احتدام المنافسة التركية - الإيرانية على النفوذ في الموصل

نشر في 05-03-2021
آخر تحديث 05-03-2021 | 00:00
رجب طيب إردوغان - حسن روحاني
رجب طيب إردوغان - حسن روحاني
أدت مساعي تركيا إلى شن حملة عسكرية لطرد المقاتلين الأكراد من منطقة سنجار العراقية الشمالية إلى إعادة تأجيج المنافسة التركية الإيرانية على النفوذ في الموصل الغنية بالنفط، علماً أن عدداً كبيراً من الأتراك يعتبر تلك المنطقة إرثاً عثمانياً مفقوداً.

تفيد التقارير بأن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، قال إن طهران «ترفض الوجود العسكري التركي في سورية والعراق وتعتبر سياسات أنقرة تجاه دمشق وبغداد خاطئة»، لكن في تصريح لوكالة إخبارية تركية، أنكر مسؤول لم يفصح عن اسمه في وزارة الخارجية الإيرانية إقدام ظريف على الإدلاء بتلك التعليقات. مع ذلك، بدأ الشرخ بين البلدين يتضح ميدانياً.

خسر العثمانيون ولاية الموصل لصالح البريطانيين في عام 1918، حين واجهت السلطنة هزيمة كارثية خلال الحرب العالمية الأولى، وبحسب بيان مرتبط بحرب التحرير التركية اللاحقة في عام 1920، كانت الموصل تقع داخل الحدود الوطنية المستهدفة. في نهاية المطاف، تخلت تركيا عن مطالبها باسترجاع الموصل بموجب معاهدة عام 1926، لكن مقابل ثمن معيّن، وبدءاً من عام 1934، تدفق 10% من عائدات نفط الموصل إلى خزائن تركيا على مر 25 سنة، لكن انتهت تلك المرحلة في عام 1986، حين ألغى رئيس الوزراء التركي تورغوت أوزال المتأخرات العراقية في مبادرة حسن نية تجاه صدام حسين.

وحين استهدفت الولايات المتحدة العراق في عام 1991، أراد أوزال أن يدعم تلك الحملة لأنه كان يحلم باسترجاع ولاية الموصل. هذه الأفكار نفسها حرّكت رئيس الوزراء عدنان مندريس في عام 1958 حين حاول العراق أن يتحد مع الأردن، فأرسل مندريس عملاء استخباريين إلى الموصل وكركوك لاختبار الوضع قبل اتخاذ أي خطوة ملموسة في حال أعطته واشنطن موافقتها.

بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، حاول «حزب العدالة والتنمية» توسيع النفوذ التركي في العراق وكبح النفوذ الإيراني عبر تعزيز الروابط التجارية مع كردستان العراق وتقوية الروابط مع التركمان عبر «الجبهة التركمانية العراقية»، ومع العرب السُّنة عبر شخصيات مثل حاكم الموصل السابق أثيل النجيفي. حذّر أصدقاء تركيا في العراق من تداعيات تحالف أنقرة مع الشركاء الخاطئين، لكن لم تَلْقَ نصائحهم أي آذان صاغية.

أدت الرعاية السنية التي تحظى بها أنقرة إلى تضرر سمعتها بشدة وسط الجماعات العراقية الأخرى منذ أن كثّفت الحركات الجهادية اعتداءاتها ضد التركمان الشيعة والمسيحيين واليزيديين وأقليات أخرى في عام 2006، وفي عام 2014، حين راح السكان المحليون يغادرون الموصل هرباً من تنظيم «داعش»، وصف قادة «حزب العدالة والتنمية» مقاتلي «داعش» بالشبان «الغاضبين» والثائرين ضد السياسات الطائفية الموالية للشيعة في بغداد. لكن بعد فترة قصيرة، وقعت القنصلية التركية في الموصل أسيرة «داعش» في حين كانت أنقرة تستخف بالتحذيرات المرتبطة بمسار تقدّم التنظيم. احتجز الجهاديون 49 رهينة، بما في ذلك القنصل شخصياً، لأكثر من ثلاثة أشهر، وفي غضون ذلك، تفكك التركمان الذين تعتبرهم أنقرة من حلفائها الطبيعيين بسبب التقارب العرقي بين الطرفين. كان التركمان الشيعة يبحثون عن الحماية، فعمدوا إلى تقوية علاقاتهم مع العرب الشيعة وانتقلوا إلى المحور الإيراني.

في محاولة للعودة إلى الساحة في الموصل، تمركزت القوات التركية في مخيم بعشيقة بالقرب من الموصل ودرّبت ميليشيا «الحشد الوطني» بقيادة النجيفي على أمل أن تشارك هذه الجماعة في تحرير المدينة. في الوقت نفسه، عارضت أنقرة بقوة مشاركة قوات «الحشد الشعبي» في العملية الهجومية. واعتبرت وسائل الإعلام الإخبارية الموالية للحكومة هذه القوات «جماعة إرهابية شيعية»، فيما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن العرب السُّنة والتركمان والأكراد السُّنة وحدهم يجب أن يبقوا في الموصل بعد تحرير المدينة. في نهاية المطاف، لم تُحقق اعتراضات أنقرة أهدافها ولم تنجح أيضاً خططها باكتساب النفوذ عن طريق «الحشد الوطني».

في الوقت الراهن، تحاول تركيا العودة إلى الموصل عبر كيانات عامة ترتبط بالعمل الإنساني لكنها لم تفتح قنصليتها هناك بعد مع أنها استأجرت مبنىً جديداً وعيّنت القنصل العام. في المقابل، ماطلت بغداد قبل الموافقة على إعادة فتح القنصلية ومن الواضح أن الأطراف المعادية لتركيا هي التي تعوق هذه العملية، كذلك، دمّرت طائرات التحالف مبنى القنصلية القديمة في عام 2016، خلال غارة ضد مقاتلي «داعش» الذين كانوا يحتلون المبنى. اليوم، لا يمكن إيجاد إلا مركز تركي لطلب التأشيرات في الموصل وتديره شركة بتكليف من أنقرة.

في المقابل، اكتسبت إيران نفوذاً كبيراً في الموصل بفضل حلفائها في «الحشد الشعبي»، فهم بقوا في المدينة بعد تحريرها. تشمل قوات «الحشد الشعبي» جماعات مسيحية وسنية محلية وقد تعاونت مع «وحدات مقاومة سنجار»، ميليشيا يزيدية أنشأها «حزب العمال الكردستاني»، لتحرير منطقة سنجار.

صرّح مصدر تركماني من الموصل لموقع «المونيتور» بأن التركمان الشيعة واليزيديين وأقليات أخرى في المنطقة يقدّرون أهمية قوات «الحشد الشعبي»، هذا الموقف يعطي إيران مجالاً لزيادة نفوذها تزامناً مع تنفيذ مشاريع اقتصادية.

برأي الكثيرين في تركيا، يُعتبر الرابط بين قوات «الحشد الشعبي» و»وحدات مقاومة سنجار» مرادفاً للرابط بين إيران و»حزب العمال الكردستاني». هذا الرابط يؤجج المخاوف في أربيل من احتمال أن تقبل بغداد وطهران بوجود «حزب العمال الكردستاني» في سنجار لمنع عودة قوات البشمركة إلى الأراضي المتنازع عليها.

من وجهة نظر إيران، تزيد خطوط الدعم المحلية أهمية الطريق بين الموصل وسنجار نحو الحدود العراقية السورية. يخضع معبر ربيعة الحدودي في شمال سنجار ومعبر غير رسمي مجاور يستعمله تنظيم «داعش» للعبور إلى سورية لسيطرة قوات «الحشد الشعبي» والجيش العراقي معاً في الوقت الراهن. على الجانب السوري، تخضع المنطقتان لسيطرة «قوات سورية الديمقراطية» التي تحظى بدعم الولايات المتحدة ويقودها الأكراد، ما يعني أن إيران لا تملك حرية التصرف على الحدود راهناً، لكن تقوم طهران باستثمارات أخرى لضمان مستقبلها في مطلق الأحوال. أصبح معبر القائم في محافظة الأنبار النقطة التي تستعملها إيران لدخول سورية اليوم، ربما تفرض الجماعات المرتبطة بإيران سيطرتها على تلك المنطقة، لكن لا يُعتبر المعبر مثالياً بما يكفي كونه يتّصل بمناطق سنّية على طرفَي الحدود.

يميل ميزان القوى في الموصل لصالح إيران حتى الآن، لكن لا تزال إيران في بداية المسار الذي ضاعت فيه تركيا لأسباب طائفية. بدأ الاستياء السنّي من الميليشيات الشيعية في الموصل يتفاقم تدريجاً في حين تمنع الصراعات المستمرة على السلطة ومظاهر الفتنة الطائفية والفساد المدينة من التعافي.

لم يتضح بعد إلى أي حد استخلصت أنقرة دروساً مفيدة من أخطائها الماضية، وفي الوقت نفسه، لم تخمد مشاعر البغض التي يحملها التركمان الشيعة تجاه تركيا بعد، وقد اضطر عدد من القادة السُّنة للتعاون مع إيران أو المحور السعودي الإماراتي بعدما كانت أنقرة تتواصل معهم بسهولة سابقاً.

نجحت التدخلات الأميركية في كبح إيران من وقتٍ لآخر، لكن لا تزال العقبات في طريق تركيا قائمة، كذلك، لا تصبّ نتائج الصراع الأميركي الإيراني في مصلحة واشنطن دوماً، فبموجب اتفاق سنجار الذي حظي بدعم الولايات المتحدة وأبرمته أربيل وبغداد في أكتوبر، كان يُفترض أن تصبح القوات الاتحادية بديلة عن «الحشد الشعبي» و»وحدات مقاومة سنجار»، لكن «الحشد الشعبي» رسّخ وجوده الميداني منذ ذلك الحين.

قد يكون السُّنة في الموصل مستعدين للتعاون مع تركيا، لكن أنقرة تحتاج إلى سياسات شاملة لتجاوز الحاجز الشيعي، وهذا ما تثبته إخفاقات سياساتها حتى الآن.

فهيم تاشتكين- المونيتور

back to top