الولايات المتحدة لا تستطيع تجاهل الأزمة المقبلة بين الهند وباكستان

نشر في 01-03-2021
آخر تحديث 01-03-2021 | 00:00
 وور أون ذا روكس اتفقت الهند وباكستان منذ أيام على وقف إطلاق النار، وهو تطور إيجابي بعد سنتين تقريباً من أعمال العنف المتزايدة والخطيرة والاضطرابات المشحونة، لكن لن يضمن هذا الحدث إخماد الصراع بشكلٍ دائم، بل يتوقع الخبراء في شؤون الأمن في جنوب آسيا نشوء أزمة حتمية أخرى قد تشكّل اختباراً صعباً لإدارة جو بايدن.

قامت واشنطن برهان استراتيجي كبير يرتبط بقدرة الهند على منحها المكاسب التي تريدها في منافستها مع الصين، لكنها تهتم حتى الآن بمنع تفاقم أي أزمات مستقبلية في جنوب آسيا والمجازفة بأبسط تبادل نووي. قد تُهدد هذه الأحداث المصالح الأميركية الجوهرية، بما في ذلك مبدأ عدم استخدام الأسلحة النووية، وحياة المواطنين الأميركيين، والرهان الاستراتيجي على الهند. حملت أزمة عام 2019 دروساً قيّمة، أبرزها استحالة الوقوف على الحياد من دون تحريك أي ساكن.

تغيّرت عوامل كثيرة منذ الأزمة الأخيرة في عام 2019، فزاد التقارب الاستراتيجي بين واشنطن ونيودلهي مقابل تلاشي فرص التعاون مع بكين منذ تفشي فيروس كورونا واندلاع الأزمة الحدودية بين الصين والهند، كذلك، تتجه الولايات المتحدة إلى الانسحاب من أفغانستان، مما يسمح لها بإعادة تقييم علاقاتها مع باكستان لأنها لن تعود بحاجة إلى الاتكال على إسلام أباد لاستعمال خطوط الاتصالات الجوية والأرضية لدعم القوات الأميركية المنتشرة هناك. الأهم من ذلك هو أن إدارة بايدن تريد إعطاء الأولوية للمنافسة القائمة مع الصين.

ستكون جهود إدارة الأزمات أساسية للحفاظ على المصالح الأميركية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. اقترح البعض أن تنحاز الولايات المتحدة إلى طرف معيّن بكل بساطة، تزامناً مع انتقاد الجهود الأميركية لأداء دور «الحَكَم المحايد» في الأزمات المستقبلية. لم تعد واشنطن مجرّد حَكَم محايد بين الهند وباكستان كونها قامت برهان استراتيجي كبير على نيودلهي. لكن يبقى الدور الأميركي أساسياً في إدارة الأزمات حين توشك الاشتباكات الحدودية والجوية على الخروج عن السيطرة، قد تقدم بكين المساعدة في هذا المجال، لكن لا تستطيع واشنطن أن تتكل عليها أو تعقد صفقة معها، فثمة حاجة إلى وضع مقاربة أميركية استباقية لإدارة الأزمات المحتملة منعاً لاستعمال الأسلحة النووية في شبه القارة الهندية.

يقيم أكثر من 750 ألف مواطن أميركي في الهند وباكستان، حيث يتركز معظمهم وسط المدن وقد تكون هذه المناطق الأكثر عرضة للضربات النووية المحتملة، حيث تتعدد اهتمامات الولايات المتحدة في مجال السياسة الخارجية في آسيا، لكن تبقى حماية المواطنين الأميركيين في الخارج على رأس أولوياتها. حتى المذكرة المرتبطة بـ»إطار العمل الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ» في عام 2018 اعتبرت مسألة الدفاع عن «الوطن والمواطنين الأميركيين في الخارج» من أهم الأهداف، تليها المخاطر النووية في المنطقة.

ستتماشى أي مقاربة دبلوماسية متقدمة مع الاستراتيجية الخاصة بمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ والرامية إلى التصدي للصين. بالإضافة إلى حجم الخسائر البشرية المتوقعة، سيؤدي أي تبادل نووي بين الهند وباكستان إلى تدمير اقتصاد الهند وقدراتها العسكرية، كذلك قد يُمهّد أي تفجير نووي لوقوع كارثة إنسانية وتضرر مياه الشرب والإمدادات الغذائية وينعكس سلباً على الاستثمارات الخارجية والتجارة، مما يعني خروج الهند من منافسة القوى العظمى طوال عشر سنوات على الأقل، ولن تكون الهند مخوّلة للمشاركة في جهود التصدي للصين أو أداء دور مؤثر في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ بالشكل الذي تطمح إليه الاستراتيجية الأميركية إذا ضعفت مكانتها بسبب أبسط تبادل نووي محتمل. كذلك، سيؤكد الامتناع عن إدارة الأزمات على المخاوف المرتبطة بانكماش نطاق الدبلوماسية الأميركية وتراجع الثقة بقدرة الولايات المتحدة على نشر السلام وتحقيق الازدهار.

تتعلق المشكلة الحقيقية بإقدام الهند وباكستان على أخذ مجازفات كبرى في حين تتابعان الاتكال على الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي لإنقاذهما كما حصل في الماضي. يجب أن يُقيّم صانعو السياسة الأميركية هذا الخلل بحذر، فالوسائل المبتكرة لنزع فتيل الأزمة تتعدد تزامناً مع منع الطرفَين من التحريض على العنف أو تصعيد الوضع مجدداً في المستقبل.

تكثر المسارات القادرة على إطلاق أزمة أخرى في شبه القارة الهندية، لكن إذا تعلّق السبب مجدداً بالإرهابيين المنتشرين في باكستان، فيمكن اللجوء إلى طرق عدة لمحاسبة الأطراف التي تدعمهم من دون تصعيد الصراع. تملك واشنطن أدوات متعددة للمشاركة في نزع فتيل الأزمة المقبلة ومنع أي أزمات مستقبلية، منها الضغوط الدبلوماسية والعقوبات المالية، حيث تستطيع الولايات المتحدة أن تُحسّن أو تُضعِف عملية تقاسم المعلومات الاستخبارية وجهود التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، حتى أنها قادرة على توجيه المساعدات العسكرية وتصميمها بالشكل المناسب.

قد تخسر الولايات المتحدة الكثير إذا سمحت بتصعيد المواجهة النووية في قلب آسيا، لكنها قد تحقق في المقابل مكاسب كبرى إذا نجحت في كبح هذا النوع من الأحداث، كما تكثر المسائل التي أصبحت على المحك في هذا الملف، بدءاً من المفهوم الذي يعارض استعمال الأسلحة النووية في الحروب، وسلامة المواطنين الأميركيين، والمستقبل الجيوسياسي في آسيا، ولهذا السبب، يجب أن تتخلى إدارة بايدن عن مواقفها المترددة وتُحضّر القواعد اللازمة لإدارة الأزمات.

* «وور أون ذا روكس»

سمير لالواني

back to top