مذبحة بني مزار... لغزٌ محيِّر عمره 16 سنة

حادثة مروعة هزت صعيد مصر ولا يزال الفاعل مجهولاً

نشر في 05-05-2021
آخر تحديث 05-05-2021 | 00:00
No Image Caption
وقعت أحداث تلك الجريمة الدامية في 29 ديسمبر 2005، وتحولت قرية «شمس الدين» في محافظة المنيا بصعيد مصر إلى ساحة لرجال الأمن والإعلام، وأثبتت التحقيقات والأوراق الرسمية وتقارير الطب الشرعي أن الجاني ارتكب عشر جرائم قتل لاستئصال أعضاء بشرية من أجساد أفراد ينتمون لثلاث عائلات مختلفة،
ولا يزال الغموض يكتنف «مذبحة بني مزار» حتى اليوم!
دخلت قضية "مذبحة بني مزار" إلى دوائر الغموض، وشارفت على أن تكون جريمة كاملة، لحين الاستدلال على هوية الجناة، فهناك جرائم فر منفذوها من قبضة العدالة، ومرت سنوات على ارتكابها، وظلت تفاصيلها لغزا حيَّر رجال الشرطة، ودفعتهم في أغلب الحالات إلى حفظ القضية تحت مسمى "ضد مجهول".

وصارت تلك الجريمة من أبرز القضايا التي شغلت الرأي العام، واهتمت بها وسائل الإعلام بجميع أطيافها بنقل تفاصيلها ووقائعها لحظة بلحظة، ولا تزال باقية في الذاكرة حتى الآن، بسبب ملابساتها المعقدة، أو نتائجها الصعبة والمؤثرة، التي تتشابك فيها التفاصيل، وتتوه معها الحقائق، ولا يزال الجاني فيها مجهولا حتى الآن.

اقرأ أيضا

الشبح القاتل

استيقظ أهالي القرية الهادئة على تلك المذبحة البشعة، وبذلت الجهات المعنية جهداً كبيراً لكشف غموض تلك القضية المُحيِّرة، وتحوَّل الجاني إلى شبح غير مرئي، عقب ارتكابه جرائمه تحت ستار الليل، وتسلَّل قبل شروق الشمس، من دون أن يترك خلفه دليل إدانته، ويثير الفزع في القلوب الآمنة.

وكشفت التحقيقات تفاصيل تلك المذبحة التي بدأت بعد منتصف الليل، بعد أن توجه الجاني صوب البيت الأول، وقتل كلاً من رب المنزل وزوجته "صباح" وطفليهما أحمد (8 سنوات)، وفاطمة (7 سنوات) في أثناء نومهم، وفي المنزل الثاني قتل المحامي الشاب طه (28 عاماً) ووالدته، واختتم جرائمه بقتل المدرّس أحمد أبوبكر (48 عاماً)، وزوجته بثينة (35 عاماً)، وطفلتهما أسماء وطفلهما الرضيع محمود.

الخيط المفقود

وانطوت تفاصيل تلك الساعات الرهيبة، قبل شروق الشمس، واختفى الجاني المجهول من مسرح الجريمة، وإمعانا في الغموض والإثارة حول قضيته، طرأت على عقله فكرة شيطانية، إذ ذبح بعض طيور الحمام، وألقاها بجوار جثث ضحاياه، وتسلل بعدها في جنح ظلام الليل، تاركا لغزا كبيرا حول قضية محيرة، ودوافع متشظية، وأسئلة غامضة لا تفضي إلى معرفة السبب الحقيقي من وراء تلك الجرائم بحق هؤلاء الأبرياء.

حفلت القضية بسيناريوهات مختلفة، حول شخص مجهول تنقّل بين ثلاثة منازل ريفية، وقتل عشرة أشخاص ثم تبخر تماما، ودارت الشكوك حول أن مرتكب الجريمة عدة أشخاص، وخططوا لتنفيذها، بغرض استئصال أعضاء الضحايا في وقت قياسي، وباتت دوافعهم خارج دائرة الانتقام، وأن الجناة لديهم ميول سادية، وعمدوا إلى إثارة الفزع من أهوال تلك المذبحة.

وعقب وقوع الجريمة، كشفت مناظرة النيابة لجثامين الضحايا أن الجاني ذبح ضحاياه باستخدام آلة حادة "سكين"، وقتل جميع الضحايا بطريقة واحدة، بإحداث جرح قطعي ممتد من منتصف الرقبة إلى أسفل الأُذن‏، ومثَّل بجثثهم بطريقة وحشية، فانتزع الأعضاء التناسلية لهم ذكوراً وإناثاً، وأن تلك الجريمة استغرقت نحو ساعتين ونصف الساعة قبل أن تشرق الشمس.

ورجحت المعاينة أن الجاني تسلّل تحت جنح الظلام في ساعة متأخرة من الليل، وبعد تأكده أن شوارع القرية خالية من المارة في تلك الليلة الباردة، وأقدم على اقتحام المنازل عبر الأسطح، فلا توجد أي علامات عنف أو كسر لأبواب المنازل ونوافذها، إذ كانت كلها مغلقة من الداخل، وباغت الضحايا وهم نيام، وهشَّم رؤوسهم بآلة حادة، ثم مثَّل بجثثهم بعد وفاتهم.

وكان من الصعب رفع البصمات بسبب وجود أعداد كبيرة من المواطنين داخل منازل الأسر الثلاثة، قبل وصول أجهزة الأمن ورجال النيابة العامة، وجرى العثور على خمس حمامات مذبوحة في منزل المدرّس الذي يربي الطيور في إحدى غرف بيته، وتبين أيضا أن الجاني لم يترك أي آثار أو أدلة وراءه، والمثير للدهشة أن أيا من الجثث لم يبد عليه أي آثار للمقاومة توحي بمجرد الشعور بالقاتل.

وتحركت أجهزة الأمن لكشف هوية الفاعل المجهول، والتحري عن دوافعه الحقيقية لارتكاب تلك الجريمة، واتضح عدم وجود سرقات أو خصومة تبرر للجاني الثأر من الضحايا، وتعثر الاستدلال على خيط يقود رجال الأمن والبحث الجنائي إلى معرفة سر تلك المذبحة، وفي كل يوم تزداد القضية غموضا، وتتباعد المسافة بين القاتل وقبضة العدالة.

أقوال الشهود

وكانت قرية "شمس الدين" مسالمة كعادة جميع قرى مصر، ويرتبط أهلها بأواصر القرابة والمصاهرة، وتلك أولى المصاعب التي واجهت فريق البحث، فالأسر الثلاث لا عداوة لها مع أحد، ولا يربطها ببعضها أي رابط سوى الجيرة، وبالطبع جرى استبعاد الدوافع التقليدية للقتل في صعيد مصر، مثل الثأر أو النزاع على الأراضي أو جرائم الشرف أو غيرها.

وتكثفت الإجراءات الأمنية، بتشكيل فريق بحثٍ على مستوى عالٍ من كبار ضباط وزارة الداخلية، وبالتنسيق مع محافظ المنيا ومدير أمن المحافظة ومساعد وزير الداخلية لمنطقة شمال الصعيد، وجرى وضع خطة بحث لكل الظروف المحيطة بالمجني عليهم، وتوسيع دائرة البحث لتشمل فحص كل مَنْ يُحتَمَل أن تكون له علاقة بالجريمة... وعتاة الإجرام من أرباب السوابق والمسجلين، وعمل العديد من الأكمنة على مداخل ومخارج محافظة المنيا كلها، إضافة إلى سياج أمني أحاط القرية عقب وقوع الجريمة.

وأثبتت التحقيقات والمعاينات الأولية لرجال الأمن وفريق النيابة أن المنازل الثلاثة التي شهدت الجريمة تقع في شارع واحد رئيسي في القرية وهو أوسع شوارعها، وأن المنزل الأول يبعد عن الطريق الرئيسي بحوالي 250 مترا، وبجواره المنزلين الآخرين، وسهَّل تجاور المنازل الثلاثة تنقل الجاني عبر الأسطح، من دون كسر الأبواب أو النوافذ.

وكان المشهد بتفاصيله الدامية قد استقر في ملف القضية، وجاءت أقوال الشهود في لحظة مأساوية أغرقت أهالي القرية المسالمة في الحزن، ولا تزال آثار يوم 29 ديسمبر 2005 عالقة بأذهانهم حتى الآن، من دون أن يجدوا تفسيراً لما حدث، وسقوط الضحايا على هذا النحو، وبمرور الوقت تضاءلت فرص القبض على القاتل المجهول.

جاء في أقوال أبوبكر عبدالحميد (شقيق أحد الضحايا) أنه يعمل خبازا في مخبز القرية، واعتاد الاستيقاظ عند الفجر يوميا ليذهب إلى الصلاة في المسجد، ثم يعرج على منزل والدته التي تعيش مع شقيقه "طه" لإيقاظهما لصلاة الفجر، وفي ذلك الصباح طرق باب المنزل دون أن يجيبه أحد فاستخدم نسخة من مفتاح الباب، ولاحظ انطفاء مصباح الصالة على غير العادة، ودائما تتركه والدته مضاء أثناء الليل، فتوجه إلى غرفتها لإيقاظها، فوجدها جثة هامدة غارقة في دمائها، وأصابته صدمة عنيفة، وهرع إلى أخيه لإيقاظه في الغرفة المجاورة فوجده هو الآخر جثة هامدة وغارقا في دمائه، وهنا صرخ مستغيثا بالجيران، ثم سقط مغشيا عليه ولم يدرِ بشيء بعدها.

وتعالت صرخات الجيران وتناهى الصوت إلى أسماع الشقيقتين "زينب وأم هاشم"، اللتين تقطنان في الطابق الثاني من منزل مجاور، وهرعتا لاستطلاع الأمر، وهبطتا إلى الطابق الأرضي وتعالت صرخاتهما، ووجدتا والدهما وأمهما وشقيقيهما أحمد وفاطمة جثثا هامدة غارقين في دمائهم، وتهاوت الفتاتان مغشيا عليهما.

وفي الوقت ذاته، تجمَّع أهل القرية عند البيتين المنكوبين لمشاهدة الفاجعة، وكان الطفل محمود طالب الإعدادية في طريقه من بيت جدته على الطرف الآخر من القرية، قاصدا منزل والده في نهاية الشارع الذي يحوي المنزلين المنكوبين، وكان قد نسي كتابه المدرسي، وانطلق إلى بيته ليأخذ الكتاب قبل ذهابه إلى المدرسة.

وتناهت إلى الصبي أصوات صاخبة، وراعَه مشهد الأهالي المجتمعين، ووقف للحظات يستطلع الأمر، وشاهد الرجال يبكون، والنساء يصرخن، ودب الرعب في قلبه الصغير، وبحث عن أبويه وسط الجمع فلم يجدهما، وأسرعت خطواته إلى بيته ليخبرهما بالفاجعة، وحين فتح الباب تعالت صرخاته، وعلى الأرض تناثرت جثث والده ووالدته وشقيقه محمد وأسماء غارقين في دمائهم، ولم يحتمل قلبه هول الصدمة فسقط هو الآخر ميتا إلى جوارهم!

اكتملت أصداء الفاجعة المدوية، وتتابع استجواب الشهود للوصول إلى أي خيط قد يقود إلى الجاني، ونفى محمد عزت عبداللطيف (ابن خالة المجني عليه يحيى)، في اقواله، وجود أي خلافات بين يحيى وأي شخص آخر، فهو يتسم بالطيبة الشديدة، ومخلص في عمله، وتربطه علاقة احترام ومحبة بجميع أهالي القرية.

واستحضر أحد الجيران تفاصيل تلك اللحظات الدامية، وقال إنه استيقظ في الساعة الثانية صباحاً على صوت نباح الكلاب، ولم يسمع أي استغاثات، فعاد للنوم، ولم يوقظه إلا صراخ الأهالي عند اكتشاف الجريمة، وهرع لاستطلاع الأمر، وأصيب بصدمة بالغة، حين علم بتفاصيل المذبحة البشعة.

الكنز المرصود

لملم أهالي القرية أحزانهم، وشيعوا جثث الضحايا إلى مثواها الأخير، وبعد أيام قليلة تناثرت شائعات تقول إن الجن وراء ارتكاب تلك الجرائم، وأنه ليس من المعقول أن يستطيع إنسان واحد قتل عشرة أشخاص في غضون ساعتين ونصف الساعة فقط، ويتنقل بين ثلاثة منازل بكل سلاسة ويسر، دون أن يستوقفه أحد أو يشعر به، إلى أن نجحت أجهزة الأمن في القبض على شاب يعاني مرضا نفسيا، ويُدعى محمد عبداللطيف، ويبلغ 27 عاماً وقُدِّم للمحاكمة، بعد إجراءات سريعة من قبل جهات التحقيق.

في ذلك الوقت، تردد أن المتهم عثر على كنز كبير أسفل القرية وحاول الوصول إليه، إلا أنه فشل، فقرر الاستعانة بالجن الذي طلب خمسة أعضاء تناسلية لرجال وخمسا مثلها لنساء وأطفال، وخمسة رؤوس لحمامات قربانا، وتزامنت تلك الأقاويل مع محاولة أخيرة من الجهات المعنية، لفحص المرضى النفسيين في نطاق موقع الجريمة، كاحتمال أن يكونوا وراء الحادث، ولم يتوقع أحد أن دائرة البحث تبتعد عن الجاني الحقيقي.

وسرت شائعة كالنار في الهشيم، مفادها أن هناك مقبرة فرعونية مليئة بالكنوز في مكان سري أسفل القرية، وأن المتهم عثر عليها مصادفة، وأنه حاول كثيرا فتحها وباءت محاولاته بالفشل، وارتكب جريمته لكي يمكِّنه الجن من فتح المقبرة والاستيلاء على الكنز المرصود، بما يكشف سر العثور على الحمامات المذبوحة بجوار كل جثة، وكان لا يذبحها عشوائيا، بل كان يختار ذكور الحمام فيذبحها بجوار جثث الذكور، والحمامات الإناث بجوار النساء، وأفراخ الحمام بجوار الأطفال!

وتداولت محكمة جنايات المنيا القضية على مدى سبع جلسات قبل أن تبرئ ساحة المتهم، كما أيدت محكمة النقض الحكم براءة المتهم مما نُسِب إليه من اتهامات، وأوضحت في حيثيات حكمها أن هناك تناقضا بين اعتراف المتهم بارتكاب المذبحة بسبب معاناته اضطرابا نفسيا، وتقرير اللجنة الطبية النفسية، الذي أكد سلامة قواه العقلية، واستحالة قيامه بذبح عشرة أشخاص خلال ساعتين ونصف الساعة، وعدم تصوُّر ارتكابه الجريمة بمفرده، إضافة إلى أن من قام بعملية بقر بطون الضحايا من دون المساس بالأمعاء والأجزاء الداخلية للبطن لابد أن يكون شخصا محترفا، وأن قطع الأعضاء التناسلية جرى بطريقة طبية.

وكان محامي المتهم دفع بعدد من الأدلة الدامغة على براءة موكله، منها الحذاء الذي جرى ضبطه في المحرزات ومقاسه 42، في حين يلبس موكله مقاس 45، وبعد ثلاث سنوات على الحادثة أصدرت المحكمة حكمها ببراءة المتهم مما أُسنِد إليه، وأسدِل الستار على مذبحة "بني مزار"، ولا يزال القاتل الحقيقي مجهولاً!

هشام محمد

المحكمة قضت ببراءة شخص مختل عقلياً من ارتكاب الجريمة

جريمة بشعة أستأصل فيها الجاني أعضاء تناسلية من 10 أشخاص

تقرير الشرطة يثبت أن القاتل على دراية بالعمليات الجراحية

شائعة الكنز المرصود تضع لصوص الآثار في دائرة الاشتباه
back to top