اختبار لقيادة أوباما الأخلاقية

نشر في 05-10-2015
آخر تحديث 05-10-2015 | 00:01
بما أنه جرى العرف على أن الرئاسة الأميركية هي «في المقام الأول مكان للقيادة الأخلاقية»، فإن ذلك يضع أوباما أمام اختبارات حقيقية في هذا الشأن، سواء في تصحيح أخطاء إدارته أو إدارات سابقيه، وقضية اللاجئين السوريين أحد هذه الاختبارات الأخلاقية.
 وول ستريت جورنال قال فرانكلن روزفلت إن الرئاسة الأميركية هي "في المقام الأول مكان للقيادة الأخلاقية"، وثمة أسباب كثيرة تدفعنا إلى الاعتقاد أن الرئيس أوباما يوافقه الرأي، لكن أوباما يواجه اليوم لحظة عليه أن يبرهن فيها أنه على قدر هذه المسؤولية أو يخفق.

تحوّلت الأعداد الكبيرة من اللاجئين الذين يغزون أوروبا إلى أزمة إنسانية، لكن الأكثر أهمية أن هذه كارثة أخلاقية، وأنها لا تقتصر على أوروبا، ولن أنسى بسرعة صور الهنغاريين وغيرهم وهم يعاملون العائلات البائسة بطريقة غير إنسانية، وعند الاستماع إلى رئيس الوزراء الهنغاري، لا يسعك إلا أن تتساءل عن مقدار ما تعلمته القوى التي يمثلها (إن تعلمت شيئاً) منذ أن حكم حزب الصليب المسهم البلد خلال الحرب العالمية الثانية، ولا شك أن الخلاف بشأن حصص اللاجئين الوطنية، إن لم يُحل بسرعة، سيسيء إلى ركائز الاتحاد الأوروبي الأساسية.

لا تستطيع الولايات المتحدة الوقوف مكتوفة اليدين، فالأخطاء التي اقتُرفت خلال عهد جورج بوش الابن ساهمت في هذه الأزمة، شأنها في ذلك شأن أخطاء الانسحاب التي ارتكبها خلفه. إذاً، لعبت الولايات المتحدة، بغض النظر عن نواياها، دوراً كبيراً في جعل أجزاء شاسعة من الشرق الأوسط غير صالحة للعيش بالنسبة إلى الملايين؛ لذلك لا نستطيع القول إن هذه مشكلة أوروبا وحدها، ولا يمكننا أن نقدم مساهمة رمزية ونواصل طريقنا.

لا يقتصر التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة اليوم على المسؤولية الأخلاقية تجاه المآسي الحالية، بل يمس أيضاً هويتنا كشعب والقيم التي نتمسك بها.

قبل أيام احتفلت بعيد الغفران (كيبور)، الذي يعتبره الدين اليهودي "وقتاً مقدساً لتذكر الخروج من مصر"، وفي التوراة يُدعى اليهود مرة بعد مرة لتذكر أنهم كانوا شعباً مستعبداً ومضطهداً في الأرض التي هربوا منها، ويُطلب منا نحن اليهود غالباً القيام بأمر ما أو الامتناع عنه لأنه يؤثر في الغرباء، والفقراء، أو المجموعات المهمشة لأننا كنا مضطهدين في مصر.

يتحدر معظم الأميركيين من مهاجرين غادروا "مصرهم" الخاصة، حيثما كانت، بحثاً عن الأمان، والحرية، وفرصة التنعم بثمار ما تجنيه أيديهم، وفي رسالة شهيرة إلى مجمع تورو، اقتبس الرئيس واشنطن كلمات النبي ميخا عندما وعد يهود الولايات المتحدة: "سيجلس كل واحد بأمان تحت كرمته وتحت تينته، ولن يكون مَن يرعب".

لطالما كان هذا وعد الولايات المتحدة إلى المضطهدين والمظلومين حول العالم، ويجب أن يظل كذلك اليوم.

في رسالة أخيرة، حضت مجموعة من المسؤولين في مجال الأمن القومي والعمل الإنساني الدولي وحقوق الإنسان من الإدارتين الديمقراطية والجمهورية على حد سواء الرئيس أوباما على دعم قبول 100 ألف لاجئ سوري بطريقة معجلة وتأمين الموارد ودعم الإدارة بغية تحقيق هذا الهدف.

يجب أن يشكل هذا نقطة انطلاق الجهود الأميركية لا سقفها، فبعد خروج "شعب القوارب" الفيتنامي الذي بدأ في أواخر سبعينيات القرن الماضي، نشأت الحاجة إلى إقامة مؤتمر دولي بغية التوصل إلى اتفاق بين فيتنام وجيرانها والغرب على صيغة لضمان انتقال هؤلاء اللاجئين بطريقة آمنة ومنظمة من وطنهم، وتسريع عملية استقرارهم في دول أخرى، وعلى الرئيس أوباما أن يبدأ محادثات بغية عقد مؤتمر مماثل بأسرع وقت ممكن.

يلزم أن تكون الأجندة شاملة، ونظراً إلى إلحاح هذه المسألة، يجب أن يسارع قادة العالم إلى سد الثغرات في تمويل الجهود الإنسانية، والتخفيف من الضغط المستمر الذي تتعرض له الدول على خط المواجهة، وخصوصاً لبنان والأردن، وتأمين طرق متفق عليها يسلكها اللاجئون كي يغادروا سورية والعراق بأمان من دون أن يقعوا ضحية الوسطاء الجشعين والفاسدين، وإرساء إجراءات محددة بوضوح لاستقبال اللاجئين، وتسجيلهم، وإيوائهم، ومساعدتهم قرب النقاط التي يدخلون منها إلى أوروبا. بالاستناد إلى هذه الأسس، يجب أن يضع المؤتمر اتفاقاً يحدد شروط القبول التي تشمل الأمم الأوروبية من دون أن تقتصر عليها، وإن رفضت دول الخليج العربي الثرية استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، كما هي حالها اليوم، فيجب الضغط عليها لتؤمن الدعم المادي على الأقل بما يتماشى مع مواردها بغية تنفيذ خطة توزيع اللاجئين.

خروج اللاجئين من الشرق الأوسط والمناطق الأخرى ليس سوى عارض لاضطرابات كامنة، ولست أول مَن يشير إلى أننا نشهد خنقاً لنظام الدول الذي نشأ في أعقاب انهيار السلطنة العثمانية، ولا أمل بالتأكيد في بناء نظام جديد، نظام يسمح للناس العاديين بالعيش بأمان، من دون التوصل إلى اتفاق بين القوى التي تشمل حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء، هؤلاء الذين يستغلون سورية والدول المجاورة لها كحلبة في حروبهم بالوكالة.

لن تكون هذه مهمة سهلة، وقد يقع على عاتق الإدارة الأميركية التالية تنظيم حوار متعدد الأطراف يُعتبر شرطاً ضرورياً، وإن غير كافٍ، للتوصل إلى اتفاق شامل، فقد يخفق هذا الجهد، ولكن على ضوء الأزمة الإنسانية والسياسية المتواصلة، لن نخسر الكثير إن بذلنا جهداً مماثلاً، لكننا قد نحقق مكسباً كبيراً: الفخر الذي يرافق التمسك بمبدأ يستحق العناء.

William A. Galston وليام إيه غالستون

back to top