مجتمعات فاسدة وأخرى نقية

نشر في 12-04-2021
آخر تحديث 12-04-2021 | 00:20
 أ.د. غانم النجار في 2013 كنت في جامعة أوسلو عاصمة النرويج، للمشاركة في مؤتمر أكاديمي. في تلك السنة، تولت إيما سولبرغ رئاسة وزراء النرويج عن حزب المحافظين، الذي تزعمته منذ 2004. كنت ومازلت متابعاً للشأن النرويجي. يطلقون على النرويجيين لقب "الشيوخ ذوي العيون الزرقاء"، تشبيهاً لهم بالعرب، بسبب ظهور النفط عندهم، فهي خامس أكبر مصدر للنفط، وثالث أكبر مصدر للغاز، إلا أنها ليست عضواً في "أوبك"، ولأن كلمة شيخ تعني عرب الخليج. إلا أن هناك بعداً ثقافياً يفرض على سياسيي النرويج التواضع والانفتاح الشعبي على الناس وتجنب الفساد.

عانت إيما سولبرغ من صعوبات في التعلم بالمدرسة بعمر 16 سنة، فتم تشخيصها بالديسليكسيا، لكنها كانت فاعلة في الأنشطة الطلابية، ومع أنها من حزب المحافظين إلا أنها دعت لإنشاء مجالس شريعة إسلامية منذ 2003. كتبت حينها سلسلة مقالات عن النرويج، ففيها الكثير مما يقال، إلا أن الموضوع اليوم هو حادثة فرض الشرطة النرويجية غرامة على رئيسة الوزراء، لمخالفتها لوائح تباعد كورونا، بإقامتها حفل عيد ميلادها بحضور أكثر من 13 شخصاً. فظهرت على الملأ لتعتذر للناس عن فعلتها النكراء. لدينا بالطبع ما شاء الله مسؤولون ونواب يخالفون القانون لأجل المخالفة، ويتفاخرون بذلك.

المؤشرات الحديثة لقياس تقدم المجتمعات متنوعة ومتعددة، منها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وقد جرى الاتفاق على أن مؤشر التقدم متنوع وصار يطلق عليه مؤشر التنمية البشرية. وعادة ما تأتي الدول الإسكندنافية في المقدمة بهذا المؤشر، وتحتل عادة المراكز الأولى، وكان أن تربعت النرويج بالمركز الأول لعدة سنوات. لم تعد المسألة تقاس فقط بالنمو الاقتصادي، بل بمكافحة الفساد، وحرية التعبير، والسلام الاجتماعي، وغياب العنف، والمساواة، والعدالة، واستقلالية القضاء، وغير ذلك. فلا يكفي القول بأن الدولة غنية، لكي يضعها ذلك المؤشر في المقدمة.

أما الدول العربية والإسلامية عموماً فهي لا تحقق عادة مراكز متقدمة في ذلك المؤشر، فضلاً عن غياب معايير احترام الإنسان واستقلالية القضاء وضعف القيم الديمقراطية، بل عادة ما تأتي في القاع.

فكيف تتعامل عادة الدول والمجتمعات الأقل تقدماً مع هذه الظاهرة؟ يبدأ المتحدثون، بالابتعاد عن تشخيص جوهر مشكلة التخلف، بالقول إن تلك المجتمعات المتقدمة برمتها هي مجتمعات فاسدة، لا أخلاق لها، فلا رادع يردعهم، وغير ذلك، بينما يسود بيننا في مجتمعاتنا الخطاب التبريري بأننا مجتمعات طاهرة عفيفة وغيرنا منحرفون.

لم تكن رئيسة الوزراء، إيما سولبرغ، مشهورة خارج النرويج قبل الغرامة التي أوقعتها الشرطة، فصارت تتصدر الأخبار العالمية، فأضافت من حيث لا تقصد سمعة طيبة لبلدها أكثر مما لديها. هكذا تقوم تلك المجتمعات بعرض قضاياها بكل شفافية، أما مجتمعاتنا النقية الطاهرة فلها طريقة مختلفة في عرض قضاياها وطهرها ونقائها. الفرق واضح، والنتيجة أوضح.

أ.د. غانم النجار

back to top