رصاصة طائشة تودي بحياة مطرب شاب في فرح شعبي

الجاني أراد الانتقام من فتاة أحلامه ليلة زفافها فأخطأ التصويب

نشر في 15-04-2021
آخر تحديث 15-04-2021 | 00:00
No Image Caption
تحولت ليلة الزفاف إلى مأساة، وسقط المطرب الشعبي مضرجا في دمائه، وسط ذهول العروسين والمدعوين، وانطلقت صرخات مدوية، وساد الذعر في أرجاء المكان، وحملت عربة الإسعاف الشاب المصاب إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة، ودفع حياته ثمنا لعشقه الغناء، واغتيل غدرا في أول مرة يغني فيها أمام الجمهور، بينما اختفى القاتل من مسرح الجريمة، دون أن يحقق رغبته في الانتقام، وبات في مرمى الاتهام بجريمة عبثية.
تشابكت تفاصيل تلك الجريمة بين قاتل أطلق رصاصة طائشة، وشاب في مقتبل العمر يحلم بالنجومية والشهرة، لكن حياته انتهت على نحو مأساوي، واكتنف الغموض دوافع الجاني لارتكاب جريمة، وكادت القضية تقيد ضد مجهول وليس بفعل فاعل، أراد أن ينتقم من الفتاة التي أحبها في ليلة عرسها، وباءت محاولته بالفشل، حين أخطأ التصويب بيد مرتجفة، وسقط الضحية أثناء اندماجه في الغناء.

في صباح يوم الجريمة، تحسس القاتل مسدسه، بينما تفصله ساعات عن ارتكاب جريمته، وإلحاق الأذى بالفتاة التي خفق لها قلبه، وتقدم لخطبتها، ولكنه فوجئ برفض أهلها طلبه، وتملكته مشاعر متضاربة بين الانتقام والرضوخ للأمر الواقع، وأن يخرج من رأسه تلك الأفكار الشيطانية، لاسيما أنه يحبها من طرف واحد، ولا تعرف عنه شيئا، سوى أنه شاب يعمل في إصلاح السيارات (ميكانيكي) ويسكن في شارع مجاور، وأراد الزواج منها، وكان ذلك كافيا أن يمر رفضه بسلام، ولا يترك أثرا في نفسه.

حاول حسين أن ينسى قصة حبه الصامت، إلا أن شيئا ما تغير في داخله، وتملكته عصبية غير مبررة لكل من حوله، حتى أنه دأب على افتعال المشاجرات مع أصدقائه، واعتاد أن يحوم حول منزل محبوبته، عله يراها في الشارع، ويبوح لها بمشاعره تجاهها، وتمنى أن يصادفها تمر بجوار محل عمله، فيقطع عليها الطريق، ويفاتحها في الأمر، وتقتنع بصدق رغبته في الزواج منها، وبدورها تضغط على أهلها، ويحظى معها بنهاية سعيدة.

وجاءت المصادفة لتبدد الخيالات التي عصفت بعقل العاشق الصامت، ويفيق على صدمة أطاحت بأوهامه، وتركته حائرا في متاهة من الأفكار الشيطانية، حين رأى فتاة أحلامه تسير مع خطيبها، وعيناها تلتمعان بالسعادة، ووقتها مادت الأرض تحت قدميه، ووقف مذهولا حتى غابا عن ناظريه، وأصابته لوثة مفاجئة، وصار يهذي بكلمات غير مفهومة، وترك محل عمله، وهام في الطرقات بغير هدى، ودون أن يعرف وجهته، وقطع مسافة طويلة بعيدا عن منزله، وأغلق هاتفه الجوال حتى لا يضطر للتحدث مع أمه أو أحد اخوته.

وتحول الحب الصامت إلى مرض ينهش في جسده، ولا تدري أسرته شيئا عما أصابه، وجعله لا يفارق غرفته لساعات طويلة، وفقد شهيته للطعام، وبات يتفوه بكلمات مقتضبة، ويطمئن أمه أنه بخير، لكنه لا يرغب في الخروج، وأعطاها بعض النقود، وطلب منها أن تتركه على حريته، ووعدها بأن يعود إلى حالته الطبيعية في أقرب وقت، بينما نوازع الانتقام تزلزل كيانه، وتطارده كوابيس مفزعة، وتلقي به وسط طوفان من الخيالات المتراكمة في عقله الباطن، حتى داهمه رهاب النوم، وأصرت أمه على أن يذهب إلى الطبيب، وشخص الأخير حالته بأنه لا يشكو من مرض عضوي، بل يعاني أزمة نفسية حادة، وعليه أن يتوجه إلى أقرب عيادة متخصصة، قبل أن تتدهور حالته، ويصعب علاجه.

وكان من الصعب أن يقتنع حسين بفكرة العلاج النفسي، ورفض أن يوصم بالاختلال العقلي، وقطع عزلته الاختيارية، وعاد مجددا إلى عمله، بينما تدور في عقله أفكار متضاربة حول الانتقام حتى لو أفضى به إلى ارتكاب جريمة، وصار مريضا لا يُرجى شفاؤه، وأحاط نفسه بسور عال، ورفض البوح بمأساته، ليقطع على نفسه طريق الرجوع، وينفذ خطته دون أن يثير الشبهات، ويقع في قبضة الشرطة، ويخسر كل شيء.

مسدس الشبيح

أدرك حسين أنه في مأزق، ولابد أن يصل إلى فكرةٍ تُشفي غليله، وذات يوم مر من أمام المقهى المجاور لمحل عمله، ولمح شخصا جالسا إلى طاولة في الداخل، فتسمرت قدماه للحظات، ثم تحرك في اتجاهه، وطلب منه بصوتٍ خافت أن يقتني له قطعة سلاح بأي ثمن يطلبه، ولم ينتظر إجابته، وانصرف من أمامه مسرعا، دون أن يلحظ أحد من الرواد تلك المحادثة الخاطفة، ويقع في دائرة الشبهات مع «شبيح» له سجل إجرامي، وسبق دخوله السجن في قضايا جنائية، ويتجنبه أهالي المنطقة.

وذات يوم كان حسين مستغرقا في إصلاح سيارة، ووجد «الشبيح» يقترب منه بخطوات بطيئة، ويضع أحد كفيه في جيب الجاكيت الذي يرتديه، وقال له: «طلبك موجود سأدخل المحل وبعدها افتعل معي مشاجرة»، وأخرج لفافة صغيرة من جيبه، وقبل أن يلتقطها طلب منه ثمنها، فأعطاه ما يريد، وأخفى اللفافة في درج مكتبه، وبعدها افتعل مشاجرة معه، وتجمع بعض المارة، وفضوا بينهما، وانصرف الشبيح بعد انتهاء المهمة.

وفي الأيام القليلة المتبقية على تنفيذ الجريمة، اعتاد حسين أن يغلق عليه باب غرفته، ويتدرب على حمل المسدس، وكيفية تصويبه إلى الهدف، ثم يخفيه في مكان خلف الدولاب الملتصق بالحائط، حتى لا تعثر عليه أمه أو أحد اخوته، وبعدها يتمدد فوق فراشه، ويخطط لجريمته، ويرسم سيناريوهات متعددة للتخلص من فتاته في ليلة زفافها، لكنه بدل خطته، واستقر على قتل عريسها، دون أن يدرك أن طلقته الطائشة ستستقر في جسد مطربٍ شاب، وأنه لن يفلت من قبضة الشرطة.

عاشق الغناء

كان القاتل والقتيل تفصلهما ساعات قليلة عن موعد الجريمة، وكلاهما لا يعرف الآخر، فالأول أراد الانتقام، والثاني يبدأ مشواره الاحترافي في عالم الغناء، ويحلم بالنجومية والشهرة، وبدأ عشقه للغناء في سن مبكرة، واعتاد أن يردد أغنيات كبار المطربين، ويلقى استحسان أفراد أسرته، لكن والده اشترط عليه أن ينال شهادة جامعية، وبعدها يشق طريقه كما يشاء، وامتثل صلاح لرغبة أبيه، وتفوق في دراسته، حتى تخرج في كلية التجارة، وحينها بحث عن فرصة ليظهر خلالها موهبته، وتحقيق حلمه الوحيد في الحياة.

وقرر المطرب الصاعد أن يرتقي سُلَم الشهرة درجة تلو أخرى، وطرق أبواب المنتجين دون فائدة، فنصحه أحدهم بالمشاركة في إحياء ليالي الزفاف، حتى يحقق الانتشار المطلوب، وبعدها ستفتح له الأبواب المغلقة، واقتنع صلاح بالفكرة، وترك بياناته الشخصية في مكاتب متعهدي تلك الحفلات، وبدت فرصته ضئيلة في خوض التجربة، لكنه لم يفقد الأمل، وفكر في أن يصقل موهبته بالدراسة، وانتظر رنين هاتفه بفارغ الصبر، حتى تلقى المهاتفة التي غيرت مجرى حياته أو بالأحرى أنهتها على نحو مأساوي.

في تلك الليلة أخبره متعهد الحفلات أنه سيحيي حفل زفافٍ في اليوم التالي، وعليه أن يحضر فوراً، وعقب انتهاء المكالمة، غادر منزله مسرعا، وبعد دقائق كان في مكتب المتعهد، واتفق معه على الأجر المحدد، وهناك قابل قائد الفرقة الموسيقية، واستمع الأخير إلى المطرب الصاعد في بعض الأغنيات، واطمأن أنه يمتلك صوتاً عذباً وأنه قادر على إحياء الحفل، وسيلقى نجاحاً كبيراً في المستقبل، وطلب منه أن يهتم بأناقته، ويرتدي بدلة كاملة مثل المطربين الكبار، وكان على صلاح أن يجتاز أصعب اختبار في بداية مشواره الفني.

ومرت الساعات بطيئة على المطرب الشاب، وبعد نوم متقطع، نظر إلى ساعته، ونهض من فراشه، وتأهب للخروج من المنزل، واطمأن الشاب على هيئته، وهو ينظر إلى المرآة، ثم أغلق باب غرفته، وألقى التحية على أمه، ومضى في طريقه إلى مكتب متعهد الحفلات، وهناك جلس في انتظار وصول العربة التى ستقله مع الفرقة الموسيقية إلى مكان الحفل.

اعترافات القاتل

انتفض حسين من نومه بعد كابوس مفزع، ونهض متثاقلا من فراشه، وبعد دقائق تأهب للخروج، وارتدى ملابسه، وحمل معه مسدسه، وغادر المنزل في طريقه إلى محل عمله، وكان قد رتب خطته الشيطانية للتخلص من غريمه، ومكث في المحل حتى حان الموعد المرتقب، وتحرك ناحية مكان الحفل، وكلما اقترب تسارعت دقات قلبه، وارتعشت أطرافه، وكادت قدماه تخذلانه ويعود من حيث أتى، لكنه سيطر على اضطرابه بصعوبة بالغة، ووقف يرقب الحاضرين، بينما لا تقوى عيناه على النظر إلى فتاة أحلامه في ثوب عرسها، وهي جالسة مع عريسها، والمطرب يشدو بأغانيه على أنغام الفرقة الموسيقية، والحضور يتجاوب معه، ولا ينتبه إلى هذا الشخص المثير للارتياب، والذي سيقدم بعد لحظات على ارتكاب جريمته.

وقف حسين صامتاً وسط الضجيج، وانتظر أن يطلق أحدهم أعيرة من مسدس الصوت، وهو الأمر الشائع في بعض الأفراح الشعبية، رغم مخالفته للقانون، وحانت اللحظة التي يخرج فيها مسدسه، وبدلاً من أن يرفع يده في الهواء، صوب في اتجاه العريس، وخرجت رصاصة طائشة استقرت في جسد المطرب، وتعالت الصرخات وعمت الفوضى، بينما تسلل القاتل في هدوء، حتى ابتعد عن مكان الحفل، وأسرعت خطواته في طريقه إلى المنزل.

وبعد دقائق من وقوع الحادث، انتقلت قوات الشرطة إلى مسرح الجريمة، وحملت عربة الإسعاف المجني عليه إلى المستشفى، وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة، وتكثفت التحريات لكشف غموض الحادث، والقبض على القاتل الهارب، واستمعت النيابة إلى أقوال الشهود، وتبين عدم وجود خصومة مع أهل العروسين، وأن القتيل شاب في مقتبل العمر، ويتمتع بسمعة طيبة، وتتابعت التحقيقات لكشف هوية الجاني.

ولم تكن المسافة التي قطعها القاتل إلى منزله تسمح له بالتفكير في فشل خطته، وأنه بدلا من قتل غريمه أودى بحياة شخص لا يعرفه، وتحول الفرح إلى مأتم، ولن ينسى العروسان تلك الذكرى الأليمة في ليلة تحدث في العمر مرة واحدة، وأفسدها عليهما مريض نفسي، رفض أن يمتثل لنصيحة الطبيب، ويتوجه إلى أقرب عيادة لتلقي العلاج، ولكنه استسلم لغواية الشيطان، وارتكب جريمته البشعة، دون وازع من ضمير، ولاذ بغرفته بينما عجز عن التفكير في خطة جديدة تنأى به عن الوقوع في قبضة الشرطة.

حاول القاتل السيطرة على اضطرابه، وأخبر أمه أنه ينوي السفر خارج البلاد، ليؤمن مستقبله، ولكن الأم ساورها الشك في ذلك القرار المفاجئ، واستفسرت منه عن علاقته بحادث ليلة زفاف الفتاة التي سبق أن طلبها للزواج وقوبل بالرفض، فقال لها إنه نسي هذا الموضوع، وانه ليس بمجنون حتى يرتكب تلك الجريمة، فهي مجرد حادثة قتل بالخطأ، ثم انه لا يمتلك مسدساً، ولا يعرف طريقة استخدامه، وربما فعلها شخص مستهتر، والدليل أنها أصابت المطرب وليس العروسين أو أحداً من المدعوين في ليلة الزفاف.

كاد حسين يفلت من العقاب، وظل في عزلته، وانتظر أن تبتعد عنه شبهة ارتكاب الجريمة، وتسرب الشك إلى الأم مرة ثانية، عندما رأت الفزع يرتسم على وجه ابنها، حين يسمع طرقات الباب، وتبين من التحريات أنه أغلق محل عمله بعد الحادث مباشرة، ولا يخرج من منزله، وسبق له التقدم لخطبة الفتاة التي تحول عرسها إلى مأساة، وكان ذلك أول الخيط لكشف غموض تلك الجريمة التي راح ضحيتها المطرب الشاب.

وتمكنت الشرطة من القبض على القاتل، وبتفتيش منزله عُثِر على أداة الجريمة، وأمام المحقق اعترف الجاني بالتفصيل عن دوافع إقدامه على القتل، وقام بتمثيل جريمته في مكان وقوعها، وأمرت النيابة بسرعة القبض على «الشبيح» لتورطه في الجريمة، وأمرت بحبسهما على ذمة القضية، تمهيداً لمثولهما أمام القضاء.

هشام محمد

«الشبيح» يفتعل مشاجرة مع القاتل بعد تسليمه أداة الجريمة

«الميكانيكي» القاتل رفض فكرة العلاج النفسي حتى لا يُتهم بالاختلال العقلي

قوات الشرطة تتمكن من القبض على الجاني في منزله

عقب ارتكابه الجريمة أخبر القاتل والدته أنه ينوي السفر لتأمين مستقبله
back to top