بوتين يوجّه رسالة مميتة أخرى إلى الغرب

نشر في 12-03-2018
آخر تحديث 12-03-2018 | 00:05
 أوبزيرفر تعيد روسيا الكرة. تعرض جاسوس روسي آخر انتقل للعيش في الغرب للتسميم في ظل ظروف غامضة، حتى هذه الساعة، ما زال مصيره غير محدد، والأسوأ من ذلك أن ابنته سُممت معه، وعلى غراره حالتها حرجة، ولا شك أن كل هذا يبدو مألوفاً على نحو محزن لكل مَن يعرف جيداً ما يدعوه الكرملين أعماله قذرة.

يُدعى هذا الجاسوس سيرغي سكريبال، وهو متقاعد في السادسة والستين من عمره بعدما أمضى حياته في العمل في جهاز الاستخبارات العسكري الروسي الذي يُعرف بمديرية المخابرات الرئيسة (GRU). نحو منتصف تسعينيات القرن الماضي، تحوّل سكريبال إلى جاسوس لجهاز الاستخبارات السري البريطاني المعروف بـMI6، وإلى أن تقاعد من جهاز الاستخبارات الروسي برتبة كولونيل عام 1999، مرر لجهاز الاستخبارات البريطاني معلومات سرية مقابل المال، وشملت الأسرار التي قدمها للجواسيس البريطانيين الهويات الحقيقية لعملاء الاستخبارات الروس في أوروبا.

اعتُقل سكريبال عام 2004 واعتُبر خائناً، وحُكم عليه بالسجن 13 سنة نتيجة خيانته، علماً أن هذا حكم مخفف نسبياً في روسيا، مما يشير إلى أن سكريبال تعاون مع جهاز الأمن الفدرالي الروسي عقب توقيفه، وظل مصيره سوداوياً إلى أن أُخلي سبيله فجأة في عام 2010 وأُرسل إلى بريطانيا كرجل حر، فشكّل هذا جزءاً من عملية تبادل مع عشرة جواسيس روس متخفين اعتقلهم مكتب التحقيقات الفدرالي خلال "عملية قصص الأشباح"، وبما أنه نال العفو قبل مغادرته روسيا، بدأ سكريبال حياةً جديدة في المملكة المتحدة.

لكن كل هذا انهار عندما عُثر على سكريبال وابنته يوليا (33 سنة) فاقدَي الوعي على مقعد في منطقة تجارية في ساليزبوري جنوب إنكلترا على بعد 160 كيلومتراً جنوب غرب لندن، حيث نُقل الأب وابنته بسرعة إلى غرفة العناية الفائقة، وما زالت السلطات تجهل المادة التي استُعملت لتسميمهما حتى الآن، أما نظرية أن معدناً ثقيلاً مميتاً رُش على وجهيهما، فتبقى مجرد تخمين، ونظراً إلى خبرة الكرملين الطويلة في تحويل السموم إلى أسلحة، بعضها غامض ومن الصعب تتبعه، فقد يمر وقت قبل التوصل إلى أجوبة حاسمة في هذه القضية الغامضة.

يذكّرنا كل هذا لا محالة بعملية الاغتيال الصادمة التي تعرض لها ألكساندر ليتفينينكو في لندن في شهر نوفمبر 2006، والرسالة الموجَّهة واضحة: لن يكون الخونة بمأمن أينما عاشوا.

تشمل الأهداف البائسة جولييت بوينتز، امرأة من خلفية ميسورة تحولت إلى جاسوسة سوفياتية انطلاقاً من حماستها العقائدية، وطوال سنوات عدة في ثلاثينيات القرن الماضي شكّلت بوينتز عميلة قيّمة للشرطة السرية السوفياتية في الولايات المتحدة، مجنِّدة ومشغِّلة جواسيس لمصلحة موسكو، لكنها اختفت من شوارع مدينة نيويورك في شهر يونيو عام 1937 ولم تُرَ بعد ذلك، فتوجّهت أصابع الاتهام بسرعة إلى الكرملين، ويعتقد بعض المطلعين على هذه المسائل أن بوينتز ازدادت كرهاً لعملية التطهير الكبير التي قادها ستالين، لذلك اعتُبر خطر تحولها إلى تهديد استخباراتي مضاد كبيراً: كانت تعرف الكثير مما حتّم خطفها وقتلها. صحيح أن السلطات لم تتوصل إلى أدلة حاسمة تثبت ذلك، إلا أن الأدلة الظرفية كافية لتدفع أجهزة مكافحة التجسس الأميركية إلى الاعتقاد أن بوينتز قُتلت على يد رفاقها في الاستخبارات السوفياتية.

لا تحمل بوينتز راهناً أهمية تاريخية فحسب في واشنطن، فنحن نواجه اليوم وضعاً غير مسبوق يخضع فيه الرئيس وحاشيته لتحقيق خاص للاشتباه بإقامتهم روابط سرية مع الكرملين. ونظراً إلى ميول بوتين، يعرّض الأميركيون، الذين يتعاونون مع روبرت مولر ومدعيه العامين ويطلعونهم على معلومات قد تسيء إلى فريق ترامب، أنفسهم لمواجهة خطر القصاص الروسي.

قرر ريك غيتس، مسؤول في حملة ترامب، التعاون مع تحقيق مولر والبوح بالخفايا عن أحداث ترتبط بروسيا في عام 2016، وإلغاء رحلة ربيعية إلى بوسطن قبل أيام بعد تلقيه عبر شبكة الإنترنت تهديدات بتعرضه هو وعائلته لأعمال عنف. صحيح أن هذه على الأرجح مجرد عملية تصيّد بغيضة من النوع الذي يكثر على نحو كريه على شبكة الإنترنت ويرتبط بكل ما له علاقة بروسيا، إلا أن غيتس اتخذ القرار السليم، فمع تجدد الحرب الباردة، وُضع كتاب قواعد رجال الاستخبارات القديم جانباً، وهكذا يتحول كل مَن يعتبره بوتين خطراً مهدَّداً إلى محط أنظار مميتة.

* جون شندلر

*"أوبزورفر"

back to top