إبراهيم أبوهشهش: «حكاية إيسيدور» يعبر عن تحولات المجتمع الألماني

«أدب الأنقاض مرحلة فارقة في تاريخ برلين... وكاسيرر أيقونة الأدب الألماني»

نشر في 25-02-2021
آخر تحديث 25-02-2021 | 00:02
"أدب الأنقاض"، مصطلح شاع في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لما خلفته من دمار وركام، وعبر عنه أدباء ألمانيا، وراج في كتاباتهم، وشغل العالم أجمع، وهو ما دفع العديد من المترجمين إلى نقله إلى العربية، ومنهم المترجم والأكاديمي الفلسطيني
د. إبراهيم أبوهشهش، الذي قدم العديد من النصوص الألمانية للقراء العرب، وفاز بجائزة الشيخ حمد للترجمة في دورتها الرابعة، وأخيرا انتهى من كتابه "حكاية إيسيدور"، المتضمن 21 قصة معبرة عن التغيرات التي طرأت على المجتمع الألماني.
وفي حواره مع "الجريدة" من القاهرة، تحدث أبوهشهش عن أدب الأنقاض، وترجماته، ومسيرته الأدبية والفكرية، وفيما يلي نص الحوار:

• صدر مؤخرا كتابكم المترجم "حكاية إيسيدور"، ما هى أبرز ملامحه ؟

- هناك ما يشبه الإجماع بين المختصين في الأدب الألماني أن ظهور القصة القصيرة وازدهارها قد ارتبط تاريخيا بنهاية الحرب العالمية الثانية، فهذه الحرب كانت شديدة الأثر على الوجدان الألماني، ولم تطبع الأدب فقط بطابعها، بل كان هذا التأثير شاملا لكل شيء: الثقافة والإعلام والتربية والثقافة والسياسة...إلخ، أما الأدباء، وخاصة لدى ما عرف بالمجموعة 47، نسبة إلى – المجلة- التي صدرت بهذا الاسم، فقد أرادوا القطيعة مع العهد النازي، والبدء من الصفر، ولذلك تحدثوا عن "ساعة صفر أدبية"، وكانت القصة القصيرة هي الجنس الأدبي الذي وجدوه مناسبا للتعبير عن رؤاهم وأساليبهم، خاصة أن ازدهار القصة القصيرة هو من أبرز العلامات الأدبية على أن المجتمع يمر في تحولات عميقة على جميع الصعد. وقد عرف ما كتبه هؤلاء من أعمال أدبية، ولا سيما في القصة والرواية، بأدب الأنقاض، لأنه عبر عن ألمانيا التي كانت ترزح تحت الدمار والبؤس والجوع واليأس، فجنحوا إلى لغة متقشفة شديدة الواقعية وبعيدة كل البعد عن أي "تزويق"، تمثلت في جمل قصيرة، مع غياب تام تقريبا لأدوات الربط. وكان من أبرز ممثلي هذا الاتجاه: فولفغانغ بورشرت، وهاينريش بول، وألفريد أندريش، وفولف ديترششنوره، وفولفغانغ فايراوخ... وسواهم. وظل هذا الاتجاه سائدا في المشهد الأدبي الألماني طوال عقد الخمسينيات وجزءا من الستينيات، ولكن مع بداية حقبة الازدهار الاقتصادي وما ارتبط بها من رفاه وبحبوحة في العيش، أخذت القصة القصيرة تتحول نحو أساليب سيكولوجية، وباتت أكثر تركيبا من حيث الشكل، وأكثر استبطانا وتعمقا وجنوحا إلى العوالم الداخلية الغامضة والحلمية.

• ما الرؤى الفكرية والفلسفية التي خلصت إليها في كتابك "فلسفة التنوير" والذي فاز بجائزة الشيخ حمد للترجمة في دورتها الرابعة ؟

- هذا الكتاب صدر في ألمانيا عام 1932 للفيلسوف المثالي الموسوعي أرنست كاسيرر، وهو كتاب يتابع بدقة وعمق وشمول تاريخ الأفكار في القرنين السابع عشر والثامن عشر عند الفلاسفة والمفكرين في أوروبا، وهي الفترة التي شهدت أهم الفلاسفة الأوروبيين وعرفت في تاريخ العقل الغربي بحقبة التنوير أو حقبة الأنوار، لأن الفلسفة انتقلت من الانشغالات الميتافيزيقية لتدخل في الحياة، ومع ذلك، فهي لم تكن منقطعة عن تقاليد عصر النهضة، والفلسفة الإنسانوية، والفلسفة العقلانية عند ديكارت وسواه، بقدر ما كانت امتدادا لهما، ولكن مع رفع مكانة العقل إلى المكانة الأعلى، والاقتراب أكثر من قضايا الإنسان والحياة والمجتمعات، ولذلك شملت فلسفة العلم، وفلسفة القانون، والأخلاق، والدين، والتاريخ، والعقد الاجتماعي، وعلم الجمال..إلخ، ومن هنا فإن كاسيرر لا ينظر إلى هذه الفلسفة بأنها مرحلة ناجزة في تاريخ العقل، بقدر ما هي حالة متدفقة مستمرة، لأن مهمة الفلسفة هي أن تجعل الإنسان حرا، حرا بمقدار ما يمكنه ذلك، وفلسفة التنوير رفعت من مكانة العقل ورأت فيه "مَلَكة الإنسان الكبرى"، مثلما عبر "كانط" الذي يعده "كاسيرر" آخر فلاسفة التنوير، فقد وصلت فلسفة التنوير على يديه إلى ذروتها، وكان هو التجلي الأخير والأكبر لها، وهو الذي رأى أن عبارة "تجرأ لأن تكون حكيما" أصلح شعار لحقبة الأنوار.

• برأيك: هل الفلسفة إبداع ذاتي؟ وهل اقتراب الأدب من الفلسفة يضعفها أم يثريها؟

- توصف الفلسفة عادة بأنها علم العلوم، فهي التجلي الأكثر تعبيرا لارتقاء العقل البشري وسموه، ولذلك فهي حقل صعب له أدواته ومفهوماته ومصطلحاته الخاصة، تجنح اللغة فيها إلى أقصى درجات التجريد في سبيل التعبير عن جوهر الأشياء، ويجد الدارسون عادة صعوبة في قراءة الفلسفة بلغتهم، فكيف سيكون الحال في لغة أخرى واسعة وشديدة الغنى وبالغة الدقة مثل اللغة الألمانية. ولذلك فإن ترجمة الفلسفة هي أصعب حقول الترجمة على الإطلاق، لأن ذلك يحتاج من المترجم إلى عدة خاصة، أبرزها ثقافة "موسوعية" إلى حد ما، وصبر شديد، ودراية بالمصطلحات والمفهومات والمدارس الفلسفية المختلفة، وقدرة على التعبير بلغته الهدف بدقة تامة، لأن لغة الفلسفة عموما لغة شديدة الرهافة، موزونة بميزان العقل والمنطق البالغ الحساسية، وإذا كان من الجائز تسمية الترجمة عموما بأنها شكل من أشكل إعادة التأليف، فإن هذا الوصف سيكون اكثر انطباقا على ترجمة الفلسفة من أي حقل آخر.

• ما الصعوبات التي تواجه الترجمة في العالم العربي؟

- الترجمة عموما عملية شاقة تتطلب قدرا كبيرا من المعرفة والجهد والجلد وإنكار الذات، والحاسم في الترجمة الأدبية هو القدرة على نقل قدرة التأثير من اللغة الأصل إلى اللغة الهدف، إضافة طبعا إلى الدقة والأمانة والمحافظة على تنوع المستويات اللغوية، وسلاستها، وهو أمر مركب إلى حد كبير: إذ يجب أن يبقى النص غريبا، أي ينبغي أن يشعر القارئ أنه أمام نص ينتمي إلى ثقافة أخرى ولغة مختلفة، وفي الوقت نفسه، يجب أن يكون هذا النص مقروءا في لغة عربية سلسة عالية، تراعي الخصائص النحوية والأسلوبية والدلالية والمعجمية للغة العربية.

وكل هذا يواجه المترجم عن أي لغة. أما اللغة الألمانية فربما تكون أكثر صعوبة من لغات أخرى، وخاصة في سعتها وتنوع مستوياتها التعبيرية والمجازية، وبشكل خاص بسبب تركيب الجملة الألمانية ولا سيما في الحقول الفكرية والفلسفية؛ فهي غالبا جملة مركبة من جمل جانبية كثيرة، ولذلك تطول طولا شديدا غير مألوف في العربية.

• ما المعايير المطلوبة لاختيار عمل قصدت ترجمته؟

- المترجم يقرأ كثيرا ويختار بعض ما يقرأ في اللغة الأصل لينقله إلى قراء في لغة أخرى. أحيانا أشعر أنني أترجم ما وودت لو كنت أنا من كتبه أصلا. وعموما فالمترجم عابر حدود ثقافية، فهو دائم التنقل بين ثقافتين، وما يقوم به يجمع بين دافع الشغف الذاتي والشعور بالمسؤولية الثقافية العامة.

المترجم يعبر حدودا ثقافية لكونه دائم التنقل بين ثقافتين
back to top