تفادي الخرف عند التعرّض لإعاقة معرفية طفيفة

الخرف حالة إعاقة دائمة في نشاطات الدماغ (كالتفكير أو النطق) تكون حادةً كفاية لتعرقل الحياة اليومية.

نشر في 07-01-2021
آخر تحديث 07-01-2021 | 00:01
No Image Caption
هل أُصاب بالخرف؟ يكتسب هذا السؤال الشائع إلحاحاً كبيراً إذا كنت تعاني إعاقة معرفية طفيفة، أي تعاني تبدلاً بسيطاً إنما ملحوظاً في الذاكرة والمهارات الفكرية. لكن التقدم من الإعاقة المعرفية الطفيفة إلى الخرف لا يحدث تلقائياً، حتى إن هذه الإعاقة لا تكون دائمة في حالات كثيرة، بل «تعتمد على سببها الكامن»، حسبما يذكر د. جويل ساليناس، عالم أعصاب في مستشفى ماساتشوستس العام التابع لجامعة هارفارد.

ما أسباب الإعاقة المعرفية الطفيفة؟

تختلف الإعاقة المعرفية الطفيفة عن الخرف، وأيضاً عن التفكير السليم. تعود غالباً إلى داء ما أو العلاجات مثل:

• مرض تنكسي في الدماغ كالزهايمر (في هذه الحالة، تسبق الإعاقة المعرفية الطفيفة الخرف).

• السكتة الدماغية أو مرض وعائي آخر.

• إصابة في الدماغ تنجم عن صدمة.

• تأثير جانبي لأحد الأدوية.

• مشكلة صحية كامنة، كنقص النوم، أو الكآبة، أو القلق.

ما هو الخرف؟

الخرف حالة إعاقة دائمة في نشاطات الدماغ (كالتفكير أو النطق) تكون حادةً كفاية لتعرقل الحياة اليومية.

تُعتبر الحالات الطبية، كالزهايمر، وباركنسون، وإصابات الدماغ الناتجة عن صدمة، والسكتة الدماغية، أسباباً شائعة للخرف. أما أعراضه، فتشمل النسيان، وتشوش الذهن، والعجز فجأة عن حل المشاكل الروتينية.

الأعراض

ثمة نوعان من الإعاقات المعرفية الطفيفة. ولا تكون الأعراض في كليهما حادةً، مع أنها تسبب الإزعاج وتحدث خللاً في حياة المريض.

تشير الإعاقة المعرفية الطفيفة المرتبطة بفقد الذاكرة إلى مشاكل في الذاكرة وتميزها إشارات مثل نسيان المحادثات وإضاعة الأغراض.

أما الإعاقة المعرفية الطفيفة غير المرتبطة بفقد الذاكرة، فتشمل تغييرات في نشاطات أخرى في الدماغ، بغضّ النظر عما إذا كان المريض يعاني فقدان ذاكرة. فقد يصطدم المريض بمشاكل في اللغة (يفقد تسلسل أفكاره خلال الحوارات)، أو الانتباه (يواجه صعوبة في إنجاز مهام مثل تسديد الفواتير)، أو الإدراك المكاني (يعجز عن تحديد سبيله في مكان مألوف).

الشيوع والتقدم

تشير توجيهات علاج الإعاقة المعرفية الطفيفة، التي استندت الأكاديمية الأميركية لعلم الأعصاب في إعدادها إلى الأدلة الأحدث، إلى أن أكثر من 6 بالمئة ممن بلغوا العقد السابع من عمرهم حول العالم يعانون إعاقة معرفية طفيفة. ويرتفع العدد إلى أكثر من 37 بالمئة في الفئة التي بلغت الخامسة والثمانين من العمر أو تخطتها.

تذكر أيضاً هذه التوجيهات، التي نشرتها مجلة «علم الأعصاب» على شبكة الإنترنت في 27 ديسمبر عام 2017، أن حالات الإعاقة المعرفية الطفيفة تتطوّر لتصبح خرفاً كاملاً في حالة 15 بالمئة ممن بلغوا الخامسة والستين من العمر أو تخطوها. لكن د. ساليناس يؤكد أن احتمال تطور الإعاقة المعرفية الطفيفة يزداد إذا كانت هذه الإعاقة عائدة إلى مرض عصبي تنكسي مثل الزهايمر.

ولكن ما المدة الزمنية التي يستغرقها تحوُّل الإعاقة المعرفية الطفيفة إلى خرف؟ لا أحد يعلم الجواب. يخبر د. ساليناس: «إذا كان المريض مصاباً بالزهايمر، فقد يستغرق هذا التحوّل سنتين إلى 5 سنوات. لكنني عاينت مرضى ظلوا في مرحلة الإعاقة المعرفية الطفيفة سنوات عدة، حتى عندما افترضنا أنهم مصابون بمرض عصبي تنكسي».

تفادي الخرف

يذكر د. ساليناس أن من الممكن غالباً عكس الإعاقة المعرفية الطفيفة إذا كانت ناجمة عن حالة صحية عامة، كنقص النوم. ففي حالات مماثلة، تسهم معالجة السبب الكامن في تحسين مقدرات المريض المعرفية إلى حد كبير.

أما إذا كان عكس الإعاقة المعرفية الطفيفة مستحيلاً، فيشكّل العلاج عندئذٍ تحدياً، بما أن ما من أدوية لإبطاء مشاكل الذاكرة التي تزداد سوءاً.

لكن الأكاديمية الأميركية لعلم الأعصاب توصلت إلى أدلة مشجعة تربط التمرن بتحسّن الذاكرة في حالة مَن يعانون إعاقة معرفية طفيفة.

يقدّم التمرن حافزاً عقلياً واجتماعياً، محسّنا في الوقت عينه تدفق الدم إلى الدماغ. وقد يعزز أيضاً إطلاق جزيئات تصلح خلايا الدماغ وتولّد روابط بينها. لذلك توصي التوجيهات الجديدة لعلاج الإعاقة المعرفية الطفيفة بالتمرن مرتين أسبوعياً على الأقل.

تشير الأكاديمية الأميركية لعلم الأعصاب أيضاً إلى أن التمرّن المعرفي يسهم بدوره في تحسين المهارات الفكرية، مع أن الأدلة التي تدعم ذلك ضعيفة.

يشمل التمرّن المعرفي تمارين تعتمد على الكمبيوتر أو أشرطة فيديو تدفعك إلى تحسين انتباهك ووقت رد فعلك. لكن هذا التحسّن لا ينعكس بشكل واضح على الحياة اليومية.

عادات أكثر وتأثير أكبر

لاحظت تجربة FINGER عام 2015، وهي تجربة عشوائية مضبوطة (أفضل نوع من التجارب في البحوث)، تراجعاً معرفياً أقل على مدى سنتين بين المسنين الذين حافظوا على مجموعة من العادات، كاتباع نظام غذائي صحي، والتمرّن بانتظام، والمشاركة في مناسبات اجتماعية. لم يعانِ البالغون في الدراسة إعاقة معرفية طفيفة، إلا أن بعضهم كان عرضة لمرض الزهايمر. وتُجرى اليوم تجارب مماثلة حول العالم.

يوضح د. ساليناس أن مَن يعانون إعاقة معرفية طفيفة يستطيعون الاسترشاد بهذه الأنواع من الاكتشافات، التي تشجّعهم على الحفاظ على أكبر قدر ممكن من العادات الصحية. وهي لا تقتصر على التمرّن، واتباع نظام غذائي صحي، والبقاء على تواصل مع الناس، بل تشمل أيضاً القيام بنشاطات محفّزة فكرياً (خصوصاً تعلّم أمور جديدة، مثل هواية أو لغة جديدة) وأخذ الأدوية وفق إرشادات الطبيب بدقة.

لا وجود لأية ضمانات، إلا أن الأدلة تُظهر أن هذه الخطوات تؤخر أو حتى تحول دون تطور الحالة لتصبح خرفاً. يختم د. ساليناس: «يتبين أن مَن يمضون أطول فترة مستقرين معرفياً يكونون غالباً ممن يلتزمون بتوصيات نمط الحياة».

التمرّن المعرفي يسهم في تحسين المهارات الفكرية
back to top