رحيل الحبيب «جمرة»

نشر في 05-03-2021
آخر تحديث 05-03-2021 | 00:05
 د. منيرة عبدالكريم العجلان ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثّرَى

أنّ الكَواكِبَ في التّرابِ تَغُورُ

‎ما كنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أن أرَى

رَضْوَى على أيدي الرّجالِ تَسيرُ

‎خَرَجُوا بهِ ولكُلّ باكٍ خَلْفَهُ

صَعَقاتُ مُوسَى يَوْمَ دُكّ الطُّورُ

‎والشّمسُ في كَبِدِ السّماءِ مريضَةٌ

والأرْضُ واجفَةٌ تَكادُ تَمُورُ

‎وحَفيفُ أجنِحَةِ المَلائِكِ حَوْلَهُ

وعُيُونُ أهلِ اللاّذقِيّةِ صُورُ

‎حتى أتَوْا جَدَثاً كَأنّ ضَرِيحَهُ

في قَلْبِ كُلّ مُوَحِّدٍ مَحْفُورُ

بدأت بأبيات رثاء للمتنبي، شاعر والدي المفضل، تواريت عن الثرى ورحلت يا والدي الغالي، يا قطعة من روحي، ليرحل معك رمز الإخلاص والوفاء والحب والطيبة والكرم، لم تكن والدي فقط، بل كنت صديقي الصدوق ورفيق السفر والدرب والحياة، تعلمت منك الثقافة والقراءة والمعرفة، اشتقت لك ولصوتك الحنون، ولضحكتك الجميلة ولحديثك الثري بالمعلومات القيمة والثروة اللغوية. كنت نعم الأب وكنت الفريد الذي لا شبيه له، أعلم يا أبي أنك رحلت بجوار ربك وأنت فخور بابنتك، وكم أنا محظوظة، شهدت يا والدي تخرجي بمراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. في بداية مرضك، ومع ارتباك ذاكرتك، قلت لي "لحظة تكريمك لدرجة الدكتوراه على مسرح التخرج لحظة لن أنساها يا بنتي"، لتمر الأيام، وتتدهور ذاكرتك وتنسى من أكون، في كل يوم لمدة شهرين قبل رحيلك، أستعد كل صباح بتذكيرك بنفسي، نسيت اسمي ولكنك لم تنس وجهي وظللت تناديني (حبيبتي).

تواريت عن الورى تحت الثرى وزوايا المنزل ومكتبك تناديك، أعلم أنك تسمع صدى صوتي وتبتسم، رحلت يا والدي يا رفيق سفري، مازالت لحظات سفري معك محفورة في مخيلتي وفي قلبي: بيروت، لندن، برلين، باريس، بلجيكا، موسكو. لم أكن بحاجة لكتب تعليمية عن ثقافات الدول، فوجودك بجانبي في رحلاتي أغنتني عن قراءة معلومات الدول لأنك مدرسة المعرفة، كنت مرشد سفراتي يا حبيبي، سأفتقدك، وأفتقد مسكة يدك في عبور الشارع، وأفتقد لحظات شرب الشاي معك، وسأفتقد حضنك الدافئ، وحديثك الذي لا يمل، ولحظات تعليقك على كتبي، عشت ببساطة ورحلت ببساطة، والجميع يشهد بذلك.

سأفتقد تحضير وجباتك، وإطعامك، ونظراتك، وقراءة الكتب لك، ومعك، هنيئاً لك يا والدي، فأورثت السمعة الطيبة والأثر الجميل والعمل الصالح والذكريات السعيدة، ويكفيني فخراً يا أبي قولك للجميع "منيرة غير".

أكتب هذه الكلمات ودموعي تملأ عيني، وقلبي يعتصر، وفيه جمرة حزن وغضب وشوق، لا اعتراض على أمر الله، الله يرحمك ويغفر لك ويعفو عنك ويجعل قبرك روضة من رياض الجنة، ارقد بسلام يا حبيبي.

د. منيرة عبدالكريم العجلان

back to top