت الجمهورية الأفغانية لمختلف الأحزاب السياسية بتكوين قاعدتها وترسيخ مكانتها العامة، حتى أنها ساعدتها في تقوية شرعيتها عبر العمليات الديمقراطية، ولهذا السبب، ستطرح أي تسوية تتجاهل هذه الكيانات أو تُهمّشها مستقبلاً إشكالية كبرى.

ترسّخت الخلافات القائمة بين "طالبان" والجماعات السياسية الأخرى في آخر عشرين سنة، نظراً إلى تصاعد مستويات العنف ومكانة الأحزاب السياسية داخل الجمهورية التي تعتبرها "طالبان" دمية بيد الخارج وعائقاً بحد ذاته. قد تنشأ دولة فاشلة أو يصبح البلد على شفير الفشل نتيجة السياق السياسي الجديد الذي يترافق مع تراجع تكافؤ القوة بين حركة "طالبان" والأحزاب السياسية الأخرى (وهو واقع سترفض "طالبان" تقبّله طبعاً)، بالإضافة إلى انعدام الثقة بين مختلف الجماعات.

أمام هذا الوضع، لا بد من التساؤل: إذا عجزت "طالبان" عن احتواء "القاعدة" أو السيطرة عليها منذ عشرين سنة، حين كان نظامها يملك سلطة مطلقة، فكيف يُعقَل أن تنجح الآن؟

كان يعقوب الإبراهيمي من جامعة "كارلتون" جزءاً من مجموعة محللين سلّطوا الضوء على دور هشاشة الدولة في نشوء الجماعات الجهادية وتكاثرها. تكون هشاشة الدولة كفيلة بإنشاء ملاذات آمنة للمقاتلين المحتملين وتسمح لهم بتنفيذ عملياتهم، وبسبب الفساد المستفحل وطبيعة الجمهورية الفاشلة، قد تنشأ ظروف مؤاتية لتكاثر حركات التمرد والجماعات المتطرفة. هذا ما حصل بكل وضوح غداة أحداث الربيع العربي، وتكرر الوضع نفسه في الصومال واليمن والعراق وأفغانستان سابقاً، فقد تكون هشاشة الدولة السبب الأصلي للمشكلة إذاً، لكنها شرط مسبق أيضاً لظهور عوامل أخرى مثل تراجع الشرعية وضعف السلطة، كما تشير الشرعية إلى الدعم الشعبي الذي تحظى به الدولة محلياً ودولياً، أما السلطة، فتعني قدرة الدولة على فرض أعمال عنف شرعية داخل أراضيها، فقد كانت أفغانستان تفتقر إلى الشرعية والسلطة معاً خلال سنوات عهدها الجمهوري.

لكن كيف نجحت الجماعات الجهادية في التوسّع داخل الجمهورية الأفغانية التي كانت تحظى بدعم دولي على المستوى العسكري وتتمتع بالشرعية أيضاً؟ وكيف يُعقَل أن يقدم النظام السياسي المرتقب، بغض النظر عن طبيعته، أداءً أفضل من سابقه في ظل الظروف المتدهورة اليوم؟ في الوقت نفسه، يجب ألا ننسى طبيعة "القاعدة" المتطورة وتحوّلها إلى تجسيد حي لهدفها الأصلي، مما يعني أن تصبح ركيزة للجهاد الدولي، فـ"القاعدة" ستتابع البحث عن بلدٍ تدير منه شؤونها، وستبقى أفغانستان المرشّحة المثالية لأداء هذا الدور دوماً.

عبيد الله بحير - دبلومات

back to top