لمَ يناضل رئيس الوزراء الياباني في سبيل أربع جزر مهجورة؟

نشر في 13-02-2019
آخر تحديث 13-02-2019 | 00:00
 إيكونوميست في مطلع شهر فبراير بدأت قطع الجليد الطافية كالمعتاد بسد المضيق بين نيمورو، مرفأ صيد في شمال اليابان، وكوناشيري، جزيرة بركانية تلوح في الأفق، وكما درجت العادة في السابع من فبراير، يتقاطر سكان نيمورو إلى مركز ثقافي محلي لإحياء «يوم الأراضي الشمالية»، حين يعربون عن حنينهم علانية لكوناشيري وثلاث جزر مجاورة أخرى (الأراضي الشمالية) تخلت عنها اليابان في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية.

بعد يومين من قصف هيروشيما في عام 1945، أعلن جوزيف ستالين الحرب على اليابان وهاجم الجنود السوفيات أراضي تسيطر عليها اليابان، فاحتلوا جزر كوريل، مع أن روسيا أقرت بأن هذه جزر يابانية منذ عام 1855. وطوال سنتين عاش سكان الجزر مع المحتلين بسلام، وتُظهر صورة مؤثرة في معرض في نيمورو روساً ويابانيين يتسلون بلعبة «غو»، كذلك ساعدت النساء اليابانيات في توليد الأطفال الروس، لكن حالة الأخوة هذه تبددت فجأة. وبحلول عام 1949، كان كل سكان الجزر قد رُحّلوا.

اليوم، يحلم نحو ستة آلاف من سكان هذه الجزر ما زالوا على قيد الحياة بوطنهم، علماً أن كثيرين منهم يقيمون في نيمورو، إذ تتذكر إحداهم، وهي تعمل راهناً في تنظيف الأرضيات في دار مزاد السمك، بضحكة مرحة كيف غادرت الجزيرة: «رُفعتُ إلى متن السفينة في صندوق سمك كان مليئاً بأولاد آخرين مع أهلهم». وهكذا خلّفت وراءها صراعاً على الأراضي ما زال مستمراً حتى اليوم.

كان من المفترض أن يقود الاتفاق مع الاتحاد السوفياتي، الذي أعاد إرساء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1956، إلى إعادة الجزيرتين الأكثر قرباً والأصغر مساحة، هابوناي وشيكوتان، إلا أن هذا الجزء من الاتفاق لم يُنفَّذ مطلقاً ولم يوقّع البلدان أي معاهدة سلام رسمية.

تبدو الجزر، من بعض النواحي، أكثر قرباً في السنوات الأخيرة، إذ يسمح الروس راهناً بتنظيم بضع رحلات عبر مضيق نيمورو كل صيف لمن وُلدوا في جزر كوريل أو مَن دُفن أسلافهم فيها، وبدأت هذه الزيارات تبدّل المواقف في الجانب الياباني على الأقل.

لكن وجهات النظر تبدلت هذه الأيام، حيث يخبر اليابانيون العائدون أنهم تأثروا كثيراً عندما التقوا روساً في الجزر. إنه وطنهم أيضاً، يذكر كوزو إيواياما، الذي يدير مركز معلومات في الأراضي الشمالية، أن اليابانيين سيعيشون جنباً إلى جنب مع الروس إذا استُعيدت الجزر، لكن هذه التسوية تحمل لمحة من اليأس، ويبدو أن فرص التوصل إلى صفقة ترتفع، مع أن أعداد اليابانيين المولودين في الجزر تتقلص لا محالة، فقبل عقد من الزمن، لم يقبل القوميون اليابانيون بعودة الجزيرتين الصغيرتين فحسب، أما اليوم فيشكّل هذا انتصاراً.

رئيس الوزراء شينزو آبي يريد محو ندوب ماضي اليابان بحروبه، علاوة على ذلك، سعى والده وجده، اللذان شغلا منصب وزير الخارجية ورئيس الوزراء على التوالي، بدأب لاستعادة الأراضي الشمالية، وفي السياسيات اليابانية، تشكّل السياسات الخارجية غالباً إرثاً عائلياً.

يعلل هذا محاولة التقرب الحثيثة من بوتين، ولإذابة الجليد اصطحب آبي بطبعه الجاد قبل شتاءين الرئيس الروسي للغوص عارياً في نبع حار في مسقط رأسه، وفي موسكو الشهر الماضي عقد الرجلان لقاءهما الخامس والعشرين. لكن آبي عاد مرة أخرى خالي الوفاض، فجرّب شتى الطرق، بما فيها التلويح بوعود باستثمار اليابان في الشرق الأقصى الروسي وتسويات شملت «سيادة مشتركة».

ما إن عاد آبي إلى طوكيو حتى بدأت ترتفع الآمال بلقاء سادس وعشرين على هامش قمة مجموعة الدول العشرين في أوساكا في شهر يونيو، لكن سمعة بوتين في الوطن تعتمد على توسيع الأراضي الروسية لا اقتطاع أجزاء منها. ربما فكّر بوتين في صفقة عندما كان في أوج مجده عقب ضم القرم في عام 2014. ولكن مع إصلاحات رواتب التقاعد المثيرة للجدل، وتراجع المداخيل، واقتطاعات الخدمات الاجتماعية، تتراجع اليوم شعبيته. ويبدو القوميون المتشددون راهناً مستعدين للمزايدة عليه في مسألة جزر كوريل، أما بالنسبة إلى آبي، الذي تنتهي ولايته في عام 2021، فقد طلب أن يُحكم عليه من خلال مسألة الأراضي الشمالية، إلا أن إرثه قد يذوب مع قطع الجليد.

back to top