المواجهة بين نافالني وبوتين بلغت نقطة اللاعودة!

نشر في 03-02-2021
آخر تحديث 03-02-2021 | 00:00
 وورلد كرانش بعد أسبوع من الأحداث الدرامية المحتدمة، يتجه الوضع السياسي في روسيا نحو مرحلة جديدة وأكثر تطرفاً. تعرّض زعيم المعارضة ألكسي نافالني للاعتقال في 17 يناير فور وصوله إلى موسكو بعد تعافيه من التسمم في ألمانيا، فقد حصل اعتقاله غداة نشره فيديو لاقى رواجاً واسعاً على (يوتيوب) حيث يكشف عن قصر شاسع يقال إن الرئيس فلاديمير بوتين بناه لنفسه بفضل عمولات بقيمة 1.35 مليار دولار، وتُعتبر الاحتجاجات التي تلت اعتقاله الأوسع نطاقاً في روسيا منذ التسعينيات.

طوال سنوات، حاول بوتين تصوير نافالني كشخصية لا أهمية لها، فرفض استعمال اسمه ووصف خصمه بعبارة "المدوّن المجهول"، لكن أثبت تعامل الكرملين الأخرق مع عودة زعيم المعارضة من الخارج أن الواقع معاكس: لو كان نافالني نكرة فعلاً، فما الداعي لاعتقال داعميه حين احتشدوا للترحيب به في مطار "فنوكوفو"؟ وما الداعي لتغيير مسار طائرته نحو مطار آخر ثم اعتقاله أثناء التحقق من جواز سفره أمام كاميرات التلفزيون مباشرةً؟

كانت عملية تسميم نافالني ثم عودته إلى روسيا رغم التهديدات بسجنه تأكيداً واضحاً على دوره كأشرس ناقد لبوتين وكشخصية سياسية شجاعة لها مكانة عالمية. هو اتخذ المبادرة بنفسه، فأجبر الكرملين على ارتكاب سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية التي رفعت منسوب الاستياء الشعبي بين الروس بسبب استفحال الفساد والفوضى في أوساط الحكومة، وتراجع مستويات المعيشة، وتدهور الاقتصاد نتيجة تفشي "كوفيد19".

لا تزال نسبة تأييد بوتين الرسمية (60%) مرتفعة نسبياً مقارنةً بزعماء العالم الآخرين، لكنها بلغت أدنى مستوياتها منذ 2012، وحاول الكرملين التخلص من الفيديو المرتبط بقصر بوتين الفخم على البحر الأسود، لكنه حصد أكثر من 90 مليون مشاهدة وانعكس سلباً على نظرة الناس إلى الرئيس الروسي.

في آخر عشرين سنة، بنى بوتين سمعته استناداً إلى مقاربة الزعماء الأقوياء التي لا تتقبل أي مؤشر على الضعف، ولهذا السبب، واجه الرئيس الروسي موقفاً صعباً حين تحدّاه نافالني مباشرةً، وإذا أراد الكرملين أن يتجنب الظهور في موقف ضعف، فقد يضطر لتعزيز هذه المقاربة العدائية، مما يؤدي على الأرجح إلى تعميق الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية وزيادة تطرف المعارضة وتأجيج التوتر السائد.

يتوقع جميع المحللين أن يردّ الكرملين عبر تضييق الخناق على الناس مجدداً، مع أن وسائل الإعلام الروسية حذرت من فرض تدابير عدائية مفرطة ضد المحتجين، وحتى صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" التي تهاجم نافالني وتدافع بشراسة عن الكرملين استنتجت أن الرد الصارم أكثر من اللزوم قد يوصل البلد إلى طريق مسدود.

في وجه هذا التحدي الوجودي، قد يقرر الكرملين في نهاية المطاف التوقف عن ادعاء الديمقراطية للتمسك بالسلطة، بغض النظر عن تكاليف هذه المقاربة على الساحة العالمية. دائماً أثبتت روسيا أصلاً أنها لا تهتم كثيراً بمواقف الاستنكار الدولية، ويتوقع المحللون منذ أشهر أن تراهن السلطات على "سيناريو بيلاروسيا" لضمان صمودها إذا خرجت الأوضاع عن سيطرتها.

كان بوتين يراقب عن كثب الأحداث الحاصلة على الطرف الآخر من الحدود، في بيلاروسيا، حيث نجح ألكسندر لوكاشينكو في التمسك بالسلطة رغم اندلاع الاحتجاجات طوال أشهر متواصلة غداة تزوير الانتخابات الرئاسية لمصلحته في أغسطس الماضي، وردّ لوكاشينكو على موجة الاستياء بإغلاق الحدود، واعتقال خصومه السياسيين أو نفيهم قسراً، وإطلاق حملة مكثفة من القمع والتعذيب، وحرمان المنشقين من دعم الدولة.

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في سبتمبر المقبل، شكّك بعض المحللين بعودة نافالني إلى روسيا الآن واعتبروه قراراً متسرعاً جداً: كان يُفترض برأيهم أن ينتظر حتى الصيف المقبل لضمان نشوء مناخ سياسي قوي قبيل الانتخابات، لكن زعيم المعارضة بعد اعتقاله الآن يجازف بالابتعاد عن الأحداث الميدانية التي يعجز عن السيطرة عليها راهناً.

لكن لن يختلف الوضع على أرض الواقع سواء كان نافالني معتقلاً أو طليقاً فقد سبق أن حقق هدفه الأساسي، أي إهانة بوتين علناً وإضعاف شرعيته وإطلاق موجة جديدة من الاحتجاجات، ومن خلال تقبّل دور سجين الرأي طوعاً، أصبح نافالني رمزاً قوياً للحركة الاحتجاجية.

قد يميل بعض الليبراليين إلى اعتبار نافالني نسخة من نيلسون مانديلا في أيامه الأخيرة أو فاتسلاف هافيل، لكن أهمية الحركة الاحتجاجية الجديدة تكمن في قدرتها على تحريك ملايين الروس الأكثر تحفظاً. قد لا يكون هذا المعسكر معجباً بنافالني شخصياً، لكنه لن يحمل النظرة الإيجابية نفسها إلى بوتين مجدداً.

ألاستاير جيل - وورلد كرانش

back to top